2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo الأمم المتحدة تستنكر “تعمد” تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمستشفيات غزة logo غوتيريش: حان الوقت لوقف دوامة الأعمال الانتقامية الخطيرة في الشرق الأوسط logo أسباب تلويح إيران بـ "تغيير العقيدة النووية" logo صور "تظهر" حجم الأضرار في القاعدة الإيرانية المستهدفة! logo زياد أسود يكشف خلفيات "فصل" بو صعب وعن "حضانة" باسيل: ما حدا باقي! logo “الحزب” يستهدف تجمعين لجنود العدو logo "عبرة"... معلوف: علينا الدفع بإتجاه تسوية الحدود البرية! logo هيئة إدارة السير تستأنف العمل في قسم جونية!
الانقلاب على الطائف والدستور مستمرّ وقد أباحته المادة 80 من الموازنة، ورسالة الرئيس إلى المجلس عمليّة إنقاذيّة استراتيجيّة - بقلم جورج عبيد
2019-08-12 22:10:23



طرح فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمناقشة المادة 95 من الدستور في المجلس النيابيّ عبر رسالته إلى المجلس النيابيّ عن طريق دولة رئيسه نبيه برّي، بداءة مقاربة ومحاكاة لنظام سياسيّ، تآكله الصدأ حتى الهريان والامّحاء. السعي الحثيث، والذي شاءه الرئيس، أن يقوم المجلس النيابيّ مع الحكومة اللبنانيّة بتشخيص المرض الحقيقيّ، وإن بات معروفًا بالكليّة، وتمحيض تفاصيله والتدقيق بأسبابه. وقد جعل فخامته المادة 95 من الدستور، المدخل الرئيسيّ والمطلّ الموضوعيّ لهذا النقاش، ذلك أنّها تلخّص النظام السياسيّ المتكوّن من الفلسفة الميثاقيّة الرابطة بين المسيحيين والمسلمين، بعيدًا عن آفة العدّ وإثم الحدّ، إذ ما يجمع المسيحيين والمسلمين في لبنان يبقى فوق العد بسماجته وفوق الحدّ بثقله، مستندين إلى مقولة للإمام العظيم وأمير المؤمنين وسيّد البلاغة عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، عن الله حيث قال: إن الله فوق العدّ وفوق الحدّ، لأنّه واحد في السماوات وعلى الأرض، أي في الناس، وقد أكمل قائلاً "فمن عدّه فقد حدّه"، والتفسير الطبيعيّ بأنّ وحدة الله في جبلته البشريّة (مسيحيين ومسلمين) تفوق العدّ وتبطل الحدّ وتحترم الإنسان وترفض تحويله إلى مجرّد رقم، هنا وثمّة، لأنّ مساحتها أبديّة أزليّة لا نهاية لها، والوحدة الإلهيّة، كمبدأ، تمتص العدّ وتلفظه


وبالعودة إلى مضمون المادة 95 من الدستور، فالمشرّع استوحى الجوهر الميثاقيّ الراسخ في مقدّمة الدستور، وتحديدًافي الفقرة (ي) القائلة: "لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". فالمشترع اشترط تكوين الشرعيّة أي شرعيّة السلطة بصورة جازمة باستعماله في اللغة العربيّة اللا النافية للجنس، من رحم هذا الميثاق وصلبه. ثمّ بعد ذلك ترجمت الميثاقيّ بأبعادها الفلسفيّة وتجسيداتها الواقعيّة بالمناصفة الفعليّة القائمة في لبنان بين المسيحيين والمسلمين، فأمست وبالضرورة جوهر النظام السياسيّ، وهي قائمة في المادة 24 من الدستور. لكنّ المشرّع قد رنا في المادة 95 عن طريق المناصفة إلى إلغاء الطائفيّة السياسيّة وهي لا تعني حتمًا إلغاء الطوائف، وقد تم التأكيد على إلغاء الطائفيّة السياسيّة في مقدّمة الدستور الفقرة (ح) القائلة: "إلغاء الطائفيّة السياسيّة هدف وطنيّ أساسيّ يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحليّة".


ما هو مضمون المادة 95 من الدستور؟ تقول المادة: "على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطّة مرحليّة وتشكيل هيئة وطنيّة برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمّة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفيّة وتقديمها إلى مجلسيّ النّواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.


وفي المرحلة النتقالية:


أ-تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.


ب-تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنيّة والمؤسسات العامّة والمختلطة وفقًا لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لية طائفة مع التقيد بمبدأّيّ الاختصاص والكفاءة".


قارئ الدستور مدرك أن أساس انبثاق هذه المادة وصدورها هو المادة 24 القائلة: "يتألّف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفيّة انتخابهم وفاقًا لقوانين الانتخاب المرعيّة الإجراء.


وإلى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب يكون خارج القيد الطائفيّ، توزّع المقاعد النيابيّة وفقًا للقواعد الآتية:


أ-بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين


ب-نسبيًّا بين طوائف كلّ من الفئتين


ج-نسبيًّا بين المناطق.


وبصورة استثنائيّة، ولو لمرّة واحدة، تملأ بالتعيين دفعة واحدة وبأكثريّة الثلثين من قبل حكومة الوفاق الوطنيّ، المقاعد النيابيّة الشاغرة بتاريخ نشر هذا القانون وامقاعد التي تستحدث في قانون الانتخابات، تطبيقًا للتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وفقًا لوثيقة الوفاق الوطنيّ. ويحدّد قانون الانتخابات دقائق تطبيق هذه المادّة".


من هذه الزاوية، إنّ موادّ الكتاب، كما كان يسميه الرئيس الراحل فؤاد شهاب، بنيت على المناصفة الفعليّة وغير اللفظيّة المنبلجة من جوهر الميثاق الوطنيّ. لقد كان المفكّر ميشال شيحا وشبل دمّوس يغلّبان العقد الاجتماعيّ الطائفيّ ضمن المنطق الميثاقيّ على المواد الدستوريّة على اعتبار أن العقد مصدر الشريعة، وجوهر التشريع، وإن كان النائب أو المشرّع يستوي على المواد الدستوريّة ويرتكز عليها. الميثاق هو روح الكتاب المتحرّك سياسيًّا في مسرى العلاقة بين الطوائف اللبنانيّة، على أساس أن ليس من غلبة على طائفة لطائفة. هناك تسليم واضح بأنّ لبنان لا يمكن أن يكون لطائفة واحدة، بمعنى أن هيمنة الطائفيّات السياسيّة أبطلت الحقوق ودمّرت العقد الميثاقيّ وأباحت الخلل في طبيعة النظام السياسيّ اللبنانيّ.


في ظلّ هذه الظروف المعيشة، تم إقحام المادة 80 من قانون الموازنة، وقد ظهر الخلل مريعًا في ميكانيزم التوطيف، حيث بدا البون شاسعًا بين المسيحيين والمسلمين (10/90). البون بحدّ ذاته هتك للتوازن ومسّ بالأسس الميثاقيّة. ولو افترضنا بأن النتيجة جاءت لصالح المسيحيين لكان الموقف عينه من رئيس الجمهوريّة. ذلك أن القضيّة الجوهريّة تكمن في طبيعة النظام السياسيّ وجوهره. فهي قائمة على التوافق أو ما سمي بالديمقراطيّة التوافقيّة-التشاركيّة أو الشركويّة. وإذا دمجنا المادتين 24 و95 لرأينا بانّ توزيع المقاعد النيابيّة "بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، ونسبيًّا بين طوائف كلّ من الفئتين والمناطق"، ليس منفصلاً حصر التوزيع في الفئة الأولى فقط، على أن تلغى المناصفة بحسب المادة 95 وهنا مكمن النقاش الذي طلبه فخامة الرئيس في الوظائف العامّة والقضاء والمؤسسات العسكريّة والأمنيّة والإدارة فتحلّ الكفاءة مكانها. ما يؤسف له بأنّ استدخال المادة 80 في الموازنة بدا استغلالاً مقيتًا للفقرة (ب) من المادة 95، إذ نصّت الفقرة تلك على أن تراعى مسألة المناصفة في وظائف الفئة من دون تخصيص او تحديد.


ما ظهر للرئيس ميشال عون وبحسب مصادر مقرّبة منه، بأنّ حصر مألفة المناصفة بالتطبيق والتجسيد في الفئة الأولى جور كبير وخطأ فادح، لأن التوازن في النظام الطائفيّ لا يمكن تطبيقه في مكان والاستغناء عنه في مكان، فهو لا يجزّأ بل هو قالب واحد يستوي به الجميع من القمّة إلى القاعدة. ما بدا للرئيس بأن استدخال المادة 80 وبالنتائج المقرّة فعل سياسيّ بامتيار يدورد ويتحرّك في السياق عينه الذي تحرّكت به العناوين الكيانيّة المتفجّرة في لبنان. وهو في الوقت نفسه يضرب صلاحيّة رئيس الجمهوريّة في المواد الدستوريّة التالية: 56، 57، 58، كما يمسّ بصلاحيّة رئيس الحكومة عبر الفقرتين 3 و4 من المادة 64 من الدستور، حيث يوقّع الدعوة إلى فتح دورة استثنائيّة مع رئيس الجمهوريّة وإصدار القوانين، كما المادة 65 من الدستور في الفقرتين 1 و2. إنّ استدخال المادة 80 من الموازنة إطاحة بتلك المواد الأساسيّة والجوهريّة، والمستمِدّة وجودها كما سلف وبرهنّا من القاعدة الميثاقيّ وتحديدًا في الفقرة (ي) من مقدّمة الدستور القائلة "لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك".


إذا ساغ الكلام في هذا المقام، فإنّ استدخال المادة 80 من الموازنة بنتائجها وتداعياتها، يستدعي بالضرورة البحث في عدد من المواد الدستوريّة، وفي مسألة تطبيق اتفاق الطائف، إذ، وكما يبدو، لا يزال الانقلاب عليه سائدًا من المجموعة التي هيمنت على لبنان وعلى السلطة فيه المزروعة من الثلاثيّ السوريّ-السعوديّ عبد الحليم خدّام وحكمت الشهابيّ وغازي كنعان، وهي التي في حقبة دقيقة، انطلقت من تموضع الإسلام السياسيّ في المنطقة، ومن رحم هذا التوضع وبعد انكسار المارونيّة السياسيّة تولّد السنيّة السياسيّة بالتشخصن الحريريّ، وتحالفت مع الشيعيّة السياسيّة الممثّلة بالرئيس نبيه برّي والدرزيّة السياسيّة الممثلة بوليد جنبلاط. هذ الثلاثيّ وبحسب متابعين لا يزال حيًّا على الرغم من انحجاب واحد ووفاة اثنين. ورموز هذه الثلاثيّة لا تزال تتحرّك وقد وضعت نفسها في اصطفاف واحد ترعاه المملكة العربيّة السعوديّة وخلفها الولايات الأميركيّة المتحدة، تمتمتها بفصاحة ووضوح زيارة رؤساء الحكومات الثلاث للبحث في اتفاق الطائف ووضع الطائفة السنيّة وصلاحيات رئيس الحكومة، إلى أن تم تسريب تلك النتيجة في المادة 80 ظنًّا من المسرّبين في الليل أن أحدًا لن ينتبه لها.


بناءً على ذلك وعلى المادة 77 من الدستور سطّر فخامة الرئيس رسالة للمجلس النيابيّ دعاه فيه لمناقشة المادة 95 من الدستور ضمن تطبيقاتها الميثاقية، وإسقاطًا لنتائج مجلس الخدمة المدنيّة الشديدة الخلل في مدى التوظيف. ذلك أن لبنان لم يبلغ النظام المدنيّ، ولم تلغ بعد الطائفيّة السياسيّة، وفي المادة موضوع النقاش، أظهر المشترع بأن المناصفة المتيامنة ما بين المادتين 24 و 95 شرط أساسيّ لإلغاء الطائفيّة، فكيف إذا أطاحت نتيجة المادة 80 بتلك الموازين، هل يجوز أن تهيمن هذا المادة على المواد الدستوريّة المتجليّة من رحم الفلسفة الميثاقيّة؟


لا يزال طائف-الجمل الخفيّة مهيمنًا على النصوص الدستوريّة وهو مانع من تطبيقها بفعل استمرار الانقلاب عليه. وبسبب مبدأ الانقلاب أصيب النظام السياسيّ بالندوب والشحوب فغلبت المعطوبية عليه بفعل هريان هيكله. قد يكون النقاش الذي طلب فخامة الرئيس فتحه من المجلس النيابيّ بواسطة رسالة وجهها له عبر رئيسه المنطلق لتعديل ما يمكن تعديله من الدستور والعمل على إدخال النظام السياسيّ بعملية جراحية تشفيه من سقمه وتعيده إلى الحياة في ظلّ استمرار الإقليم على التشاد المتوتّر.


إنّ السلطة التشريعيّة والتمثيليّة تحت المجهر، والأحزاب السياسيّة تحت المساءلة. فإمّا ننطلق في إنقاذ البلد وضخّ الحياة في العقد الميثاقيّ الجامع بين المسيحيين والمسلمين والمتجسّد من الرأس إلى القاعدة، أو قد نكون أمام مرحلة جديدة تحدّدها طبيعة المساومات في المنطقة.


فلننتبه ولنتجه إلى الإصلاح الميثاقيّ ليكون المنطلق الجوهريّ لدولة المواطنة قبل فوات الأوان.  



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top