2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo بالصوره: العدو يستهدف منزلاً على أطراف بلدة المنصوري logo فتفت زار مع وفد نقابة المهندسين في بيروت لتهنئة حنا logo "بصاروخ"... ماسك يعلق على الضربة الإسرائيلية لإيران! logo "مأساة" في صور... سوريان قضيا غرقا! logo كنعان: انتبهوا من السياسي الشعبوي والخبير الدجّال logo عمليةٌ جديدةٌ لحزب الله جنوباً! logo "دوي هائل"... القصف الإسرائيلي يطال بلدتي المنصوري وعيترون! logo ضبط 22 درّاجة آليّة مسروقة... هل تعرّفتم إليها؟
هذا ليس احتجاجًا مطلبيًّا بل شغب محرّك من أصابع خارجية يطال العهد والحكومة (بقلم جورج عبيد)
2019-10-19 14:10:42



لا شكّ بأنّ المطالب الاجتماعيّة والاقتصاديّة حين تثقل على كاهل اللبنانيين وتضغط على حياتهم ستبلغ مبلغًا واضحًا وكبيرًا من الانفجار. الخبز والحريّة متساويان في جوهر الكرامة، واللعب بحياة الناس بطريقة فاجرة وداعرة، كالرقص في جوف الجحيم.
 
من تابع مسار الأحداث تراكماتها اكتشف بأنّ المؤشّرات ليست بريئة من العيب. فقد تركوا رئيس البلاد-الجبل، يلفظ كلمة لبنان في الأمم المتحدة، لينطلقوا بمقدمات الشغب. دخل كارتيل النفط، ومن ثمّ الأفران، وتجار الأدوية بهدف الضغط ومن ثمّ إحداث الشلل من زاوية الشغب، ارتفع سعر صرف الدولار حتى بلغ يوم أمس في الوسترن يونيون 1622ل.ل، وتمّ التهديد برفع سعر صفيحة البنزين على المواطنين. كلّ ذلك كان الطريق إلى انفجار البارحة، منطلقين من قرار مجلس الوزراء بالضرائب على المواطنين ووضع سعر اشتراك في الواتس آب.
 
وقبل قراءة ذلك بتؤدة وهدوء، لا بدّ من لفت النظر إلى أن ثمّة رعاعًا بكل ما للكلمة من معنى تحركوا ويتحركون على درجاتهم النارية، وهم يحملون الإطارات ويشعلونها، فما هو المعنى من إشعالها، ولماذا لا يلاحقون من قبل الأجهزة الأمنيّة، ولماذا لا تلاحق الأجهزة عينها من قام بتحطيم واجهات المحلات في بيروت والتعدي على ممتلكات الآخرين؟ والبارحة بالذات عرضت إحدى الشاشات شابًّا صرخ بأعلى صوته قائلاً "ما معي آكل ما معي إشرب، أنا ميكانيسيان عندي شغيلة بدي إدفعلن مني قادر"، ثم راح يضحك بصفاقة ووقاحة فتبيّن أنه من الرعاع. 
 
ما حدث البارحة لم يكن مجرّد احتجاج سلميّ أو تظاهرات سلميّة. بل كان عصيانًا حقيقيًّا أنتج خرابًا كاملاً ومن دون أهداف واضحة وبديلة. في العالم الديمقرطيّ كما في باريس يتحرّك الناس باحتجاجات على قرارات رأوها أو يرونها جائرة، لكنّ التحرّك ينطلق من بدائل تتبلور عند القادة أو عند المتحركين. مشهد البارحة كان شديد الغموض من حيث عدم انكشاف الداعين أو المسؤولين عن الحراك، فبدا حراك البارحة بلا أب أو أم موجهَين ومخططين ممّا جعله عفويًا. لم يخرج سياسيّ واحد، أو حتى نشطاء يتكلمون على الأهداف المعلنة خلف هذا الحراك الذي تحوّل إلى فوضى هدّامة، ممّا يعني أنّ المسألة أبعد من واتس آب وضرائب، بل هي مرتبطة بنظام اقتصاديّ وماليّ مهترئ بحدود واضحة، حيث بات مأزومًا بل بات هو الأزمة بحدّ ذاتها، احتشدت القوى السياسيّة حوله لاقتسام مغانمه وأرباحه على حساب خزينة الدولة والناس البسطاء، ولحقت بتلك القوى مؤسسات مصرفيّة ونفطيّة واستشفائيّة وما إلى ذلك لعقد الصفقات والمشاركة في عمليّة الاقتراع والاقتسام، وتماهى ذلك مع استغلال قوى خارجيّة ولاعبة كلّ مفردة من مفردات الأزمة الاجتماعيّة لاستغلالها وتفخيخها حتى انفجرت ولا تزال قيد الانفجار.
 
ليس الالتهاب والانفجار بهذا المعنى بريئًا من خيارات طاغية يعمل بها أو يحاول بعضهم الضغط من خلالها للتهديد والكسب، طالما أن هذا الاندفاع لا أب منظورًا ومرئيًّا له. ما نعلمه حتى تلك الساعة أنّ العهد والحكومة مستهدفان من قوى تمسرحت ولا تزال تتمسرح على الأرض وترخي بضغوطاتها لتؤكّد موجوديتها بمواجهة العهد والحكومة. لا يعني هذا أنّ معظم الوزراء في هذه الحكومة أعفّاء وحكماء. فماذا يعني قرار وزير الاتصالات محمد شقير بإخضاع مكالمات الواتس آب لتعرفة صادرة عن وزارته، ومن سيستفيد من هذه التعرفة ولماذا يطرحها وفي هذا الزمن بالذات؟ ما معنى قرار الحكومة اللبنانيّة بفرض الضرائب على الناس والمواطنين، فيما الجميع يعلم أن بلوغ لبنان الدين العام المترجّح ما بين ال 80 مليار دولار وال 130 مليار دولار سببه السرقة المكشوفة. إذا ساغ لنا طرح سؤال وجيه، أين المهيمن على مرفأ بيروت ومن المستفيد من أرباحه وماليّته، هل يجرؤ أحد من المسؤولين أن يشير إلى المستفيد بالإصبع، وهو من عمد ويعمد على عرقلة العهد في مسيرته؟ كيف نقبل أن يتولّى المسؤوليّة السياسيّة في لبنان لصوص ومجرمون وخونة وعملاء؟ منذ ما بعد الطائف ومؤسسات الدولة ضحيّة لفسادهم وإفسادهم. أيجوز والسؤال مكرّر وسيكرّر أن يكون وسط عاصمة لبنان بيروت، لؤلؤة المتوسّط وخزّان الثقافة والفكر والشعر ملكًا لشخصّ أو شركة، هل رأيتم مثل هذا في العالم؟ أين هي أموال مجلس الجنوب وصندوق المهجرين وقطاع التبغ وما إلى ذلك؟ كيف يمكن القبول بتلزيمات تحوم الشبهات حولها وفوقها وتحتها وجميعها بالتراضي؟ هل يجوز أن يكون في سوكلين والMTC touch صندوقان أسودان تتقاسمهما بعض القوى السياسيّة على حساب لبنان واللبنانيين؟ وهل مقبول أن يبقى لبنان طويلاً بلا كهرباء لأن ثمّة من يعارض الخطّة الإصلاحيّة التي وضعها على وجه التحديد التيار الوطنيّ لحرّ، وبلا ماء تحت حجج واهية، وأن يبقى فضاؤنا موبوئًا وملوّثًا برائحة النفايات الكريهة الصادرة عن مكبّ برج حمود وسواه، والرائحة تجتاحنا من كل حدب وصوب؟ هل يعقل أن تبقى شوارعنا مليئة بالنفايات بسبب الخلافات على تقاسم أرباحها؟ وبعد هل يعقل أن يخرج قاض مستقيم ورائد وراق لو لم يحترق فؤاده ويلتهب ضميره ويقول بمكاشفة للناس: خير لي أن أعمل بياع فلافل من أن أكون شاهد زور على استباحة مؤسسات الدولة؟
 
من هذه الناحية يسوغ القول بأنّ الأسباب الموجبة للتظاهر جليّة وواضحة ومحقّة، ولا يفترض أو يجدر بأحد التعاطي معها بخفّة واستخفاف. هذا الاستكبار الممارَس من الطبقة السياسية المترافق بفجور كبير واستحقار بليغ، آن له أن يتوقّف. وعلى الرغم من هذا الحقّ المنكشف من أفواه الناس وصرخاتهم، فإنّ الجور الكبير أن يوضع رئيس الجمهوريّة تحت وابل الاتهامات، وكيل الشتائم الممجوجة بوجهه، فيما بات واضحًا أنّه مستهدف منذ اللحظة الأولى لانتخابه على سدّة الرئاسة. لقد قال أحد الأقطاب السياسيين، لقد أوصلناه إلى الرئاسة لكننا لن ندعه يحكم. 
 
أمّا بعد فالمشهد بات يتوضّح شيئًا فشيئًا. في السابق أي منذ سنوات، لم يتحرّك الناس في مواجهة صفقات النفايات، ولم يتحرّكوا في مواجهة الصفقات على كافة المستوياتـ فلماذا هذا الانفجار وفي هذه اللحظة بالذات؟ 
 
لقد تعوّدنا طرح الأسئلة عن اللحظة، لأنّ محتوى الأزمنة هو الجوهر الذي يفرض نفسه في الخيارات السياسيّة. من المعيب طبعًا التنكّر للقضايا الاجتماعيّة والمعيشيّة أن في ذلك خيانة للحقّ. لكن حقّ للقارئ المتبحّر أن يشرّح اللحظة وينظر إليها بمكبّر Loupe يتيح له صفاء الرؤية على الرغم من الغبار المتطاير في الجوّ. لقد بات لزامًا القول بأنّ ثمّة استهدافًا واضحًا لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بسبب مواقفه الشجاعة والجريئة تجاه لبنان وسوريا والمنطقة وتجاه المقاومة في وقت لا تزال بعض الدول تتشدّد في مسألة العقوبات على حزب الله، وتشاؤه بقوّة من خلال ورقة النازحين مقرًّا وممرًّا لاستهداف سوريا أو محاولة استهدافها. إن هذه الأزمة استهداف لموقف رئيس الجمهورية من زيارة سوريا واستهداف أيضًا لموقف جبران باسيل الذي أعلن بأنه سيزور سوريا لإعادة النازحين، وإن لبنان فقد رئة وهي فلسطين بفعل احتلال إسرائيل وقد كانت طريقًا له نحو العالم العربيّ عبر الأردن ونحو إقريقيا من خلال معبر غزّة، فهل نفقد الرئة السوريّة وهي مدخلنا الحاليّ نحو العالم العربيّ عن طريق معبريّ النصيب والبو كمال؟ هذه المواقف هي جوهر هذه المواجهة وعلّة تحريك المشاغبين في بيروت وعدد من المناطق اللبنانيّة.
 
عنوان اللحظة الحالية: "لبنان في وسط الفوضى الهدّامة"، هذه الفوضى ليست وليدة ذاتها. بل وليدة ترتيب استراتيجيّ أعدّ له بإحاكم شديد، من العراق إلى لبنان. الذي حصل في العراق منذ أسبوعين وكلّفه أكثر من 120 قتيلاً، استهلاك بدوره لملفّ الفساد، صبّت معالمه في خضمّ الصراع غير المباشر ما بين أميركا وإيران، وكانت السعوديّة بصورة واضحة طرفًا فيه، في لعبة شدّ الحبال. لقد جعلوا من لبنان امتدادًا للعراق بتعمّد منهجي في ظلّ استمرار الصراع وعدم حسمه تسوويًا، وثمّة من يقول بأنّ نتائج لبنان والعراق بارتفاع منسوب الفوضى الخلاّقة سيدخل في مسرى التفاوض على الطاولة بين أميركا وروسيا وإيران، مضافة إليه نتيجة الصراع في شمال شرق سوريا حيث الحسم أرخى بظلاله من خلال "دفش" الأكراد إلى أحضان الرئيس بشار الأسد، وتوريط رجب طيّب أردوغان في الرمال السوريّة، وقد بدأ الجيش السوريّ يتحرّك باتجاه حسم الموقف في هذه البقعة.
 
لبنان بات أرضًا تستهلك صراعين واضحين. ما يحدث في لبنان مرتبط لا محال بالعراق وسوريا. لقد أمست بيروت ساحة احتراب كما معظم المناطق اللبنانيّة. ما حدث ويحدث ليس احتجاجًا أو تظاهرة سلميّة، بل هو شغب كامل وبالكليّة تداخلت فيه عوامل عديدة. وقد تبيّن أنّ عددًا من النازحين السوريين متورطون بهذا الشغب، وثمّة عناصر تمّ تسريبها من مخيمات سوريّة وفلسطينيّة للتأسيس لهذا الشغب، بالإضافة إلى عناصر شبابيّة تابعة لأحزاب سياسيّة مناوئة. لم تعد القضيّة مطلبيّة، مع التكرار بأنّ مواجهة الفساد والجوع حقّ عادل للناس، بل أمست حفلة تخريب للبنان بكامله فيما المنطقة مأخوذة إلى حقبة جديدة من التسويات اللاحق بعد طول احتراب.
 
لقد أمهل رئيس الحكومة القوى السياسيّة 72 ساعة وإلاّ فقراره معروف وهو الاستقالة، أي الدخول في فراغ في وسط تلك الفوضى الهدّامة، والوزير جبران باسيل وصّف بإتقان كما الرئيس الحريري أسباب الأزمة. والأزمة في عرف سعد وجبران وهما على حقّ سياسيّة تسبّب بها أفرقاء سياسيّون مدمنون على العمالات والعمولات، على الخيانات واللصوصيّة، على الصفقات والانكشاريّة على بلع الدماء. إنها الموزّعة لهذا الشغب وهي المعرقلة بامتياز لمسيرة الحكم والحكومة، بحيث بات الشغب السياسيّ مصدرًا للشغب الميدانيّ بفعل التأخر بالإصلاحات ومكافحة الفساد وإقرار قانون الأموال المنهوبة، لأنّ ثمّة قوى تخشى من الانكشاف والمحاسبة، وهي المارقة والفاسدة وتحاضر للاسف بالعفّة.
 
وقبل أن يتكلّم رئيس الحكومة ونذهب إلى فراغ مطلوب، (هل تذكرون مقولة ريتشارد مورفي الشهيرة سنة 1988 إمّا ميخائيل الضاهر أو الفوضى؟) كثيرون رجوا ويرجون من فخامة الرئيس العماد ميشال عون، أن يوضّح للناس أسباب ما يحصل ويسمّي الأمور بأسمائها، ويقلب الطاولة على الرؤوس ليكون لنا وطن لنا ولأولادنا. 
 
ألا حمى لبنان مما هو منتظر، وقادنا إلى نهاية سعيدة تقيمنا في السلام.  


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top