2024- 03 - 29   |   بحث في الموقع  
logo "الحزب" يقاتل على جبهتي الداخل والحدود: نقطة ضعف خطيرة logo اشكال وإطلاق نار في طرابلس logo بينها لبنان.. هزات أرضية تضرب هذه الدول العربيّة logo مناورة إسرائيلية "مفاجئة" شمالاً.. وواشنطن تعتبر استعادة الهدوء أولوية logo حكومة فلسطينية جديدة تبصر النور..بلا سند سياسي logo نبيل فريد مكاري يستقبل المصري ويعلن دعمه للائحة “نقابتنا” logo بأكثر من 30 طنًا من المتفجرات... تدمير نفق لحماس (فيديو) logo اتهام روسي "خطير" لأوكرانيا
تأجيل الشعانين والفصح شهرًا واحدًا ضرورة قصوى (جورج عبيد)
2020-03-23 17:10:03



نشر الباحث اللاهوتيّ والأستاذ في جامعة السوربون الدكتور نقولا أبو مراد على صفحته الفايسبوك ما يلي: "قد يكون حريًّا بالقيادات الكنسية أن تنظر في نقل الاسبوع العظيم وعيد الفصح الى موعد يعين لاحقًا تبعًا للظروف وانحسار الوباء. ولمّا كان السبت لأجل الانسان لا الإنسان لأجل السبت، سيكون تعييد الفصح بعد أسبوع عظيم احتفالا محسوسًا هذه المرة بالغلبة على الموت، وبوعي لهشاشة الانسانيّة التي فينا أو التي نحن فيها، لعلّنا نخرج بهذه الخبرة الى حياة جديدة.. إن الزمن لا يصنع الفصح، بل الفصح هو الذي يصنع الزمن".



اقتراح الصديق نقولا جدير بالاهتمام والقراءة، لا سيّما حين قال: "إن الزمن لا يصنع الفصح بل الفصح هو الذي يصنع الزمن". فصح المسيح العظيم، بدء الخليقة الجديدة، ولم تسطع تلك الخليقة سوى بنصر الله بمسيحه. تلك مسلّمة لا تغفلها القراءات اللاهوتيّة ولا الفكريّة، إذ قبل القيامة كان كلّ شيء عدمًا، وكان العالم صحراء قاحلة، الينابيع الحقيقيّة تفجّرت في الغلبة على الموت: "أين غلبتك أيها الموت، أين ظفرك أيها الجحيم"؟ عيشنا نحن المسيحيون هذا الشعور أبديّ وراسخ من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء ونحن نذوقه بصورة دائمة في حياتنا الشخصيّة والعامّة بالتزامنا المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات، باتشاحنا إياه بمعموديتنا به، "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لسبتم". المسيحية الجديدة المضاءة بنور القيامة هي التي كوّنت الزمن الجديد، تمامًا كما كتب نقولا أبو مراد.



بالمنظار الأرثوذكسيّ، الزمن يأوّن. كل محتوياته تأوّن. بمعنى أننا حين نقول اليوم علّق على خشبة، فهذا يعني أننا نعيش صلب المسيح في هذا الزمن، وحين نقول اليوم يوم القيامة فهذا يعني أننا نعيش الآن القيامة كما عاشها من عاينها وشهد عليها في ذلك الزمان، وكما سنعيشها فيما بعد. وليس من انفصال بين الزمن والحدث الإلهيّ، فالحدث الإلهيّ هو الذي يصنعه ويكوّنه به. إنطلاقًا من مبدأ التأوين المجرّد، وبعد هيمنة "إله الموت" (الكورونا فايروس) على العالم وتوحّده به، فلا يمكن أن نحيي عيدًا عظيمًا كالفصح تحتشد الناس في الكنائس أقبل أن نقضي عليه، أو يثبت أننا قضينا عليه بصورة كاملة. ومن الظلم أيضًا منع الناس من تذوقه والفرح به وهذا الفيروس مهيمن علينا يقضّ مضاجعنا. المشاعر البشريّة رجراجة خائفة وخاشية، تحتاج لكثافة رجاء ينهمر عليها من نور المسيح، وترجو البلوغ نحو الينابيع العذبة المتدفقة من الفردوس لترتوي منها فلا تعطش، وتغتسل بها فلا تتّسخ، وترنو إلى الخبز النازل من السماء لتأكل منه فلا تجوع أبدًا. لقد تمّ إغلاق الكنائس في مشرقنا الحبيب، ليس لحجب الخير والحقّ والجمال كأقانيم متجسدة، تلمس وترى في الليتورجيا والخدم والصلوات، وليس لمنعنا من تناول القرابين الإلهيّة، بل حماية لكلّ واحد من أحبّاء يسوع. ويسوع الذي أعطانا نفسه حياة لنا، لم يحجب الأمراض عن الكون، همّه سما نحو دحض سلطان الموت، من دون إلغاء مطلق له. واجه الأمراض ليكشف لنا القدرة على الشفاء منها والعيش بصحة وعافية وأمرنا بهما، وغلب الموت ليقول لنا بأن لا موت يحجبنا لأننا سائرون بإيماننا به إلى المجد القائم فيه. نحن الآن تحت رعاية الله وحماية السلطات حتى لا يدهمنا هذا الوحش الفيروسيّ غير المنظور، أو إله الموت.
أمام ذلك ننظر إلى اقتراح نقولا أبو مراد كمعطى بإمكان الكنائس كلّها في المشرق العربيّ درسه من بعد قراءته بتؤدة ومناقشته بهدوء بعيدًا عن أية ضوضاء عقيديّة مغلقة. ذلك أنّ عددًا من الناس دوغمائيون، يعيشون ثقافة الحروف المغلقة ولا ينفتحون على قيم الحياة ومعانيها بحلوها ومرّها واستخلاص العبر منها. ما هو مرّ اننا جامدون تحت وطأة الكورونا فايروس، مختبأون في المنازل إلى أن ينخفض منسوب الإصابات، ونطمئنّ إلى اقتراب نهايته لكي نتحرّك من جديد وتضجّ الطرقات والشوارع والمؤسسات بالحياة الطبيعيّة. "هذا الإله" لم يميّز بين زعيم ومواطن، بين فقير وغنيّ، بين مسيحيّ ومسلم، بين مؤمن وملحد، بين أبيض وأسود، بين منطقة وأخرى. الجميع أسراه، الجميع تحت سلطانه، إلى أن يأتي الترياق فنلج العافية والحياة.



هذا التوصيف يقودنا إلى معطى يجب أن نتوقّف عنده في مثل تلك الظروف الصعبة، وهو أنّ الزمن ليس ما يصنع أعيادنا ويوطّد إيماننا، بل نحن من نرتب الأزمنة بالأعياد بواسطة إيماننا وشهادتنا. في الأصل لولا شهادة القديسين المجيدين العظام وإيمانهم الساطع والعمارات اللاهوتيّة التي شيدوها، والمنطلقات العقيديّة التي نحتوها، وهم بشر مثلنا، لما استمرّت كنيستنا بلاهوتها العظيم والمستقيم، ولما ترسّخ إيماننا المستند على يسوع الحيّ فينا، وما تمّ تنظيم توقيت تجدولت فيه أعيادنا. منظومة الأعياد ليست إلهيّة، الأعياد إلهيّة، وليست المنظومة الزمنيّة. بدليل أن عيد الميلاد كما هو معروف يعيّده الأرثوذكس الأنطاكيون واليونان مع الغرب بعكس الأرثوذكس في روسيا وفلسطين وبلغاريا والأرمن، وتنقسم الكنيستان الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة في توقيت عيد الفصح ضمن روزنامة أحياناً نعيّد معًا وأحيانًا أخرى يفصل أسبوع بيننا أو شهر وأسبوع، فهل هذا إلهيّ أو بشريّ؟ كلّ المواقيت الموروثة من التاريخ بشريّة، وكلمة الله وحدها الثابتة والراسخة في التاريخ وهي التي تشفينا وتحيينا.



بناءً على هذا المعطى، وينار على ما تقدّم، وحيث أنّ فيروس الكورونا أو الكوفيد 19 لا يزال يمنعنا من التجوال، وحيث أن مهلة الحجر في البيوت قد تثبت حتى أسبوعين أو تطول أكثر من أسبوعين، وبموجب ما سمعنا إلى الآن، بأنّ بقاءنا في المنازل ضمن مهلة أسبوع أو أسبوعين أو أكثر يملك القدرة على تخفيض منسوب الإصابات بشكل كبير ومفرح، حتّى إذا ما مال الطقس نحو الدفء فالدفء والحرارة يبتلعان الفيروس وينهيانه. جئنا بهذا المقال نقترح وبناء على ما تفضّل به الدكتور نقولا أبو مراد، بأن تكون عندنا لجنة من اللاهوتيين والأطباء والعلماء من الكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة للتباحث حول واقع هذا الفيروس بكلّ التفاصيل المكوِّنة له والمكوّنة منه والمحيطة به، على أن يتمّ تأجيل الاحتفالات بالشعانين والأسبوع العظيم والفصح المقدّس نحو شهر من الآن تقريبًا، أي نحو الأسبوع الأوّل من شهر أيّار أو الأسبوع الثاني كحدّ أقصى، إنطلاقًا من توقّع الأطباء والعلماء بتوقيت انحساره ونهايته ربما. فلا ينتابنا الحرمان من عدم مشاركتنا بهاء هذا الأسبوع الذي عليه بنيت الكنيسة وثبت إيماننا بسرّ الشكر والصلب والموت والقيامة. فالمسيح مات مرّة عنّا، ثمّ قام من بين الأموات لأجلنا، فلا نخذله بتفاهات انقساماتنا أو انغلاقنا في ثقافات الحروف المغلقة أو الحروفيّة الدينيّة الخاليّة من حركة وحياة ووجود.



أصحاب الغبطة، لا تحرمونا من عيد عظيم ننتظره سنة بعد سنة لنتجدّد بنعمته، عالمين بأنّ القيامة تحيينا الآن وغدًا وفي كلّ أيام حياتنا. إنّ مذاقة العيد تبعث الرجاء في قلوبنا بأننا أمة القيامة الراسخة في هذا المشرق، وبأننا قياميون غالبون الموت على صورة الناصريّ الظافر. فكما توحّدنا في الخوف من الفيروس فلنتوحّد هذه السنة بالخشوع أمام صليب الرب والفرح بقيامته. وما سيتبع الفصح من خميس صعود ووأحد العنصرة فيتمّ أيضًا تأجيله طبقًا لما هو معمول به أصولاً، فيتم التعييد للعنصرة في اليوم الخمسين للفصح، بناء على التأجيل الذي نرجو أن ينال رضى الجميع لفرحنا جميعًا. هذا هو الرجاء الصالح الذي ننتظره ضمن قرار جريء تتخذونه بحبّ وإخلاص للذي افتدانا من لعنة الناموس ولأجل خلاص شعب مؤمن، حتى نبقى أحرارًا بيسوع الحبيب والمنتصر على الموت إلى منتهى الدهر.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top