2024- 03 - 28   |   بحث في الموقع  
logo “الحزب” يردّ على مجزرة الناقورة… هذا ما فعله مساء اليوم logo وزير الشؤون الاجتماعيّة ومصير بطاقة أمان واللاجئين: نفاد الأموال logo داني الرشيد في قبضة الأمن العام logo بالفيديو: على افضلية مرور عراك واطلاق نار في طرابلس logo الحزب يضرب بالبراميل واستراتيجية اسرائيلية جديدة... قرار اجتياح لبنان اتخذ؟! logo جديد التحقيقات في قضية داني الرشيد... توقيفُ عميد! logo أُصيب بالغارة الإسرائيلية على الناقورة.. هذا ما كشفه الدفاع المدني عن وضع أحد موظفيه logo شيخ العقل التقى منسّق “منظمة فرسان مالطا” ورئيس “المقاصد” وزوّاراً
رحل صديقي جورج آيدا إلى الأبد - بقلم جورج عبيد
2020-01-27 22:08:16



"الإيمان ينشئ الصبر"


(بولس الرسول)


يا جورج الحبيب،
كانت بيننا نجاوى عظيمة جمعت بيننا، وكنت أرى فيك مثالاً يحتذى لكلّ من تبتّل لخدمة لبنان والدولة فيه. أنت من رعيل إداريّ بات نادر الوجود بل هو باهر الحضور. وفي أحاديثنا أسريت لي غير مرّة أنك ترجو أن يتبوّأ منصب وزير العمل شخصيّة تأبى الطعام الفاسد، أي المال الفاسد. من تريد يا جورج أن يتبوّأ الإدارات في لبنان في زمن التصحّر الأعمى والفوضى الخلاّقة، وأنت دخلت وزارة العمل مديرًا عامًّا سكبت عليها من تجاربك الإداريّة الغنيّة وخرجت منها كما دخلت عالي الجبين كجبل صنين، لم تحنِ هامتك مرّة تزلّفًا أو خوفًا من أحد، بل تعاطيت تعاطي الندّ للندّ لكلّ وزير عاصرته في هذه الوزارة.


ذكرتني غير مرّة بنموذجين رأيتهما في شخصيتك، وهما السفير فؤاد الترك والدكتور جورج صليبي وقد كان رئيس المجلس التأديبيّ ومن ثمّ رئيس مجلس الخدمة المدنيّة. أذكرهما الآن وأنت تنضمّ إليهم برفعة وكبر واتضاع نفس أمام سيّد الكلّ، لأنهما خلال تواجدهما في الدولة سواء في الأمانة العامة لوزارة الخارجيّة أو مجلس الخدمة المدنيّة تحرّرا من فساد المال ووسخه وعبئه، وأنت ظهرت مديرًا عامًّا نموذجيًّا في وزارة جلّها إفساد وفساد، ساعدت الناس في تذليل الصعوبات بدماثتك المعهودة، ورفضت تخطّي القانون برضى تام ومضير حيّ. ووقفت في مكتبك سدًّا منيعًا امام كلّ إغراء فمن قبل رفضك اللطيف أكبر فيك خلقك، ومن عاند وكابر كان الباب مخرجه إلى غير رجعة.


لم أعرفك يا جورج عشير السلطة والكبرياء، مكتبك مفتوح لكلّ المراجعات، وتقبل كلّ إنسان بطيبة خاطر وتستقبله بابتسامة ودفء، إلى أنّك أسريت لي مرّة، بأنك تنتهج ذلك عن عمد بسبب انغلاق الإدارة أمام الناس، والناس بسطاء خطئوا بالتقدير أو لا لكنّهم منهكون ومتعبون لأنّ النمط الإداريّ السائد في لبنان خال من الحقوق المشروعة للمواطنين، نحن في دولة محقت فيها الحقوق وباتت حكرًا على مجموعة متنفّذين يتقاسمون قالب الحلوى ويتعاملون مع الناس كمجرّد أرقام أو رعايا، فكيف لا يجتاحنا الفساد ولا يقوّض تقدّمنا وإنتاجنا... وذهبت مرّة في توصيفك الوضع قائلاً: تخيّل، لقد مضى على وجودي في الدولة كموظّف إداريّ أربعون سنة، وأنا أتقاضى فقط أربعة ملايين ليرة، فيما قطاعات أعضاؤها يتقاضون 30 مليون ليرة لبنانيّة ولم يمضِ على وجودهم وقت طويل، فأين هي العدالة بهذا المعنى؟


وعلى الرغم من شكواك المحقّة، ظللت على ما أنت عليك، تسعى نحو الكمال بلا تأفّف، تتجمّل بالصبر بلا أنين، حتّى في عزّ مرضك الخبيث قاومته بالصبر مستندًا على قول بولس الرسول "إنّ الإيمان ينشئ الصبر".


كنت جبّارًا لأنك في الجوهر سلّمت حياتك للمسيح مخلّص العالم. هل تعلم يا صاح بأنّك تحمل اسمًا فريدًا من نوعه، جلورجيوس الحائز راية الظفر بشهادته، معنى اسمه الفلاّح. هذا احتمل كلّ شيء من أجل المسيح، ووصل حتى الشهادة بالدم. لقد حلّت شفاعته عليك، ونظرت إلى وجه الحبيب الأعلى والأغلى، واستلهمت منه النور في منازلتك القصوى للمرض. تمنيتُ غير مرّة أن يحمل إليك معجزة الشفاء، فأنت يا جورج احتليت القلوب وجعلت لك فيها مسكنًا غير منفصل عنها. هذا هو بهاء الصداقة، أن تكون واحدًا مع أصدقائك، وفي الوقت عينه أن تساهم في مساعدة من قدرت بالقانون والحقّ على مساعدتهم. غير انّ ربّك رضي لك مكانًا تتحرّر فيه من وسخ التاريخ ووحله وطأته. الأطهار في هذه الدنيا إمّا يغيّرون الوجود، وإمّا يعلون بالطهارة إلى السماء. في هذا كنت مدرسة على قدر ما أعطيت من علم وفهم وطهارة بل وقوة طهارة، كنت القدوة لكثيرين في وزارة العمل حيث كان لي شرف التعرّف عليك لنصير صديقين مقرّبين. لن أنسى بأن غالبية من زاملوك في هذه الوزارة قالوا لي بأنّنا في كل عملنا مع سعادة المدير العام لا نشعر أننا غرباء، لقد غدونا وإياه عائلة واحدة، لم نعرف مديرًا بهذا الرقيّ والتواضع الجمّ، يستقبل الكبير والصغير، يمازحنا يخفّف عنا وطأة الأعباء، ويحثّنا في الوقت عينه لكي نحبّ عملنا بلا منّة بل بكرم. فالمحبّة بدورها تخفّف الأعباء، وتحقّق النجاح.


هكاذ وصّفوك وهكذا بدوري عرفتك. وحين داهمك المرض، وقفت امامي في مكتبك تقول لي وبأعصاب فولاذيّة، جورج أنا مصاب بداء السرطان، وسأبدأ بعلاج فوريّ في مستشفى الجامعة الأميركيّة. انذهلت من برودتك في الإشارة إلى حالتك، نظرت إليك وقلت لك يا جورج ماذا تقول؟ قلت لي أنا ساقاوم وإذا نجحت فقدري ان أبقى معكم، ومحبتكم تقويني وأنا ألتمسها، وإذا لم أنجح فربنا أعدّ لي شيئًا أفضل. تذكرت مع كلامك كلامًا لصديق كبير جمعنا سويّة وهو المطران جورج خضر العظيم، وهو مواطنك، وقد قال: "أنا لم يحبّني أحد كهذا الذي علّقوه على خشبة". أعتقد أنك فهمت هذا بإيمانك وسلّمت حياتك له، وأنت مؤمن بأنّه ينبوع المحبة التي لا تنضب.


آخر اتصال لي بك قلت لي بأنّك قدمت استقالتك، وأنت متجه إلى مجدليا لترتاح فيها وتمضي حياتك إل نهايتها. سألتك لماذا؟ فأجبتني: لقد ثقل وضع المرض عليّ، ولم أعد أستطيع العمل، وأنا سلمت أمري لله. ما أعظمك أيها الحبيب، أنت أقوى من المرض لأنك واجهته بلا خوف، وأقوى من الموت لأنك واجهته بقوّة القيامة وأنت العالم بأنك إلى القيامة تذهب.


سأشتاق إلى الأحاديث الطيبة معك. لن أنسى بهجتك وجبورك بي في كل إطلالة لي عليك، وحين أتأخر تخابرني وتقول: ناطرك. إذهب يا صديقي واعلُ وارتفع وأنا عالم أنك مع يسوع ستكون بفرح عظيم. كل من نحبهم يرحلون كالنجوم يأفلون... لكن ثق يا جاورجيوس أجسادنا تنتهي في التراب ولكن النجاوى الآسرة والوجوه الحلوة لا تنتهي، لأنها وجوه من نور.


 



التيار الوطني الحر



كلمات دلالية:  لي جورج يا غير مر وأنت بأن بلا
ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top