2024- 04 - 24   |   بحث في الموقع  
logo تشظية القوى المسيحية: "الحزب" يصنع بدائل سياسية وانتخابية logo بالصور: طائرات اسرائيلية متطورة في سماء لبنان logo دعوة أوروبية لإعادة تمويل الأونروا..والبيت الأبيض يريد تقدماً فعلياً logo حزب الله يردّ على “المجزرة الإسرائيليّة” في حانين logo قدامى الشراع يكرمون الكابتن فواز الذهب..  logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الثلاثاء logo المشروع الوطني لنشر ثقافة ريادة الاعمال يحط رحاله في بيروت logo بعد هجوم حزب الله العميق... حالة خوف بين الإسرائيليين!
إلى المطران المناضل المقدسيّ عطاالله حنّا (بقلم جورج عبيد)
2019-12-28 17:10:49



كتب عليك ليلة الميلاد أن تتجرّع مرارة اعتداء جسديّ ليخفوا مع محاولة اغتيالك صوت الحقّ فيك، أيها الطالع من فجر القدس والساطع في سماء المشرق. ما يريحني أيها الحبيب، أنّك تزعج من أدمنوا الباطل واستلذّوا الشرّ، وجميعنا، تزعجهم في جوهر وجودنا، لأننا في هذا المشرق الممدود من القدس العتيقة إلى دمشق الشامة والياسمين إلى حمص الباسلة وحلب الشهباء وبغداد القصيدة وطرابلس الفيحاء وبيروت المغناج لؤلؤة المتوسّط، وبشهادتنا في رحابه نذكّرهم بإثمهم الكونيّ أنّهم علّقوا المسيح على الخشبة وقتلوه، ونذكّرهم بنصره المبين يوم قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت وكشف هزالهم بين الأمم القديمة وما نحن سوى ورثة لما سلف.


يا سيّد، أرقى ما فيك، أنّك حملت فلسطين في فؤادك وعقلك واعتبرتها وجه يسوع المدمّى بإكليل الشوك. هي هكذا عند أخصّاء المسيح، وهم يرونها متماهية كما هو متماه بها. أحلى ما في إيماننا، أنّ مسيحنا يا صديقي، غير محصور بآفاق جامدة، بل كلّ فقراء الكون هم إياه، وكلّ صرخة تمرّد عند الشعوب المقهورة صرخته في العظة على الجبل وصولاً إلى صرخته النهائيّة على الصليب، فكيف وهو الموجود والممدود ما بين مذبح بيت لحم والجلجلة، مرورًا بالناصرة والرامة والجليل. صراع الإسرائيليين ليست معك أو مع شعبك أو معنا، هنا وثمّة، بل هي معه بصورة مباشرة. ذلك أنّ حضوره في قلب فلسطين، بل في قلب التاريخ كلّه يقلقهم ويرعبهم، لا يزالون يا سيدي واقفين مع الحراس عند باب القبر، منذهلين كيف أنّه لم يعد جثّة مدفونة، لا يزالون ينكرون قيامته المحيية، لا يزالون يرفضون أن تكون المسيحيّة في فلسطين والمشرق إلى جانب الإسلام القرآنيّ الراقي، يحملان في عيشهما وحدانيّة الله وقوته المضيئة ما بين الإنجيل المقدّس والقرآن الكريم، بل يريدونه ممزّقًا كالثوب، مبعثرًا كالغبار، أو يريدونه ملكًا لهم وحدهم، وكيلاً عقاريًّا يمنحهم وحدهم دون سواهم صكوكًا في الأرض ويطوّبها ملكًا لإسرائيل إلى الأبد.


لا تستغرب يا صديقي الحبيب ضمن مفهومهم الإيديولوجيّ والإقصائيّ، أن لا يحاولوا قمعك وقتلك. أنت وجميعنا يعلم بأنّهم بلغوا محطّة النهاية السحيقة، بفعل تجوّفهم السياسيّ. الصوت الحرّ عندهم يوازي القوّة المتحرّرة من القيود، ويوازي جهاد المقاومين في كلّ مواجهة معهم. في الأساس يا عطالله، أنت سند للمسيحيين العرب الأقحاح في فلسطين التائقين إلى استعادة ما نهبه اليونانيون وباعوا قسمًا كبيرًا منه إلى المستوطنات اليهوديّة، كانت مسألة بيع ثلاث فنادق في باب الخليل الملاصق للقدس العتيقة إحدى أكبر تداعياتها. تلك العلامات أيها المناضل الكبير، تشي بوضوح كبير، بأنّ محاولة اغتيالك تنتمي بتفاصيلها ومكنوناتها إلى رفضك سلخ المسيحيين الفلسطينيين عن فلسطين التاريخيّة من النهر إلى البحر، ومن سيناء إلى الجليل الأعلى، وتأبى أن يتغرّبوا عن تراثهم الأصيل المنشور بلغة الضاد. هذا مسرى نضاليّ أخذته على عاتقك بل ارتضيته كمقدسيّ أصيل ابن أرض القيامة والإسراء والمعراج وابن الرامة، وقد خرج منها يوسف ليشهد على موت المسيح ويطلب مع نيقوديموس جسده من بيلاطس، لتقول بحقّ الأرثوذكسيين أبناء فلسطين أن يكونوا فلسطينيين وحقّ كرسيّ أورشليم وهو الأوّل في المسيحيّة قاطبة أن ينطق بلغة عربيّة أي لغة الأرض.


لم تشأ يا سيديّ، في أدبياتك وخطاباتك، أن تكون محصورًا في بقعة واحدة، بل سعى فكرك نحو الشموليّة في قراءة المسيحيّة المشرقيّة كجسد واحد أو كتلة واحدة. وقد أعلنت غير مرّة بأن الخطر واحد، ومشتله واحد في سوريا والعراق ولبنان والأردن وفلسطين. إنّ إسرائيل وليدة الصهيونيّة هي المشتل للقوى التكفيريّة التي انتشرت في هذه البقع يساندها مال الخليج، وقد شاءت تحريف الإسلام من جوهره وتراثه ليصير لغة البشر لا لغة الله في التاريخ، ورأيت بدورك بأنّ المسيحيّة الغربيّة في بعض أوجهها عملت على تغريب المسيحيين المشارقة من جوهرهم وحاولت إخراجهم من تاريخهم منذ الحملات الصليبيّة على الشرق، وازداد ذلك التوجّه بفعل استهلاك المنظمات اليهوديّة المتشدّدة وفي الولايات الأميركيّة المتحدة عددًا من "الشيع المسيحيّة" ليظهر بعد ذلك المسيحيّون الجدد New Christians كمجموعة متفاعلة مع الحركة الصهيونيّة ومنها من يحكم أو يتحكّم بالإدارة الأميركيّة بهدف تغريب التراث المسيحيّ عن حقيقته واستقامته. هذا بدورك يا صديقي واجهته بعمقك الفكريّ، واعتبرته خطرًا على المسيحية جمعاء، لا سيّما على المسيحيّة المشرقيّة وإسرائيل مع الغرب يحاولون سلخها بفتح أبواب الهجرة، وكم آلمك أن يكون ذووك في القدس وبيت لحم قد انحصروا ولم يبق منهم سوى واحد في المئة. وكم آلمك أيضًا وأيضًا أن لا يدرك المسلمون العرب ثقل المؤامرة بمعانيها الفاجرة على إسلامهم بإخراجه من تراثه الكليّ ومعناه الكامل كما كان يقول المفكر محمد أركون.
مواجهتك بحقّ لتلك المؤامرة، هي التي دفعت بعضهم لتسميمك. لا أنسى يا سيدي أنك وضعت إصبعك على الجرح بإضاءتك على الأزمة في لبنان وأسبابها، لقد رأيتها حربًا أميركيّة معلنة على لبنان الوطن والكيان وعلى عهد سيده مسيحيّ-مشرقيّ بامتياز، وعلى عيش واحد بين المسيحيين والمسلمين، وقد ذقت لبنان معطى وجوديّ للإنسانية مع ظفره بأن يكون مركزًا دوليًّا لأكاديميّة الإنسان والحوار. لقد ذقته سيدي مساحة للمحبة تفيض على الجميع ومدى لبهاء كثيف تتتجمّع في خطوطه علامات الخير والحقّ والجمال. أوصيتنا غير مرّة بأن لا نهمل وطن الأرز ولا نشتّته، ولا نستعيد الحروب إلى أرضه. وخاطبت رئيسه بكتاب مفتوح بصفته زعيم المسيحيين المشارقة، وأنت تعلم بدورك مقدار محبته لك وتحسّسه بقضيّة القدس تحسّسًا كبيرًا. فالقدس ليست البيت بل لا يزال فيها رب البيت مضيئًا.


سيدي الحبيب، كسر الله اليد التي سممت في محيط منزلك، وحطّم العقل الشرير الذي خطط لهذه العمليّة القذرة والحقيرة. ذكرتني محاولة اغتيالك باغتيال المثلّث الرحمات البطريرك الياس الرابع عن طريق تسميمه كما روي، لأنّه أظهر مسيحيّة القدس في مؤتمر لاهور الإسلاميّ، وكان البطريرك المسيحيّ الوحيد الذي خطب وخاطب الملوك والرؤساء المسلمين وذكّرهم بالقضيّة المقدّسة. وفي عشيّة الميلاد حاولوا تكرار ما فعلوه مع البطريرك الياس بإثم شديد. شاؤوا كمّ فمك، ولكنّهم خسئوا. من كان فمه من نار وكلماته من نور فلا يستطيع أحد إخراسه.


من لبنان أبعث إليك بقبلة محبّة، وأنت الصديق الصدوق والحبيب النابض والناهض... لن أنسى إكرامك لي في كلّ لحظات نزيف الحبر والفكر على هذا الموقع. حملتني على أجنحة بركاتك ومحبتك، وكنت تدعو الناس لقراءة ودراسة ما أكتب. لن أنسى رسالتك لي النابضة بالمحبة والوفاء، فقد حملتني ثقلاً كبيرًا وجملتني بما لا أستحق ورصعت صدري بوشاح المحبّة، والأهمّ أنك لا تزال تذكرني مع عائلتي ووالدي امام القبر المقدّس وأمام المذود المبارك في بيت لحم لكي يكون الرب معنا. واليوم أصلّي للرب المولود في بيت لحم لكي يشفيك من آثار السموم ويعيدك إلى قدسك ومشرقك ليصدح صوتك من جديد، كما صدح صوت يوحنّا المعمدان أعدّوا طريق الرب... من القدس إلى دمشق إلى بغداد إلى عمان وبيروت ستكون طريق الرب مستقيمة ومضيئة لمن يحبون جمال بيته ومشرقه.


ولك مني الدعاء بالشفاء العاجل.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top