أخذنا الرئيس سعد الحريري إلى أدبيات جديدة لم تكن ظاهرة ولا واردة في قاموسه، تستند على المناورة بدهاء فائق وذكاء صاعق، ممسكًا بالأوراق الجوهريّة وهي الاقتصادية الماليّة في يديه، وضاغطًا من خلالها بكل قواه لنيل مراده من شروط يحاول فرضها على معظم الأحزاب الأخرى و"الشريكة" في عمليّة التأليف والتكليف.
لن يغيب عن ذاكرتنا تمسّكه قبل انفجار الأزمة في الرابع عشر من تشرين الأول بشراكة القطاع المصرفيّ ليكون جزءًا من المعطى السياسيّ الضاغط، في السابق كان هذا القطاع بمنأى عن آليات الضغوطات بوضعياتها السلبيّة حتّى في ذروة انفجار اللجج بحدّتها وعنفها، كان اغتيال واستشهاد الرئيس رفيق الحريري قمتها وعنوانها البليغ وهو الحدث الزلزال والأكثر إيلامًا. فما معنى أن يصير هذا القطاع شريكًا في الحياة السياسيّة وتشتدّ شروطه في هذه اللحظة بالذات، لماذا وفجأة حوّلت المصارف بحدود 7 مليار دولار وهي أموال المودعين إلى الخارج؟
تشير معلومات واردة، بأن الإدارة الأميركيّة العميقة استطاعت تجنيد المصارف اللبنانيّة مع الصرّافين، ليس في حقبة الحراك حصرًا بل منذ ما قبل اندلاعه بثلاثة أشهر. جنّدوا هذا القطاع الجوهريّ في لبنان في سبيل التجويف والتطويع، وأعادوا سعد الحريري وأعدّوه إلى التحالف المتين معه بغية تجسيد الخطّة وتنفيذها، امتلك سعد بواسطة الأميركيين تلك الورقة الضاغطة، وبدأ، وبعدما تلقّف الإشارات، بالتنسيق مع المصرفيين الخاصّين به لترسيخ مبدئيّ التجويف والتطويع ومنهم علاء الخواجة. تجدر الإشارة، وفي هذا المقام، بأنّ الرؤية بكمالها وشموليّتها ليس سعد بناحتها ولا هو بالمؤدلج لها. ذلك أنّ الإدارة الأميركيّة العميقة المؤلّفة من مايك بومبيو، ديفيد شينكر، إليوت إنغل، وجيفري فيلتمان (الأخيران صديقان حميمان لوليد جنبلاط) لا يثق به في المطلق، ولم تقرأه كشخصيّة محترفة للعمل السياسيّ بدءًا من امتلاكه ناصية الفكر والرؤى. بل انتدبت الإدارة العميقة الأميركيّة العميقة الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة وهو معتمدهم الجوهريّ والرؤيويّ بنحت الرؤية بعناصرها ومعاييرها، وجذبها إلى إنتاج إيديولوجيّ بشقين دستوريّ-سياسيّ واقتصاديّ-ماليّ. فبات السنيورة العامد والعامل بل المدير لهذه المعركة والمدبّر لها. فتارة ترى السنيورة يتصرّف كرجل ظلّ وتارّة أخرى يكشف أفكاره بصورة فرديّة أو من خلال التجميع الطائفيّ والمذهبيّ مع زميليه نجيب ميقاتي وتمّام سلام.
لننطلق نحو الواقع بتفاصيله ووقائعه. لثمانية وأربعين ساعة مضت، أوهم سعد الحريري المهندس سمير الخطيب بقبوله به ضمن مسلّمات حاول إسقاطها عليه، وقد أخذت وقتًا طويلاً من النقاش. لم يندمج الخطيب بكليّتها بل ببعض منها. وضمن الرجل من الحريري شخصيًّا أنّه ماض إلى الموقع الثالث في لبنان. ثمّ كان اللقاء الموسّع ما بين سعد الحريري وجبران باسيل والخليلين بحضور سمير الخطيب أفض إلى المضيّ بترشيح الخطيب، وفي اليوم التالي، وبعيد اجتماع كتلة لبنان القويّ، أعلن رئيس التكتّل جبران باسيل بأنّ مشاركة التيار أمر ثانويّ أمام النجاح الماليّ والاقتصاديّ والأمنيّ والسياسيّ المطلوب من الحكومة، وجاء كلامه على غاية من الفهم والوفاء لما تمّ الاتفاق عليه. انتهى كلام جبران لتبدأ مرحلة جديدة. اجتمع الخليلان مع سعد بعيد اجتماع وليد جنبلاط صديق فيلتمان وإنغل به، وكان جنبلاط أعلن من عين التينة بأنّه سيسمّي شخصيّة درزيّة للمشاركة في الحكومة. وما إن انتهى اللقاء بين الحريري والخليلين حتى نزلت مجموعات موالية له في البقاع الأوسط وطرابلس وعكار تقطع الطرق ، وتعلن رفضها لتولية سمير الخطيب رئاسة الحكومة.
ظلّ هذا اليوم مفتوحًا على لقاءات ومشاورات، إلى أن خرج البيان الحادّ عن نادي رؤساء الحكومات السابقين رفض الخلط بين التكليف والتأليف، وأصرّ على ترشيح سعد الحريري مجدّدًا إلى رئاسة الحكومة. جاء ردّ من الرئاسة شاجب لمضمون بيان رؤساء الحكومات ومؤكّدًا على دور الرئيس في ضمان التوازن داخل الحكومة، ثمّ كان ردّ سياسيّ-دستوريّ عنيف من الوزير سليم جريصاتي أكّد فيه بأنّ "الرئيس لن ياتي خطوة تصبّ بأي شكل من الأشكال في خانة الفتنة أو التبعثر الوطنيّ، أو تجاوز الاختصاصات الدستوريّة"، وعلى إثر ذلك تمت الدعوة إلى استشارات ملزمة يوم الاثنين ليردّ على الدعوة بتظاهرات على محور الرينغ وفي طرابلس ومناطق معيّنة.
إلى مَ يرمي كلّ ذلك؟ من الواضح بدءًا ومتهى بأنّ الرئيس الحريري وبإلهام واستلهام من فؤاد السنيورة والمجموعة المحيطة به، استهلك سمير الخطيب كما استهلك سواه، وجاءت التسميّة بدورها مفخّخة كما جاءت تسمية محمد الصفدي مفخّخة. سعد، وبحسب معظم المصادر المتابعة، يناور بكلّ الأسماء المحيطة به، بغية حرقها، وترميد الأرض أكثر بالتظاهرات التي يستمدّ منها قوّة لنفسه، ويتحالف مع أرباب الشبح (الدولار) ويضع نفسه بتصرفهم، ضمن شروط رفعها منها أنّه لا يريد حكومة تكنو-سياسيّة، ويرنو نحو انتخابات مبكّرة، بمعنى أنّ الحريري أريد له أن يفرض تلك الشروط على أرض الواقع لأجل الأهداف الأساسيّة المرسومة وهي:
1-عدم وجود تمثيل لحزب الله في الحكومة. لم يبح سعد بهذا الأمر جهارًا، لأنّه يعرف الأثمان التي ستدفع ضمن منظومة الحرب المذهبيّة بين الشيعة والسنّة. ولكن بمجرّد نزول جمهوره إلى الشارع انطلق البوح بصورة غير مباشرة، فخرجت المكنونات المحجوبة في الصدور والكامنة خلف السطور لتبدو وإن ضبابيّة فوقها. الإدارة الأميركيّة العميقة تحفّز وتحرّض السنّة بواسطة سعد الحريري وبرعاية فؤاد السنيورة لتفجير الشارع مذهبيًّا، فالتفجير جزء من الفوضى الخلاّقة المستوردة إلى لبنان وسوريا والعراق.
2-السير في العقوبات الاقتصاديّة على الحزب، ولذلك فإنّ الحرب الماليّة ستشتدّ وستحشد التاس في الشوارع والساحات ليس للتظاهر فحسب بل لبثّ الفوض ونظامها، فيصعب حينئذ ضبط التفلّت المنتظر إلاّ بعمليّة جراحية ستكون حتمًا مكلفة للغاية وخطيرة لأنها ستقود لبنان نحو مفصل آخر، وهذا حتمًا يعبّر عن التخطيط الأميركيّ.
3-إضعاف موقع الرئيس المسيحيّ القويّ وبشكل خاصّ موقع ميشال عون بما يمثّله من حضور وتألّق ورؤى. وهذا مطلوب بالواقع أميركيًّا وإسرائيليًّا. وكلّ العوامل الظاهرة وغير الظاهرة وصولاً إلى الحديث في الصلاحيات وتوضيب التظاهرات، يصبّ حتمًا في عمليّة تقليص الدور الرئاسيّ وتقويض وجوده من بعد تجويفه من مضمونه.
4-استمرار اللعب على الوتيرة الماليّة، وبشكل خاصّ على سعر صرف الدولار ليظلّ متفلّتًا بدوره، وعلى عدم استعادة الأموال إلى الداخل إلى حين تلبية الشروط المطلوبة، وتلك الحرب كما بات معروفًا غير محصورة في لبنان بل ضمن المثلّث اللبنانيّ-السوريّ-العراقيّ، لأجل استعار اللهب وانفجار النار، ومحاولة الانقلاب على التسويات في سوريا والمنطلقة بسعي أوروبيّ-روسيّ مشترك، وليّ الذراع الإيرانيّة في تلك الساحات الملتهبة.
أمام ذلك سقطت التسوية الحكوميّة على الرغم من دعوة القصر الجمهوريّ إلى استشارات ملزمة. سعد الحريري لن يرضى أن يخرج من جنّة السلطة والحكم كممثّل شرعيّ للوجدان السنيّ المعارض في لبنان. فقد استند إل الشارع وإلى بيان حضّره فؤاد السنيورة العقل المخطّط وبإحكام. لكن فلننتبه المسألة لم تعد محصورة بالأسماء بل فاقتهم لأنّها ترنو نحو تكوين جديد لشرق أوسط جديد ينطلق بالمفهوم الأميركيّ من لبنان.
هل تنجح النظرة الأميركيّة في ترسيخ نفسها من جديد من البوابتين اللبنانيّة والعراقيّة، وتفرض نفسها على الواقع السياسيّ. ليس الجواب بعد واضحًا، فلننتظر ماذا ستفعله القوى الأخرى، فالروس لن يرضوا بأنّ يكون لبنان شوكة أميركيّة في خاصرة روسيا. ولعلّ الانفتاح الخليجيّ بدءًا من الإماراتيين على سوريا بالتنسق مع الروس بداءة الغيث، في محاصرة روسيا اللعبة الأميركيّة في لبنان من البوابة السوريّة، وللايام أن تكشف المزيد من التداعيات والرؤى بالتفاصيل الممدودة حتى بداية السنة الجديدة.
سقطت التسوية الحكوميّة وسعد الحريري بإلهام أميركيّ يمارس لعبة الضغط
بقلم جورج عبيد
أخذنا الرئيس سعد الحريري إلى أدبيات جديدة لم تكن ظاهرة ولا واردة في قاموسه، تستند على المناورة بدهاء فائق وذكاء صاعق، ممسكًا بالأوراق الجوهريّة وهي الاقتصادية الماليّة في يديه، وضاغطًا من خلالها بكل قواه لنيل مراده من شروط يحاول فرضها على معظم الأحزاب الأخرى و"الشريكة" في عمليّة التأليف والتكليف.
لن يغيب عن ذاكرتنا تمسّكه قبل انفجار الأزمة في الرابع عشر من تشرين الأول بشراكة القطاع المصرفيّ ليكون جزءًا من المعطى السياسيّ الضاغط، في السابق كان هذا القطاع بمنأى عن آليات الضغوطات بوضعياتها السلبيّة حتّى في ذروة انفجار اللجج بحدّتها وعنفها، كان اغتيال واستشهاد الرئيس رفيق الحريري قمتها وعنوانها البليغ وهو الحدث الزلزال والأكثر إيلامًا. فما معنى أن يصير هذا القطاع شريكًا في الحياة السياسيّة وتشتدّ شروطه في هذه اللحظة بالذات، لماذا وفجأة حوّلت المصارف بحدود 7 مليار دولار وهي أموال المودعين إلى الخارج؟
تشير معلومات واردة، بأن الإدارة الأميركيّة العميقة استطاعت تجنيد المصارف اللبنانيّة مع الصرّافين، ليس في حقبة الحراك حصرًا بل منذ ما قبل اندلاعه بثلاثة أشهر. جنّدوا هذا القطاع الجوهريّ في لبنان في سبيل التجويف والتطويع، وأعادوا سعد الحريري وأعدّوه إلى التحالف المتين معه بغية تجسيد الخطّة وتنفيذها، امتلك سعد بواسطة الأميركيين تلك الورقة الضاغطة، وبدأ، وبعدما تلقّف الإشارات، بالتنسيق مع المصرفيين الخاصّين به لترسيخ مبدئيّ التجويف والتطويع ومنهم علاء الخواجة. تجدر الإشارة، وفي هذا المقام، بأنّ الرؤية بكمالها وشموليّتها ليس سعد بناحتها ولا هو بالمؤدلج لها. ذلك أنّ الإدارة الأميركيّة العميقة المؤلّفة من مايك بومبيو، ديفيد شينكر، إليوت إنغل، وجيفري فيلتمان (الأخيران صديقان حميمان لوليد جنبلاط) لا يثق به في المطلق، ولم تقرأه كشخصيّة محترفة للعمل السياسيّ بدءًا من امتلاكه ناصية الفكر والرؤى. بل انتدبت الإدارة العميقة الأميركيّة العميقة الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة وهو معتمدهم الجوهريّ والرؤيويّ بنحت الرؤية بعناصرها ومعاييرها، وجذبها إلى إنتاج إيديولوجيّ بشقين دستوريّ-سياسيّ واقتصاديّ-ماليّ. فبات السنيورة العامد والعامل بل المدير لهذه المعركة والمدبّر لها. فتارة ترى السنيورة يتصرّف كرجل ظلّ وتارّة أخرى يكشف أفكاره بصورة فرديّة أو من خلال التجميع الطائفيّ والمذهبيّ مع زميليه نجيب ميقاتي وتمّام سلام.
لننطلق نحو الواقع بتفاصيله ووقائعه. لثمانية وأربعين ساعة مضت، أوهم سعد الحريري المهندس سمير الخطيب بقبوله به ضمن مسلّمات حاول إسقاطها عليه، وقد أخذت وقتًا طويلاً من النقاش. لم يندمج الخطيب بكليّتها بل ببعض منها. وضمن الرجل من الحريري شخصيًّا أنّه ماض إلى الموقع الثالث في لبنان. ثمّ كان اللقاء الموسّع ما بين سعد الحريري وجبران باسيل والخليلين بحضور سمير الخطيب أفض إلى المضيّ بترشيح الخطيب، وفي اليوم التالي، وبعيد اجتماع كتلة لبنان القويّ، أعلن رئيس التكتّل جبران باسيل بأنّ مشاركة التيار أمر ثانويّ أمام النجاح الماليّ والاقتصاديّ والأمنيّ والسياسيّ المطلوب من الحكومة، وجاء كلامه على غاية من الفهم والوفاء لما تمّ الاتفاق عليه. انتهى كلام جبران لتبدأ مرحلة جديدة. اجتمع الخليلان مع سعد بعيد اجتماع وليد جنبلاط صديق فيلتمان وإنغل به، وكان جنبلاط أعلن من عين التينة بأنّه سيسمّي شخصيّة درزيّة للمشاركة في الحكومة. وما إن انتهى اللقاء بين الحريري والخليلين حتى نزلت مجموعات موالية له في البقاع الأوسط وطرابلس وعكار تقطع الطرق ، وتعلن رفضها لتولية سمير الخطيب رئاسة الحكومة.
ظلّ هذا اليوم مفتوحًا على لقاءات ومشاورات، إلى أن خرج البيان الحادّ عن نادي رؤساء الحكومات السابقين رفض الخلط بين التكليف والتأليف، وأصرّ على ترشيح سعد الحريري مجدّدًا إلى رئاسة الحكومة. جاء ردّ من الرئاسة شاجب لمضمون بيان رؤساء الحكومات ومؤكّدًا على دور الرئيس في ضمان التوازن داخل الحكومة، ثمّ كان ردّ سياسيّ-دستوريّ عنيف من الوزير سليم جريصاتي أكّد فيه بأنّ "الرئيس لن ياتي خطوة تصبّ بأي شكل من الأشكال في خانة الفتنة أو التبعثر الوطنيّ، أو تجاوز الاختصاصات الدستوريّة"، وعلى إثر ذلك تمت الدعوة إلى استشارات ملزمة يوم الاثنين ليردّ على الدعوة بتظاهرات على محور الرينغ وفي طرابلس ومناطق معيّنة.
إلى مَ يرمي كلّ ذلك؟ من الواضح بدءًا ومتهى بأنّ الرئيس الحريري وبإلهام واستلهام من فؤاد السنيورة والمجموعة المحيطة به، استهلك سمير الخطيب كما استهلك سواه، وجاءت التسميّة بدورها مفخّخة كما جاءت تسمية محمد الصفدي مفخّخة. سعد، وبحسب معظم المصادر المتابعة، يناور بكلّ الأسماء المحيطة به، بغية حرقها، وترميد الأرض أكثر بالتظاهرات التي يستمدّ منها قوّة لنفسه، ويتحالف مع أرباب الشبح (الدولار) ويضع نفسه بتصرفهم، ضمن شروط رفعها منها أنّه لا يريد حكومة تكنو-سياسيّة، ويرنو نحو انتخابات مبكّرة، بمعنى أنّ الحريري أريد له أن يفرض تلك الشروط على أرض الواقع لأجل الأهداف الأساسيّة المرسومة وهي:
1-عدم وجود تمثيل لحزب الله في الحكومة. لم يبح سعد بهذا الأمر جهارًا، لأنّه يعرف الأثمان التي ستدفع ضمن منظومة الحرب المذهبيّة بين الشيعة والسنّة. ولكن بمجرّد نزول جمهوره إلى الشارع انطلق البوح بصورة غير مباشرة، فخرجت المكنونات المحجوبة في الصدور والكامنة خلف السطور لتبدو وإن ضبابيّة فوقها. الإدارة الأميركيّة العميقة تحفّز وتحرّض السنّة بواسطة سعد الحريري وبرعاية فؤاد السنيورة لتفجير الشارع مذهبيًّا، فالتفجير جزء من الفوضى الخلاّقة المستوردة إلى لبنان وسوريا والعراق.
2-السير في العقوبات الاقتصاديّة على الحزب، ولذلك فإنّ الحرب الماليّة ستشتدّ وستحشد التاس في الشوارع والساحات ليس للتظاهر فحسب بل لبثّ الفوض ونظامها، فيصعب حينئذ ضبط التفلّت المنتظر إلاّ بعمليّة جراحية ستكون حتمًا مكلفة للغاية وخطيرة لأنها ستقود لبنان نحو مفصل آخر، وهذا حتمًا يعبّر عن التخطيط الأميركيّ.
3-إضعاف موقع الرئيس المسيحيّ القويّ وبشكل خاصّ موقع ميشال عون بما يمثّله من حضور وتألّق ورؤى. وهذا مطلوب بالواقع أميركيًّا وإسرائيليًّا. وكلّ العوامل الظاهرة وغير الظاهرة وصولاً إلى الحديث في الصلاحيات وتوضيب التظاهرات، يصبّ حتمًا في عمليّة تقليص الدور الرئاسيّ وتقويض وجوده من بعد تجويفه من مضمونه.
4-استمرار اللعب على الوتيرة الماليّة، وبشكل خاصّ على سعر صرف الدولار ليظلّ متفلّتًا بدوره، وعلى عدم استعادة الأموال إلى الداخل إلى حين تلبية الشروط المطلوبة، وتلك الحرب كما بات معروفًا غير محصورة في لبنان بل ضمن المثلّث اللبنانيّ-السوريّ-العراقيّ، لأجل استعار اللهب وانفجار النار، ومحاولة الانقلاب على التسويات في سوريا والمنطلقة بسعي أوروبيّ-روسيّ مشترك، وليّ الذراع الإيرانيّة في تلك الساحات الملتهبة.
أمام ذلك سقطت التسوية الحكوميّة على الرغم من دعوة القصر الجمهوريّ إلى استشارات ملزمة. سعد الحريري لن يرضى أن يخرج من جنّة السلطة والحكم كممثّل شرعيّ للوجدان السنيّ المعارض في لبنان. فقد استند إل الشارع وإلى بيان حضّره فؤاد السنيورة العقل المخطّط وبإحكام. لكن فلننتبه المسألة لم تعد محصورة بالأسماء بل فاقتهم لأنّها ترنو نحو تكوين جديد لشرق أوسط جديد ينطلق بالمفهوم الأميركيّ من لبنان.
هل تنجح النظرة الأميركيّة في ترسيخ نفسها من جديد من البوابتين اللبنانيّة والعراقيّة، وتفرض نفسها على الواقع السياسيّ. ليس الجواب بعد واضحًا، فلننتظر ماذا ستفعله القوى الأخرى، فالروس لن يرضوا بأنّ يكون لبنان شوكة أميركيّة في خاصرة روسيا. ولعلّ الانفتاح الخليجيّ بدءًا من الإماراتيين على سوريا بالتنسق مع الروس بداءة الغيث، في محاصرة روسيا اللعبة الأميركيّة في لبنان من البوابة السوريّة، وللايام أن تكشف المزيد من التداعيات والرؤى بالتفاصيل الممدودة حتى بداية السنة الجديدة.