كتب عادل درويش في صحيفة “الشرق الأوسط”:
رفضت دوماً المفاهيم الشمولية عن «دور الصحافي» (أو الصحافة) في المجتمع، وواجبها الوطني، لأنها شعارات تناقض طبيعة الصحافة، ناهيك من استقلاليتها. لكن لا أحد ينكر أثر الصحافة على أداء الحكومة، فناخبوها هم القراء والمشاهدون.
الحرب العالمية ضد فيروس «كورونا» وضع أداء الصحافة تحت مجهر التاريخ.
في عزلة إقامتي الجبرية الصحية، تنحصر ملاحظاتي على أداء صحافتنا في بريطانيا. الفارق شاسع بين أداء الأجيال الصحافية. جيلنا بالآلة الكاتبة ونوتة التدوين بالاختزال (الشورتهاند) وإرسال القصة بالتليكس أو من تليفون عمومي بعملة معدنية، وجيل اللابتوب والإنترنت للبحث وللإرسال واجتماع التحرير والمقابلات والمؤتمرات الصحافية بالفيديو بلا مغادرة المكتب.
هل ساهمت الإمكانيات التكنولوجية للجيل الجديد إيجابياً في تأثير الوسائل الصحافية على الرأي العام لصالح الإنسانية في حرب «الكورونا»، أم جعلتها أكثر تعقيداً وسلبية؟
التكنولوجيا ساعدت عجوزاً مثلي على الاستمرار، نسبياً، في العمل من دون التعرض لخطر قد لا تحمد عقباه، فظروف الصحة أدخلتني العزلة 3 أسابيع مبكراً عن إعلان الحكومة الحجر العام، وتعديل 10 داوننغ ستريت (مقر رئيس الحكومة) للمؤتمر الصحافي اليومي لمتابعة تطورات مكافحة المرض إلى دائرة الفضاء الافتراضي، والتواصل عبر «سكايب» للصحافيين.
لكن التكنولوجيا وطريقة تدريب الجيل الجديد من الصحافيين أوقعتهم فيما عرفه أستاذ قديم للصحافة بـ«الحالة الذهنية المتلازمة للحصار»، أو الأداء بعقلية قطيع حيوانات الصيد، كالذئاب، في مطاردة الفريسة، حيث تسيطر الغريزة الجماعية على المنطق. فقد يكون هناك طعام أفضل وأسهل، لكن بدأت المطاردة والحواس الفردية للقطيع مركزة على الفريسة، متتبعاً أول من لمحها عدواً، ويتجاهل أي صيد آخر.