2024- 03 - 28   |   بحث في الموقع  
logo ملتقى التأثير المدني: مسارُ تحرير القرار الوطني مُكلِف logo لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين: لن نسمح للسماسرة بإمرار مخططاتهم المشبوهة logo "ستصبح أهدافا مشروعة لنا أينما كانت"... بوتين يهدد الناتو! logo ردا على مجزرة الناقورة... هجومٌ من حزب الله! logo نائب سابق في ذمة الله logo حجار: ارقام الفقر تفرض توجّهًا آخر في التعاطي logo موظفو أوجيرو: لن يتم إصلاح أعطال الإنترنت اليوم logo خبر مهمّ من هيئة ادارة السير… متى ستستقبل المواطنين؟
الظهور الإلهيّ والمسيحيّة (بقلم جورج عبيد)
2020-01-05 15:08:31



جورج عبيد - 


بدء المسيحيّة ثالوث عظيم تجلّى في أوّل الكون، كان في الخلق كلّه في الإنسانيّة القديمة في الأنبياء في الكتب في الثقافات والحضارات. لم يكن شيء خاليًا من بهائه وتجلياته، قال الحبّ فكان، خطابه المحبّة لأن الله وحده هو المحبّة، وبغيره لم يكن خطاب ولا بلاغة ولا حقّ ولا جمال. لم يرَ من قبل سوى في الكلمات والنبوءات المشيرة إلى ثورة الثورات، أي إلى الانقلاب الأزليّ-الأبديّ في الزمن، وحين جاء ملء الزمان أي كماله صار الكلمة جسدًا وحلّ بيننا ورأيناه مجدًا حقيقيًّا ساطعًا، كان الهدف أن يظهره في الكمال المطلق بالموت والقيامة.


في الأردن كان الظهور الكامل للثالوث القدوس، وأعطي يوحنّا المعمدان أن يشاهده فيما كان ككلّ الأنبياء السابقين يشيرون إلى حضور المسيح في التاريخ واقتراب ملكوت السماوت. وفي فهمنا الحقيقيّ، ليس ملكوت السماوت مكانًا يذهب إليه بل هو عينًا المسيح الذي حضر وسيحضر. إنّه الراقد في ليل الثقافات والأديان والحضارات كما كتب العظيم المطران جورج خضر، فهو في اليهوديّة لم يأتِ وفي المسيحيّة أتى وسيأتي، وفي الإسلام إنّه عيس ابن مريم وهو سيأتي وعند الشيعة إنّه المهديّ المنتظر، إنه الكلمة والوجه الجامع لكلّ الأديان على ما جاء عند العظيم الآخر الأب ميشال حايك. المسيح قبلة الوجود كلّه، به كان كلّ شيء وبغير لم يكن ممّا كوّن، به كانت الحياة والحياة كانت نور الناس، كما كتب يوحنّا الإنجيليّ البشير. إنّه الملكوت المتجسّد بالمسيح عينًا وبالثالوث القدوس الذي ظهر في الأردن، حيث المسيح اقتبل الصبغة من يوحنّا الصابغ، والله أعلن ابنه محبوبًا حين قال هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، والروح القدس حلّ عليه بشكل حمامة لؤكّد ما قاله المعمدان هذا هو الإله الحقيقيّ الذي لا أستحقّ أن أحلّ سيرو حذائه، وأكمل قائلاً هذا هو حمل الله الرافع خطايا العالم، لتأتي كلمته صدى لقولة أشعياء النبيّ كحمل سيق إلى الذبح، لم يفتح فمه بالمكر.


ما معنى أن يكون الثالوث بدء المسيحيّة؟ ليس هو البدء فقط، بل هو الجوهر، إذ ليس من ليس من مسيحية بلا ثالوث، إنّه السياق العقيديّ بكليته ، كلّ غسماننا مبنيّ على أنّ الله ثالوث، أي ثلاثة في واحد.يفترق الفكر الإسلاميّ عنّا في إيماننا، فهم في هذا يخطّئوننا، ورأيهم بهذا المعطى العقيديّ له منابعه وموارده ومنافذه، وعلى الرغم من ذلك فالافتراق العقيديّ لم يفسد المحبّة بيننا وفهمنا المشترك بأنّ الله في قراءاتنا المتنوعة واحد ونرفض أن يتمزّق بصراع جهالات بعضنا، ذلك أنّه إن تمزّق مات، فيما هو حيّ ومتحرّك ويحرّك التاريخ والحياة إلى المنتهى. عندنا، أنّ الكلام في التثليث كلام في وحدانية الله، فهو كالشمس تحرق بالنار، كما في العنصرة ظهر الروح بشكل ألسنة ناريّة، وهو الحنّان يمنح الدفء، والحنان بدوره ظهر في ملء المسيح في انعطافته وعطفه على جبلته البشريّة. الثالوث الذي ظهر في الأردن هو جوهر المسيحيّة، بل هو المسيحيّة كلّها.


لماذا ظهر الثالوث في الأردن؟ كلّ حضور المسيح في التاريخ البشريّ متجه نحو العمل الخلاصيّ الذي تكرّس به وحده، وظهر كمال الخلاص بموت المسيح وقيامته. بمعنى أنّ الثالوث كحالة وجودية كيانيّة هدفه الاندماج والاندراج بكلّ إنسان تائق للخلاص بالموت والقيامة. ليست معمودية يسوع منفصلة عن موته وقيامته، (هذا هو حمل الله الرافع خطايا العالم). من شاهد يسوع معتمدًا في نهر الأردن شاهد حضور الملكوت، وفي هذه اللحظة بالذات استكمل تجدّد المملكة الأبديّة بتجدّد أزليتها، تلك هي القضيّة المحورية المرتبطة بعلاقة الإنسان بالملكوت، أي بالتجدّد المزدوج. في التجدّد المزدوج انهمر التجدّد الأزلي في السياق البشريّ، والإنسان بالمسيح صار جديدًا أي مسيحًا. بمعنى آخر بأن المعموديّة تمتمة للفصح وتعبير عن العبور من عالم الموت إل مجد القيامة.


كان على المسيح أن يتجسّد ويعتمد ويختلي بعد ذلك في البريّة ليسكشف نفسه مخلّص العالم بالموت. وممّا لا شكّ فيه، بانّ بأنّ نزول المسيح في مياه الأردن استباق لموته. قمّة البهاء أنّ ألوهة المسيح وبنوّته لله وإن ظهرت في لحظات المعموديّة وبعد ذلك في التجلّي، ولكنّها ستتكمل لحظة يعلّق الابن على خشبة. في كلّ اللحظات لا سيّما لحظة الآلام لم يكن الوليد متروكًا من الآب بل كان مشدّدًا له وحافظًا إياه ليظفر على الموت بالقيامة، القيامة تأكيد على أنّ المسيح الظافر على الموت هو ابن الله، قبل الموت كان حملاً وعبدًا، وإن سمّاه أبوه ابنًا محبوبًا، وفي القيامة انتصرت الوالدية، وأعلن المسيح قائمًا من بين الأموات فبات الله به وبالروح القدس حيًّا غلى الأبد.


مع المسيح في المعموديّة نموت لنقوم معه. لا بدّ هنا من تكرار، أن لا انفصال بين المسيح والمسيحيين المقتبلين للمعموديّة. يقول بولس الرسول لأهل غلاطيّة: "يا أيها الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم". لم يقصد الرسول الأكرم الإشارة بأنّ المسيح وشاح تستطيع لبسه ومن ثمّ خلعه، ما قصده بأنّك إن اعتمدت بالمسيح فأنت صرته وهو صارك، تلك هي الإشارة الجوهريّة التي لم يفهمها أخصاؤه وقلّة عزيزة فهمتها. قوّة المسيحة لا تنطلق بموجوديّة المسيح في اللاهوت في الكتب على الورق في الطقوس قوّة المسيحيّة تنبع من أنّ المسيحيين صاروا هم المسيح الباقي. ليس المسيحيون كتلة سياسيّة أو عصبويّة، المسيحيّة هي المسيح المتكلم مع نفسه باجتماع المسيحيين في الكنيسة أو خارجها في البيت والعائلة. في كلّ مكان المسيح هو الذي يتكلّم مع نفسه ويكلمنا بدوره بكلمات الإنجيل بلطف الناس بحضورهم في حياتنا. فلا تهمّشوه ولا تهشّموه ولا تجعلوه على الرفوف، لا تظنوا أن المسيحية طائفة، ولا ترذزلوا أحباءه الفقراء والبؤساء، لا تتركوه وحيدًا في البرد القارس ولا ترموا به في النار لانه النور والنار، لا تزدروا بحضوره فهو المخلّص والحبيبّ الذي افتدانا من لعنة الناموس، لا تتمزّقوا بخلافاتكم لأن المسيح كامل وواحد فينا.


في هذا العيد جدّدوا معموديتكم والبسوه وانطلقوا نحوه لتصيروا به واحدًا وإلى الأبد.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top