2024- 04 - 27   |   بحث في الموقع  
logo رفع علم "حزب الله" في جامعة أميركية... وانقسام عربي logo "الحزب" يستعد لما بعد انتصاره: فكفكة الألغام وتشكيل السلطة logo العثور على جثة شاب في أحد المجمعات السياحية logo استقالة متحدثة باسم الخارجية الاميركية..احتجاجاً على حرب غزة logo بصواريخ الكاتيوشا.. “حزب الله” يستهدف موقعا للعدو logo بعد هجومها "الفاشل"... أوستن يسخر من أسلحة إيران! logo "حول تأجيل زيارة أردوغان"... تعليقٌ من البيت الأبيض logo جثةُ شاب داخل "شاليه" في الكسليك!
السنة الجديدة 2020 ولبنان الجديد (بقلم جورج عبيد)
2019-12-31 00:08:06



بقلم جورج عبيد -


هل يكون لنا لبنان جديد مع ولوجنا السنة الجديدة 2020؟ الأزمنة تلد الأخرى، أو تلد نفسها في كثير من الأحيان على مستوى القضايا المتراكمة هنا وثمّة، لكنّها ليست المحور في حياة الإنسان أو الشعوب أو الأمم، بمعنى أنّ الأزمنة ليست المحتوى، بل المضمون الفكريّ والقالب الاجتماعيّ والسياق الاقتصاديّ والانتاج البشريّ هو المحتوى الجوهريّ المكتوب على صفحات التاريخ، والموروث من جيل إلى جيل، والممدود الساطع في كلّ العهود والعصور. الإنسان الفرد، والشعوب كما الأمم مصدر المعطيات المسجّلة والموروثة والممدودة، وإذا سطع الإنسان وليدًا لله، فالله متحرّك في قلب الأزمنة كما هو محرّك لها، فهو مبدع الخليقة بأسرها والمسبغ عليها صلاحه وبرّه وخيره.


السنة الجديدة مصدرها جدّة الإنسان، أو الإنسان الجديد. لا ينفع استقبال السنوات بالاحتشاد في الساحات وإطلاق المفرقعات، فكلّ يوم وشهر وسنة تمضي، تدنو نحو شيخوختك ومن ثمّ نحو رقادك. ليس في هذا الكلام يأس أو حزن، بل فيه بالضرورة عقل وفكر وانعطاف رؤيؤيّ نحو التماس الخيرات لتمتلئ نفسك بك بها وتسمو وتتجمّل وتسير نحو الأفضل لحياتك وأيامك وسنيك. هذا يتطلّب بالكليّة انصرافًا للذات وللأحداث المحيطة بها فتتأمّل بها وتقرأها بتؤدّة وهدوء وتبني ذاتك على النقد البنيويّ الدائم وليس حتمًا على الجلد الدائم، ذلك أنّنا لم نبلغ ولن نبلغ في دنيانا الكمال في المطلق، الكمال في كلّ شيء بل تحاول بكلّ قواك أن تكون كاملاُ وإن شابك العطب أحيانًا.


يقود هذا التأمّل في يوم رأس السنة، في علاقة الإنسان بالأزمنة، إلى علاقة الشعوب والبلدان بها. ليزيّن لكلّ متابع بأنّ الجوع والبؤس والشقاء متشرّش في نواح كثيرة من العالم، كما أنّ الثراء والترف قائمان بدورهما في العالم، والبون حتمًا كبير. مشكلة العالم ليست محصورة في هذا أو ذاك، بل في الانطوائيّة والدونيّة وفي الاستكبار والفوقيّة، فنرى منسوب التعاطف منعدمًا، والتكامل بين الفئات الاجتماعيّة مفقود إلى الغاية، وإن وجد في بعض الأحايين فبنسب ضئيلة جدًّا. والخطورة في الأمر بأنّ فقدان التعاطف واضمحلال التكامل سبب جوهريّ للحروب الساحقة، ويتبيّن بنتيجة الدراسات المقدّمة من مراكز أبحاث عديدة، بأنّ الفقر والجوع والفاقة والحرمان أسباب طبيعيّة لتفشّي الأصوليات، أو اتفشّي التكفير، كما أنّ الترف النزق البادي في المجتمعات الراسماليّة المتوحّشة والراسخة على ثقافة الاستهلاك، والفارغة من أصالات وتراثات لم تذقها مليئة ومنسكبة فيها، مصدر التفلّت الأعمى، ليبدو التفلّت مرتسمًا بوجه الأصوليّة، والحالتان في لحظات المواجهة أو المقابلة خاليتان من قلب وعقل، أو من عاطفة ورؤية.


تسود في لبنان هذه النوعيّة من المقابلات، مع بلوغ نظامه السياسيّ حالة الاهتراء المطلق، وتدحرج الأزمات بأنواعها الماليّة والاقتصاديّة والأمنيّة إلى رحابه. لا شكّ أنّ الحراك منذ السابع عشر من تشرين الأوّل الماضي كان قمّة الكشف والانكشاف لهذه المواجهة التصحيحيّة في لحظاته الأولى. وقد بات لزامًا القول، بأنّ ثورة الكشف لم يدركها التاريخ اللبنانيّ المعاصر والحديث بتلك الدسامة الجليّة والواضحة. ميزة الحراك في لحظاته الأولى تجلّت ببهاء متوثّب باتجاه إسقاط الأقنعة عن معظم الطبقة السياسيّة العفنة، ومن أهمّ وجوهها إظهارها بشاعة تبنّي الطوائف للفاسدين والسارقين والمجرمين، لنقع أمام إشكاليّة خطيرة لم تتمّ معالجتها حتى الآن عنوانها حماية الطوائف الدينيّة (وهي هكذا) لفاسد أو سارق أو قاتك واعتباره خطًّا أحمر، فتبدو مساءلته ومحاسبته مساسًا بالطائفة بما ترمز إليه الطائفة من بعدين زمنيّ وروحيّ.


يدلّ هذا، وفي بيان وتبيين، بأنّ الطوائف بقوالبها النافرة بحدّ ذاتها هي الأزمة. بل كلّ طائفة أزمة بحدّ ذاتها. وحمايتها للفاسدين من أبناء جلدتها أوصلت البلد إلى هذا الاهتراء الخطير، وإلى بلوغه أزمة وجوديّة تكاد تبلغ به نحو تأسيس جديد إذا ما استعصت الحلول على العقول. الطوائف والمذاهب الدينيّة رذلت الفقراء من بينها ولم تؤمّن الحماية الكاملة لهم كما أمنتها للزعماء وما إليهم، لم ينطلق الخطاب الدينيّ باتجاه تأمين العدالة الاجتماعيّة، ووضع المؤسسات الريعيّة بتصرّف الناس البسطاء. لم يكن لبنان في تاريخه أزمة، بل الطوائف هي الأزمة، لم تتفاعل الطوائف من باب تحويل لبنان إلى رسالة فريدة من نوعها وبمضمونها الروحيّ السامي، بل عملت عل تحويله إلى مجرّد محميات انغرست بدورها تحت فضائها لتؤمّن ديمومة مصالحها لا سيّما على مستوى المحاكم الروحيّة والمؤسسات التربويّة والاستشفائيّة. ومن المؤسف، وضمن هذا السياق، خروج أصوات تنادي بتكوين لبنان جديد، من دون تشريح وتوصيف للمكنون والمضمون. فحين خرجت أصوات في منتصف التسعينيّات من القرن الماضي تنادي بإلغاء الطائفيّة السياسيّة ردّ المطران آنذاك على جبيل البطريرك الحاليّ بشارة الراعي متسائلاً وما هو البديل؟ السؤال اليوم يطرح ما هو مضمون لبنان الجديد؟


التشديد على تلك المألفة أمسى ملحًّا مع دخولنا السنة الجديدة. ذلك أنّ مسألة إسقاط النظام الطائفيّ في لبنان باتت ومنذ سنة 2007 تتمحور ضمن مفهومين:


-مفهوم أميركيّ يربط بين نشوء نظام سياسيّ جديد للبنان غير واضح الآفاق، من بعد سقوط الهيكل الطائفيّ، وتكوين شرق أوسط جديد كان ظهر لبرهة خلال التسعينيات من القرن الماضي تيامن بين أن يكونوا وطن الأرز ملهىً ليليًّا لدعارة عربيّة وغير عربيّة، وكانت الحريريّة السياسيّة مأخوذة إلى هذا التحديد، وهو يهوديّ بامتياز. ثم احتفى خفرًا ليعود بصيغة جديدة عبّر عنها بمفهوم الفوضى الخلاّقة، التي انتظهرها كثيرون وراهنوا عليها خلال الحرب الإسرائيليّة على لبنان من سنة 2006، وقد بان وجهه من جديد من خلال الحرب الأميركيّة القاسية على لبنان ليقينهم بأن هذا النظام بسبب مساوئه يجب أن يسقط وينتهي مع سقوطه اتفاق الطائف (بالمنظور الأميركيّ)، وينطلق لبنان الجديد بتحديدات ومواصفات لا تزال رؤاها محجوبة خلف الستار.
-مفهوم لبنانيّ مشرقيّ امتلك مضمونًا مكشوفًا للجميع، وهو قائم على ربط لبنان بمحيطه المشرقيّ كحالة تكوينيّة تلقائيّة ممدودة إلى الوجود بالمكوّنات الروحيّة والأصيلة له، وبهويته الحضاريّة الجامعة لنسيجه. أبعاد الربط هنا تجلّت بنحت الفلسفة الميثاقيّة القائمة على التوازن والتي تبنتها بكركي على وجه التحديد في وثيقتها الشهيرة يوم التاسع من شباط من سنة 2014 وركّزت بنصها في أهميّة المناصفة، إلى أن سمع الناس ما أعلنه البطريرك الراعي البارحة في عظة الأحد عن رفضه للحالة الميثاقيّة. بفضل هذه الفلسفة تمّت استعادة الحقوق المسيحيّة السليبة، وبفضلها تأمنت المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وفقًا للمادة 24 من الدستور، وبفضلها أيضًا وأيضًا بات التوق مشدودًا إلى مرحلة ألغاء الطائفيّة السياسيّة تنفيذًا للمادة 95 من الدستورالتي أظهرت المناصفة الفعليّة بين المسيحيين والمسلمين معبرًا لإلغاء الطائفيّة السياسيّة، بتأليف لحنة تتولّى البحث في إلغاء الطائفية السياسيّة وإنشاء مجلس للشيوخ يحفظ حقوق الطائف، فما هو للدولة للدولة وما هو للطوائف للطوائف ضمن مبدأ الفصل المنشود.


ستطلّ علينا السنة الجديدة 2020، وما نرجوه أن يعبر لبنان من أزمته الحادّة ليصير جديدًا بإنسانه الجديد. سيكون مضمونها تسوويًّا مع طوي صفحات الفتن بعد فشل الإعداد لها على الأصعدة كافّة. هناك من انتصر بالفطنة وهناك من سقط بالفتنة. بداءة التسوية ظهرت مع لقاء رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون بالسفير ديفيد هيل، ثمّ توسّعت باللقاء الطويل بين الوزير جبران باسيل والسفير هيل. لقد بدأ بترميم عمارتها في الداخل اللبنانيّ، وستنعكس على الواقع الاقتصاديّ والماليّ، وسيكون للشركات الأميركيّة في مقابل ذلك شراكة في التنقيب على الغاز في لبنان. سنكون أمام مرحلة من الهدوء التدريجيّ المصاحب لتأليف حكومة جديدة ستبصر النور في خلال أيام معدودات.


الدكتور حسّان دياب سيكون الوجه المضيء في المراحل المقبلة بعد سقوط الحريريّة السياسيّة بفسادها ومعها سنشهد سقوطًا تدريجيًّا ودراماتيكيًّا لصروح الفاسدين في لبنان. هذا قرار رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، ضمن قناعة دوليّة بارزة. ما يهمنا أن يكون الإنسان اللبنانيّ جديدًا بالحقّ والإبداع. لبنان ومحيطه متجهون إلى نور كبير سيتحقّق مع هذه السنة الجديدة.


في الختام أتوجّه بالمعايدة القلبيّة لصخرة لبنان فخامة الرئيس العماد ميشال عون وعائلته الطيبة، راجيًا من السيد الرب المبارك أن يحفظه على بهاء كبير لا يزال ينضح يه ومنه، ويحفظ معه لبنان الحبيب وشعبه العظيم، وكل سنة وهذا الموقع ومؤسسه ورئيس تحريره الصديق الغالي باتريك باسيل والعاملون فيه وكتّابه وقرّاؤه وعائلتي الصغيرة والكبيرة بألف ألف خير.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top