2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo صحة غزة: الجيش الإسرائيلي نفذ إعدامات مباشرة للكوادر الطبية والمرضى بمجمع الشفاء الطبي logo هذا ما دوّنته “اللواء” في سطور افتتاحيتها logo السعودية: نأسف لفشل مجلس الأمن في اعتماد مشروع قرار بقبول العضوية الكاملة لفلسطين logo مصدر عسكري سوري: عدوان اسرائيلي استهدف مواقع الدفاع الجوي في المنطقة الجنوبية logo بين المفتي الجعفري والمناضل البشرّاوي logo كيف سيكون الطقس في الأيام المُقبلة؟ logo "عار أبدي"... أميركا تسقط عضوية فلسطين في الأمم المتحدة logo بيان من "مياه بيروت وجبل لبنان" بشأن تحصيل اصدارات 2024
"بالصليب قد أتى الفرح والشفاء للعالم" (بقلم جورج عبيد)
2019-09-13 18:06:47



في أزمنة الناس ومسرى حياتهم، الصليب رمز للشدّة والألم والاضطراب. كثيرون قالوا في لحظات الاضطراب هذا صليبنا. المرض صليب، الشيخوخة صليب، الخيانة صليب، الدنيا بأسرها غابة صلبان متصلّبة في الأرض، حتى أنّ شاعرة من بلادي قالت لأسقف زارها وهي تعالج قبل وفاتها في الجامعة الأميركيّة في بيروت، قل لمعلّمك بأن يرفع صليبه عنّي بسبب أوجاعها المبرحة. الصليب حوى عند بعضهم تمزّقًا تراجيديًّا كبيرًا يدني الناس من النهاية العدميّة.


 


ليس من شكّ بأنّ الصليب اتخذ معنى الألم. ذلك أن يسوع لما علّق عليه كابد الآلام بذروتها الفائقة. لكنّ مهمته لم تقف عن حدود الآلام، بل انتهت بالنصر المبين المحقّق بالقيامة. كانت مهمّة يسوع على الخشبة أن يحيي الناس من الموت، أن يحرّرهم من سلطانه. ولذلك فإنّ الجمعة العظيمة وعيد الصليب عيد للنصر واستباق للفصح العظيم.



كثيرون في هذا العيد ركّزوا ويركّزون في حدثه التاريخيّ مع المعظمة هيلانة. سأتجاوز في هذه العجالة الواقعة التاريخيّة إلى المعنى المستقى من هذا العيد. فالمعنى يتجلّى بالقوّة المجسدة فيه كعلامة للنصر، وليس كعلامة للتمزّق والعار. فالصليب غدا أيقونة سماويّة أو مصعدًا نحو السماء في اللحظة التي ارتفع السيد المبارك عليه. بمعنى أن العيد الذي نحن فيه يحمل المصلوب إلى قلوبنا والشفاه، يقرّبنا إلى حبّه وفدائه العظيمين ويجعلنا نراه نورًا من نور كما في التجلّي وفي القيامة رأيناه على بهاء كثيف. إذًا نحن لا نعيّد للآلام ولا نعتبر الصليب رحمّا لانبثاثها في أجسادنا ونفوسنا، لم تعد الآلام أنظومة الخطيئة تستبدّ بنا... الآلام موجودة بطبيعة الحياة وبمسيرة أجسادنا وأعمارنا... الجسد إذا تصفّى من أدران النفس وشهواتها يصير هيكلاً للروح القدس، لكنه مجموعة خلايا قابلة للعطب والانهيار، إنه معطى بيولوجيّ نفسيّ، يتقدّم من الطفولة إلى الصبا فالشباب فالكهولة وصولاً إلى الشيخوخة. وفي كلّ هذا فهو معرضّ للآلام للجراح...



لا يفترض بنا هنا الظنّ أنّ كل مرض واسترخاء يسببهما الله لنا. وغالبًا ما نسمع: "الله هيك بدّو". الزعم هذا يأتي من جهل وليس من فهم. لأننا نجهل طبيعة العلاقة بين الله والإنسان. وقد ساد فكر رائج عند بعض من المسيحيين لا سيّما في الفكر الكاثوليكيّ، بأن الآلام طريق للتطهّر وكأنّ الإنسانية تطلبه كواحة للطهارة والبركات. هذا الفكر لا يسوغ أن يهيمن على أحاسيسنا أو يجعلنا أسرى له لأنه المروق بذاته. المسيحيّ يتطهّر بالتوبة ولا شيء آخر سوى التوبة. وإذا انتابت أبداننا الأوهان وأصابتها الأمراض فحينئذ يكون الألم والمرض مديين حقيقيين للطراوة وفهم معنى إنسانيتنا. نحن لا نطلب الألم هو موجود منذ بدء الخليقة ونحن نقاومه ونواجهه كما واجهه السيّد وفجّره في القيامة.



بعد قيامة المسيح ليس لنا علاقة مع الألم لأنّه كما الموت أبطل بالصليب. في صلاة السحر لهذا العيد وفي كلّ أحد ويوم الفصح نقول: "إذ قد رأينا قيامة المسيح فلنسجد للربّ القدوس البريء من الخطأ وحده. لصليبك يا سيّدنا نسجد ولقيامتك المقدّسة نسبح ونمجّد. لأنه بالصليب قد أتى الفرح لكل العالم. لأنّه إذ احتمل الموت من أجلنا بالموت للموت أباد وحطم". ما هو فريد هنا، أنّ الصليب موصول بالقيامة. إنه الطريق إليه. ولهذا فإن سجدنا له نكون أمام مجد القيامة. القيامة في هذا العيد هي الكلام المقول. وعند بولس الرسول الأكرم آية قال فيها: "المسيح مات ثمّ قام". المسيح مات على الصليب حتى لا نمرض ولا يعترينا الموت بل لنحيا. نحن نحيا بالمسيح يسوع وليست لنا حياة من دونه. إنه ظهر حياتنا، وكشفها لنا بكلّ شفاء وإقامة موتى حتى قام من بعد الصليب. في العيد نسجد للذي علّق على الخشبة ونعرف أنه في كلّ سجود وقيام وقعود وانطلاق أنه يتحرّك فينا ويحرّكنا إلى كل برّ وحقّ وجمال وخير. كلّ ثورة طلبًا للحق صرخة كونيّة له. أنين الفقراء والموجوعين يعبّر عن أنينه. كلّ خلجة إنسانيّة يسكنها المسيح. كلّ فن راق وقصيدة عظيمة يبيت المسيح في حناياها فيمثّل جمالها. كلّ كرم يكشف المسيح خبز حياة ومحبّة.



أن تكون للصليب فأنت مأخوذ إلى هذه الحقائق. انت مدعوّ للمواجهة. تواجه الظلم كما تواجه المرض فيك. والمواجهة بهذا المعنى ترنو نحو ازدياد منسوب الحقّ في الوجود. ليس من نظام بلا حقّ وليس من حياة بلا خير وليس من آفاق بلا فكر وليس من إبداع بلا جمال قضية المسيح بموته وقيامته هي هنا، هي في أن يكون الإنسان إنسان الحق والخير ويتجلّى ويتجمّل بكلّ ذلك. وإن أدركنا الموت فلنا أن نعي بأنّ المسيح لا يتركنا مشلوحين في القبور وإن تمزّقت أجسادنا أو تشوّهت. من رفع الصليب أو رسم إشارته بإيمان كبير أو من كان إلى الثالوث سيكون فيه المسيح بسبب من الميرون ليقيمه في مجده العظيم.



كل مواجهة تمتمة للقيامة بالصليب فينا. سنفهم هذا حتمًا لحظة نشارك في تطواف الصليب وهو على صينيّة محاطًا بالرياحين والزهور وثلاث شموع. سنسجد له بعد القداس الإلهيّ ليكون المصلوب فينا حاميًا لنا من الأمراض والموت. سنقول للمصلوب، تعال وأقم معنا وفيما بيننا، ولا تتركنا في التجارب فإنك الحياة ولا نرجوك سوى أب يحضننا في لحظات حياتنا وفي انعطافاتنا لنلج من أوجاعنا إلى بهاء القيامة فيك ومنك إلينا وإلى الإنسانية بأسرها.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top