2024- 03 - 28   |   بحث في الموقع  
logo الوزير بيرم استقبل كعدي.. وتأكيد على رفض الجدران التي تعيق التواصل logo حميّة يُتابع مع الصمد شؤوناً إنمائيّة وانهيارات الطرقات logo "أمل" بيضة قبّان المهندسين: ثمن باهظ سيدفعه مرشح باسيل logo "فشر"... وديع عقل رداً على جعجع: كلامك كذب وتحريض logo بالتفاصيل... الرواية الكاملة لفرار داني الرشيد! logo مسؤول إسرائيلي يحدّد توقيت "الدخول الى لبنان"! logo 62 شهيداً جديداً..والحركة الاستيطانية تخطط للاستيلاء على أراضي غزة logo أميركا تغيّر من نهجها تجاه عملية إسرائيل في رفح... تقرير يكشف!
الحاجة إلى رؤية أرثوذكسيّة جديدة في اللحظة التكوينيّة المنتظرة (بقلم جورج عبيد)
2019-10-05 13:08:49



أنار الباحث والمتبحّر في الشؤون الأرثوذكسيّة المحامي كارول سابا المشرقيّ الانتماء والباريسيّ الهوى دروبنا الأنطاكيّة في قراءة تاريخيّة واستراتيجيّة للواقع الأرثوذكسيّ منذ القرن التاسع عشر إلى الآن عبر حلقات أربع نشرها في جريدة النهار. تلك حلقات تميّزت بالجدّة والجديّة في آن. وقد امتاز كارول بمجموعة استنباطات نتجت من إضاءات فذّة على علاقة الكنائس الأرثوذكسيّة ببعضها وبمجتمعاتها، وبمعاناتها الجمّة خلال مراحل الاستعمار العثمانيّ على مدى خمسة قرون،، وصولا إلى التأثيرات السياسية والجيو-سياسية التي كانت نطغى أحيانًا كثيرة على موقع الكنيسة ودورها وحضورها. هذا البحث جدير بأن يقرأ بتفاعل مع معظم عناوينه ويأخذه أعضاء المجمع الأنطاكيّ المقدّس الملتئم برئاسة السيّد البطريرك يوحنا العاشر في البلمند حتى تاريخ العاشر من هذا الشهر الجاري، فيروا فيه المنطلقات الضروريّة لبلورة خطة جديدة تطلّ بقوّة على المستقبل الآني على القاعدة التالية: "واثق الخطوة يمشي ملكًا"، كما قال الشاعر إبراهيم ناجي في قصيدة الأطلال.
 
ثمّة تحديّات يحاول أحبار الكنيسة التهرّب من مقاربتها مقاربة جريئة إمّا لعدم القدرة أو لعدم الإرادة، فيلجأون ككلّ مرّة إلى بيانات إنشائيّة خالية من المقاربات ومن القراءات ومن التحديدات ومن القرارات. لا شك ّ أن بعض العناوين التي قرّر واضعو البرنامج هامّة وأساسيّة وتعنى بحياتنا كالزواج والعائلة والطلاق وما إلى ذلك. وقد بات لزامًا على الكنيسة الأرثوذكسيّة وضع شرعة جديدة في هذه المسألة الدقيقة في زمن سقوط القيم والبلوغ نحو انحطاط أخلاقيّ عميم يجعل من الطلاق ترفًا ويهدّد عائلاتنا ويشتّت أولادنا. ثمّة شرعة مطلوبة وجديّة وملزمة بالإمكان أن تعرض على الكنائس المسيحيّة الأخرى حتى لا يتمزًق جسد المسيح مع تمزًق أسرنا. ومع هذه المقاربة المطلوبة، ثمّة شرعة أخرى لا يسوغ الهروب من تداعياتها وثقل إرهاصاتها وهي بالأهمية عينها للعنوان الأوّل، تختصر بعنوان واحد: "علاقة المؤمن بمؤسساته الكنسيّة" إذا رمنا أن يكون كلّ شيء مشتركًا بين الإكليروس والمؤمنين.
 
قبل الغوص في هذا التحدًي المنتظر، تبدو الحاجة ملحّة لطرح الأسئلة الجديّة التي طرحها كارول سابا في أطروحته بشموليّتها، حول الحركات الانفصاليّة والتقسيميّة التي حصلت في كراسٍ رسوليّة عبر ممرّ التاريخ وبتأثيرات دوليّة وسياسيّة، لنفهم أن تثبيت كرسيّ أوكرانيا من قبل البطريرك المسكونيّ وخلوًّا من القرار المجمعيّ المسكونيّ ما هو سوى لعبة سيق إليها الرجل بآحاديّة مفرطة نتيجة الضغط الأميركيّ على بطريرك موسكو كيريل ورئيس روسيا بوتين. ليس البحث مكنونًا في الحدث كحالة عابرة، بل هو مكنون في تردداته وتأثيراته المفرطة على الكراسي الأرثوذكسيّة ولا سيّما على الكرسيّ الأنطاكيّ المقدّس. بعض المعطيات أظهرت أن أحاديّة برثلماوس فتحت شهيّة عدد من المطارنة في أبرشيات عديدة ضمن كراسّ رسوليّة للتوثب نحو الانفصال. من يقدر أن يستبعد حصول هذا الحراك في عالم متغيّر متلاطم أو ينفيه فليقدّم حججه. 
 
ترددات الخلاف بهذا القرار بدأت تظهر داخل الكرسيّ الأنطاكيّ بعناوين تحوّلت إلى عوارض تنذر باستشراء المرض في الجسد الأنطاكيّ النحيل. لقد بدأ بعضهم بالتمييز بين مطران سوريّ وآخر لبنانيّ، وقد ذكّرنا هذا الأمر بلحظة انتخاب المطران ألكسندروس طحّان بطريركًا على أنطاكيا وسائر المشرق في أوائل الثلاثينات من القرن المنصرم. حاول الفرنسيون تشجيع مطارنة لبنان للانفصال عن دمشق، وهم من قدّموا أنطاكيا ولواء الإسكندرون هديّة للأتراك من دون العودة إلى إرادة السوريين. وبعد خروج الفرنسيين والإنكليز من المشرق ونشوء قضيّة فلسطين وتحوّل العالم إلى الحرب الباردة بين الأميركيين والسوفيات، دخل الأميركيون بمخابراتهم ورجالهم على خطّ الكنيسة الأرثوذكسية، وضغطوا بقوّة لإبعاد التأثير السوفياتيّ عن كنيسة الروم سواء عبر انتخاب بطاركة أو مطارنة كما حصل خلال انتخاب البطريرك ثيودوسيوس أبو رجيلي أو البطريرك الياس الرابع. الكنيسة ليست بمنأى عن التاريخ أو عن مسارّه وتشعباته، إنها جزء منه وتأثيراته تحيا فيها وتتغلغل في ثناياها.
 
هذا يدنينا لطرح السؤال التالي ماذا يحصل في كنيسة أنطاكيا وسائر المشرق بعد سنة ٢٠١١؟ هل من أحد لا يجزم ويعتقد أنّ الحرب على سوريا وعلى المشرق لم تلق بثقلها عليها؟ ألم تؤخذ الكنيسة إلى أزمة العلاقة بين أميركا وروسيا قبل الأزمة الأوكرانيّة الروسيّة؟ هل نسي بعضنا مواقف موثّقة لبعض أساقفة وكهنة ترفض دخول الجيش الروسيّ في الحرب على الإرهاب وقد اعتبرها الأب تشابلن كما المطران هيلاريون أخلاقية ومقدّسة وحامية لمسيحيي المشرق فيما الموقف الرسميّ لكنيسة أنطاكيا كان داعمًا وبحق للحرب على الإرهاب؟ ألم ترتجّ الوحدة المجمعيّة بسبب الصراع في المقاربات وبعضها ينبع من انفعالات شخصيّة منغمسة بخيارات استراتيجيّة مأخوذة سلفًا؟ والسؤال الجوهريّ المطروح، ألا يمكن للعقل إذا سما وانفتح أن يتجلّى ويتجنّد نحو خيارات ليست بالضرورة توليفيّة ولكنّها تقارب الواقع من زاوية المحافظة على الروح الأنطاكيّة المشرقيّة ضمن مسلمّة الانفتاح على العالم الغربيّ والشرقيّ في آن سيّما أن للكرسيّ الأنطاكيّ كما كنيسة روسيا مؤسسات في أميركا وفرنسا؟ لقد كان المطران فيليب صليبا رحمه الله عروبيًّا ومشرقيًّا بقوّة في أميركا وقد كرّم اللقاء الأرثوذكسيّ ذكراه وفي الوقت كان يتعاطى مع الأميركيين باحترام لذاتيّته كما يتعاطى خلفه المطران يوسف زحلاوي. هل استطاع الأميركيون إغلاق جامعة سانت فلاديمير في نيويورك بسبب الأزمة الأوكرانيّة؟
لعلّه بات من الضرورة أن نتجه نحو مقاربة تحافظ على الوحدة الأنطاكيّة ضمن مسلمتين جوهريتين:
 
١-أن تبقى الكنيسة أنطاكية الجذور مشرقيّة الانتماء. وهذا ما يكسبها المزيد من الاستقلالية في التعبير عن ذاتيّتها وموجوديّتها في قلب المشرق ومجاهدة لبقاء فلسطين أرضًا للمسيح
 
٢-أن تطلّ على موسكو كحاضنة للأرثوذكسيّة المشرقيّة كما حضنها الآباء المشارقة، وتظلّ العلاقة مع الغرب من باب الواقعيّة السياسيّة من دون التسليم بسياسة لا تزال تناصر إسرائيل بصهيونيّتها المتعجرفة.
 
لكنّ الأساس يبقى أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة على مستوى اصطفافها الداخليّ مدعوّة للتحرّر من لفظتين أو مفردتين لا ثالث لهما، وهما مفردة الملّة كتعبير عثمانيّ قديم ومفردة العلمانية وهي مستوردة من الثورة الفرنسيّة الكبرى وقد عبّرت غير مرّة عن التمرّد والإلحاد، حين تبلغ نحو العلمانويّة. يسيء كثيرين أن تبدو تلك المألفة رائجة كمألفة العوام، باستلذاذ كبير عند عدد من المطارنة لضرب منطق الشركويّة الحيّة بينهم وبين المؤمنين. لم ينتبه كثيرون إلى تجارب أبرشيات عاشت التخبّط الكبير بسبب بلوغ مطارنتها الشيخوخة وعدم وجود مجلس أبرشيّ يساعد الأسقف في الإدارة والمالية وتنظيم الأوقاف. لقد هزل تلك الأبرشيات بسبب الفردانيّات المتراكمة وبسبب الروح الإقصائيّة المستبدّة تحت سقف هاتين المألفتين التافهتين والخطيرتين في آن. المجمع المنعقد في البلمند إن لم يعمّم ثقافة الشركويّة فالكنيسة كجماعة المؤمنين لن تلج القفزات الجلّى في هذا العالم المتبدّل وفي ظلّ التحوّلات الظاهرة. كنيسة المسيح ليست كنيسة الأساقفة بمنأى عن جماعة المؤمنين وليست، تاليًا، كنيسة المؤمنين بلا إمامة كاهن وأسقف وبطريرك. هذا عقد يجب أن يبرم بدم المسيح الذي أسّس لكنيسة الشراكة على أن تطلع الشراكة ديمقراطية من فم الناس وقلوبهم. لا تمزّقوا هذه الكنيسة بالآحاديات المندرجة بمجموعة مصالح. ولا تعمدوا على تجذير غربة المؤمنين عن مرسساتهم بسبب الفاقة والعوز. كنيسة مدينة الله العظمى تناديكم للمحافظة على بهائها ومجدها، وإن لم تفعلوا.... فانتظروا غضب المسيح بشعبه المؤمن والعظيم.
 
 
 


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top