2024- 04 - 26   |   بحث في الموقع  
logo لبنان حائر بملف اللجوء السوري: العودة لخطة شرف الدين! logo لغة حماس "تتغيّر": وقف الحرب بـ1701 واتفاقية الهدنة للبنان logo الجيش يوقف 3 أشخاص لارتكابهم جرائم مختلفة logo بن غفير يرفض السماح بزيارات للمعتقلين الفلسطينيين:يضرّ بالمفاوضات logo "الجيش الوطني"يطلق سراح قائد"فرقة المعتصم"..ويلاحق من عزله logo فوز الرياضي على غوركان الايراني في سلة “وصل” logo مشروعان لتنظيم البث التلفزيوني المدفوع بلبنان:ما الفارق بينIPTV وOTT؟ logo بعد مرور 6 أشهر... تقريرٌ فرنسي يظهر انقسام الرأي العام الإسرائيلي بشأن حرب غزة
لا تدعوهم يفلتون من المساءلة (بقلم جورج عبيد)
2020-04-08 00:09:39



بدء المقال هذا روايتان مليئتان بالعبر:


1-الرواية الأولى: أحد الأشخاص أضاع حماره في مدينة صيدا. دعا الناس هنالك وقال لهم، فتشوا عليه، وبحال وجدتموه فسافعل ما فعله أبي قديمًا، خاف هؤلاء وفتشّوا على حمارهن ولمّا وجدوه سألوه يا فلان ماذا فعل أبوك حين وجد الحمار. أجابهم حين وجده عاد ماشيًا من صيدا إلى بيروت.
2-الرواية الثانية: يروى أن رجلاً اشترى له مسدّسُا، دخل البيت وقال لزوجته لقد اشتريت مسدّسًا بحال حدث أيّ طارئ لأدافع عن البيت به. وفي ليلة ليلاء، وفيما كانا الزوجان نائمين، دخل اللصّ غرفتهما، فرأته الزوجة، فنكزت زوجها فلم يستفق. فلمّا سرق اللص بنطاله، قالت له الزوجة لمَ لم تستفق، لقد سرق بنطالك ولا شهرت عليه مسدسك ولم تتحرّك فأجابها هذا المسدس اشتريته "لوقت الحشرة".



ماذا نستنتج من الروايتين؟
الاستنتاج الواضح منهما، أنّنا في لبنان، نملك الأداة والآليّة التي تعيننا على التحرّك والتحرّر، على الانوجاد والتغيّر، على الانكباب والتصيّر، على الجهاد بتصبّر، نضعها جانبًا ونسير مشيًا على الأقدام بإهمال لما نملكه، أو نبقى نيامًا فيما اللص داخل البيت يسرق، وحين نفيق من السبات العميق نقول بأنّ الذي نملكه يبقى لوقت الخشر.



في مسرحيّة "المحطّة"، للأخوين عاصي ومنصور الرحباني رحمهما الله، مشهد حيث يدخل اللص (أنطوان كرباج) إلى غرفة رجل وامرأته (إيلي شويري وهدى حداد)، تستفيق الزوجة على وجود اللص فتصرخ حرامي، فيجيبها متغزّلاً "يقبروني عيونك شو حلوين"، عرفته للتوّ وقالت "بضلّ يقول عندو عيلة وبدن ياكلو". لمّا سمع الزوج صوت امرأته قال لها جايي جايي اتصلي بالبوليس. مكث الرجل طويلاً في غرفته، ثم خرج "الحرامي" بهدوء، ولم تتصل المرأة بالبوليس، وما إن خرج حتى سأل الزوج وينو وينو؟ "أجابته كنت فرجيني عضلاتك وقت للي كان هون".

تنطبق تلك الروايات على ما نعيشه من مسائل ساخنة وقضايا حامية، وهي شديدة السخونة والحماوة. القضايا التي تفتك بنا في لبنان باتت بجوهرها أقوى بل أفتك من الفيروس التاجيّ. فكما هذا الأخير يقضّ مضاجع اللبنانيين بقسوة وبلا رحمة كما كلّ أهل الأرض، فإنّ مصرف لبنان والمصارف والطبقة السياسيّة التي عاثت فسادًا يحاصرون الناس المحجورين في منازلهم بمعيشتهم وأموالهم وكرامتهم وحياتهم. يبدو هؤلاء ومن يحيط بهم أو يتفرّع منهم من قطاعات أقوى من الدولة، كما اللصّ الذي سرق بنطال الرجل وهو نائم تحت ناظريّ زوجته، ولم يستعمل مسدسّه لأن "وقت الحشرة" بمفهومه لم يحن فمتى إذًن يحين؟ أو كذلك الرجل عند الرحبانيين الذي حضر بعد خروج اللص حاملاً مسدسّه فسألته زوجته التي فرحت بغزل اللص لها وارتخت، "وينو وينو؟؟؟ بدّي فرجيه"، فأجابته كنت بيّن مراجلك وقت للي كان موجود". ياتي اللص يسرق ووقت الحشرة لم تحن ثم نسال "وينو وينو؟...



مال اللبنانيين ببساطة سرقه لصوص الهيكل، منذ سنة 1992، نهشوا لحمه ونخروا عظامه، حوّلوا لبنان إلى مزرعة اقتسموها، روّضوا اللبنانيين على الاقتصاد الريعيّ، ثمّ خدّروهم بفوائد ماليّة فاقت التصوّر والإدراك، باعوا سندات الخزينة إلى صندوق أشمور بأثمان باهظة، سرقوا الخزينة ثمّ هرّبوا ما سرقوه... وها نحن قد بدونا تحت جريرتهم نكتوي بآثامهم، تغرقنا خطاياهم، وليس لنا بها ذنب... ببلغ الدين العام مئة مليار دولار أميركيّ، فطفنا الدول كمحاولة لطلب المساعدات كمتسولين، فيما كان لنا مال أضعناه بالسرقات والسمسرات والصفقات حتى غدا لبنان بلدًا منهوبًا ومنهوكًا ومفلسًأ...
السؤال المطروح ليس في السرقة بل كيف تمّت وبأية وسائل طرائق تمّت، ومن الذي سهّل وأباح، وما هي العلاجات المفترض اتّباعها؟ ما يسهّل الإجابة على هذا السؤال الواقعيّ، تحريك النيابة العامّة الماليّة بعيدًا عن آلية التسييس ومآربه ودوافعه وأهداففه، وذاك هو مسدس الحقّ الفاتك للباطل في أيدينا. في مقابل ذلك، يفترض أيضًا الطلب من شركات تدقيق حسابات محايدة، وبعيدًا أيضًا عن المصالح والأهواء أن تتجه نحو التدقيق الصارم، وهذا ما باح وصرّح به دولة رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب أمس. والتدقيق هدف ووسيلة رأى كثيرون بضرورة أن ينطلق من مصرف لبنان.
لماذا مصرف لبنان على وجه التحديد؟



لأنّه المؤتمن على أمن لبنان الماليّ، تشاركه المصارف بأسرها. إنه المشرف الجوهريّ على النظام المصرفيّ، وانصهار الودائع به، بل طريقة اندراج الودائع في جوفه، حفاظًا على حقوق المودعين كبارهم وصغارهم. وعلى هذا ظهر خلل رهيب في تعاطي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع المودعين بأسرهم لا سيّما صغارهم، استكمالاً للخلل البادي في تعاطي المصارف معهم وعلى رأسهم رئيس جمعية المصارف سليم صفير. لقد أباح حاكم المصرف الخلل بقوّة وبعيدًا عن الشفافيّة، بالتعميم الذي كتبه وفيه ألزم المصارف بأن تدفع لصغار المودعين ودائعهم بالدولار بالليرة اللبنانيّة. السؤال المطروح على سعادة الحاكم، لماذا قررت يا سيّدي بأن تدفع ودائع صغار بالدولار بالليرة اللبنانيّة على سعر المعتمد من المصرف المركزيّ وهو 1515، فيما بلغ عند الصرافين حدود 3000 ل.ل؟ لماذا يا سيدي لا تصارح صغار المودعين، وقد نعتوا بالصغار لأنّ سقف ودائعهم محدود، عن مصير ودائعهم بالدولار الأميركيّ، لماذا تحتجبون بالضبابيّة وتظهر علامات الريبة على وجوهكم؟ كيف سمح سعادة الحاكم بعد 17 تشرين الأوّل 2019 بإغلاق القطاع المصرفيّ في لبنان ليتضّح فيما بعد بأنّ هذا القطاع هرّب بحدود 180 مليار دولار أميركيّ ما بين الراسمال والودائع بحسب تقدير الخبراء. كيف يمكن القبول بهذه الفضيحة بلا تدقيق ومساءلة ومحاسبة ومحاكمة، اين ذهبت أموال الناس، وقد اتضح بأن المصارف في دبي أمست الوعاء للإيداع.



يقودنا هذا التحليل، إلى الإقرار بأنّ الثقة بين المودعين والقطاع المصرفيّ قد بطلت بسبب تراكم الخلل الناتج من احتشاد العلل. الموضوع غير محصور في الدائرة اللبنانيّة بل في الدائرة العربيّة. ذلك أنّ المصارف في لبنان تحوي ودائع سوريّة وعراقيّة، تتراوح ما بين 15 مليار دولار لللإخوة السوريين المغتربين و16 مليار دولار لللإخوة المغتربين العراقيين، أي بمجموع 31 مليار دولار أميركيّ، وأصحابها يسألون في المحافل والدوائر عن مصيرها، وهذا من حقوقهم المكتسبة، فضلاً عن أموال اللبنانيين، فلا يسوغ بهذا المعنى التستّر على هذا القطاع، كما لا يمكن في الوقت عينه القضاء عليه بسبب سوء السلوكيات المتّبعة من قبل حاكم المصرف المركزيّ.



لقد قال لي صديق كبير عاش حقبة طويلة في باريس، بأنّ العملة عند الفرنسيين لها سعرها، وترجمتها بالتعبير الفرنسيّ الدقيق Le prix de l’argent وهي مكان الروح وعصب الأمم. العملة ليست فقط وسيلة عيش، بل هي نتيجة تعب الفكر واليد، نتيجة العمل المضني والشاق، كيف يمكن حجب تعب الناس، وعدم مصارحتهم عن مصير أرزاقهم الماليّة وبخاصّة المال السائل المودع؟



كثيرون انتقدوا المدّعي العام الماليّ القاضي علي إبراهيم على خطوته بسبب طريقتها التي أرعبت بدورها المودعين، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الهدف والمأرب جليلان ومباركان. لقد بات لزامًا بكلّ ما للكلمة من معنى على الدولة اللبنانيّة، أن تجهد بقوّة وشدّة حبًّا بالحقّ وإيمانًا به، لكي تدفع باتجاه تحقيق شفّاف للغاية. وقد كشفت معلومات مؤكّدة بأنّ موقف فخامة الرئيس العماد ميشال عون ودولة رئيس الحكومة الدكتور حسّان دياب واحد ودافع بهذا الاتجاه. واللافت أيضًا موقف دولة الرئيس نبيه برّي الذي طالب بدوره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمصارحة المودعين، ومكاشفتهم حول مصير أموال الناس.



ويقول عارفون أيضًا بأنّ قرار رياض سلامة، وهو قرار مخادع بشكله ومضمونه، بسبب عدم مصارحته المودعين، ما كان ليظهر بهذه السرعة لولا تحذير أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله للمصارف من ناحية وللسياسيين الميارديريين من ناحية ثانية، الذين أثروا على حساب الدولة. وتظهر معلومات أخرى، بأنّ بعض الناس يعدّون لمجموعة حراكات بوجه المصارف، وتنبّه بعض الجهات من اتجاه الحراكات نحو العنف بوجه المصارف. أي عنف غير مبرّر، ولكن في الوقت عينه فإنّ حجب الحقائق من قبل حاكم المصرف ورئيس جمعيّة المصارف عن أصحاب الحقوق غير مبرّر على الإطلاق، بل يؤشّر إلى مجموعة قطب مخفيّة خطيرة في طبيعة العلاقة مع المودعين ومع صندوق أشمور ومع الدولة. وحده القضاء النزيه يملك القدرة على حسم النقاش بناء على التحقيقات المفترضة. وأن يتمّ التحقيق مع رئيس مجلس إدارة شركة الشرق الأوسط السيد محمد الحوت بعد مؤتمره الصحافيّ، فقد تحدىّ الدولة بطريقة فظّة معتبرًا بأنّ الشركة ملكيّة خاصّة، وهذا اقتناص مقيت متحاهلاً بأنّ آل سلام الكرام هم مؤسسو هذه الشركة، وكان المغفور له سليم سلام رئيسًا لمجلس إدارتها، ثمّ قام رجل الأعمال يوسف بيدس بشرائها، إلى أن تمّ إفلاسه، وبعد تفليسه وضعت الدولة يدها على ممتلكاته في لبنان لا سيّما أبنية العازاريّة المونتفيردي وشركة الميدل إيست وكازينو لبنان وارض في الشانزليزيه في باريس تخلّى لبنان عنها من ضمن صفقة مع القطريين. بمعنى أن الميدل إيست هي ملك الدولة اللبنانيّة بهذا السياق وهذا المقياس وليست ملكية خاصّة. مؤتمر السيّد الحوت أكّد اقتناصه ليست له ولم يرثها من أحد.



ختامًا، وحتى لا تتعثّر حكومة أظهرت بطولة فائقة في مواجهة الكوفيد-19، يجب وبحسب المعطيات، أن تقبل التحدّي مع الجميع من دون استثناءات تذكر. لقد دنت ساعة الحقيقة، والحقيقة مترجحة وماثلة بين الانتظام العادل والمتوازن، والفوضى الخلاّقة المتلاشية. والتحدّي قادر أن يستند على سقوط "الراعي الصالح" أو بداءة سقوطه في المرحلة الآتية، لتلك الأذرع التي ابتكرها لتسلب لبنان بالاصطفافات التي شاؤوها نحو غربة قصيّة عن نفسه. اتجهوا نحو الشرق ولا تهابوا الغرب الذي زرع اللصوص في هيكلنا.، ولا تتركوهم يفلتون ثم تسألون عنهم "وينن"؟ اركضوا خلفهم، لا تدعوهم يفلتون من المساءلة والعقاب، فعّلوا في الداخل القضاء حتى يرث المودعون بخاصّة واللبنانيون بعامّة، ومع اقترابنا من موسم الحبّ المتفاني، الحقّ الذي يعلو ولا يعلى عليه.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top