2024- 04 - 23   |   بحث في الموقع  
logo التصعيد مستمر… والقصف يطال عدة بلدات جنوبية! logo قائد الجيش استقبل النائب في البرلمان الفرنسي Amélia Lakrafi logo الحلبي أقفل النقاش: تسييس امتحان الشهادة الثانوية وتطييفها! logo حادث سير على أوتوستراد شكا logo بالصوره: هكذا انتهت حياة نضال logo لا مكان لأحلام التقسيميين (حبيب البستاني) logo بِصور الأقمار الاصطناعية: اسرائيل تبني مخيمًا جديدًا قرب خان يونس logo بِالضربة الأخيرة... إسرائيل بعثت رسالة "تحذير" واضحة لِقادة طهران
إقامة الخدم في الكنائس والأبواب مغلقة قرار خارجيّ وخطره وجوديّ (بقلم جورج عبيد)
2020-04-08 23:12:18



بقلم جورج عبيد -


عذرًا سيّدي الحبيب، عذرًا أيها العظيم جورج خضر، ألم يزعجك التدبير المأخوذ في الكنائس المسيحيّة قاطبة، في ذروة اللحظة الخلاصيّة المقدّسة، أنت القائل: "أنا لم يحبّني أحد في الدنيا كما أحبّني الذي علّقوه على خشبة". وأنت قلتها يا سيدي بشوق وحبّ، وعلمتني بأنّ المسيح ليس مركز الكون بل هو الكون، ليس مركز الحياة بل هو الحياة.



في لحظة غضب من المجمع المقدسّ سنة 1999، وقد لاحظتَ أنهم زاغوا قليلاً عن الإنجيل، كتبتَ مقالاً في جريدة النهار تحت عنوان: "لقد كسروا أغصان الزيتون"، لم يكن مقالك إيحاء بل صرخة بوجه كل زيف وزيغ. وانطلقت من أنّ كلمة الله تحيي وتشفي، تحرق جراثيم الخطايا المعششة في القلوب، وتنير العقول المحتاجة للبصر والبصيرة، وليس معها مزاح. كلمة الله هي وجهنا وعيننا. لقد آن لنا اليوم، وعذرًا للمرّة الثانية منك، أن نصرخ ونغضب ونقول لكلّ الكنائس كيف تجرأون على منع الناس من الدخول إليها، كيف تقبلون بأن تقام الخدم فيها والأبواب مغلقة، مسلّمين بجبروت إله الموت على حياتنا وداخل كنائسنا؟ فيما نحن نقول ونعلن بالفم الملآن، نحن قياميون وفصحيون، ومنذ أن لبسنا المسيح صرنا وإياه واحدًا في الحياة على الأرض وما بعد الأرض، كيف يمكن وفي ذروة اللحظة الخلاصيّة، أن نختبئ من الحقيقة الإلهيّة الساطعة منها والمنكشفة من رحمها، معتبرين بأنّ هذا الفيروس سيلتهمنا ويرمينا في العدم؟ ألا تشفي كلمة الله من مرض، ألا يحيينا المسيح المتنزّل فينا بالقرابين من موت، أليست الكنيسة مشفى لكل مريض، إذا لم تكن هكذا فما قيمة المناولة، وما قيمة خدمة الزيت المقدّس، وما قيمة الصلاة الجماعيّة، وما قيمة أن تكون الجماعة المؤمنة هيكل الله وجسده المديد وما قيمة وجود الله في حياتنا أفرادًا وجماعات؟



لقد أدخلنا الفيروس التاجيّ أو الكوفيد 19 في مسألة وجوديّة خطيرة للغاية تعنينا وتهدّدنا وتقضّ مضاجعنا كمسيحيين. ذلك أنّ إغلاق الكنائس في العالم كلّه لم يكن بسبب المرض عينه، ولم يأت صدفة. من راجع التاريخ، اكتشف بأنّ أبواب الكنائس لم تغلق بوجه المؤمنين في أصعب اللحظات قساوة ومرارة، أي في الأمراض التي فتكت بالعالم والدول، أو في لحظات اشتداد الأوبئة، أو في لحظات الحروب الاضطهادات، بل كانت ملجأ لهم. هاكم مثال على ذلك، خلال مجازر 1860، قتل شعبنا من جبل لبنان إلى دمشق، هجم القتلة على الأخوين مسابكي، وكان واحدهما حاملاً جسد الرب، ولكي ينقذ الجسد ابتلعه واستشهد، كذلك حصل مع الأب يوسف مهنا الحداد، الذي تقيم له الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسيّة عيدًا في 11 تموز. في أوروبا لم تغلق الكنائس يومًا، بل في بعض الدول وبسبب من الإلحاد الذي تفشّى بقوّة كانت الكنائس تشتاق للوجوه. لقد تفشت ثقافة "خلّيك بالبيت"، لدرجة أنها أمست فاتكة حتى حدود الإقصاء. لا أحد يقلّل من خطورة الفيروس التاجيّ، وسرعة انتشاره وعدواه بين الناس وداخل التجمعات. لكن ليس ما يبرّر أيضًا إفراغ الكنائس بواسطة رؤساء الكهنة في العالم كلّه بهذه الطريقة المستغربة. لقد اتضح وبقراءة مبسّطة، بأنّ عمليّة الإغلاق بالطريقة المعتمدة وفي لحظة واحدة، منسوج من خارج بيئاتنا المشرقيّة أقلّه. لقد نسينا على ما يبدو، بأنّ تراكم الحروب في هذه المنطقة على وجه التحديد، ولا سيّما خلال الخمسين سنة المنصرمة، من لبنان إلى سوريا والعراق، لم يكن هدفه سوى القضاء على مسيحيتنا وسلخنا عن أرضنا وبيئاتنا وتشويه حقيقتنا، ومسخ هويتنا، وتكفيرنا بإيماننا. لقد نسينا بأن نشأة القضيّة الفلسطينيّة مع تفريغ فلسطين من أهلها خلال النكبة سنة 1948 كان هدفه أيضًا سلخ المسيحيين من أرض المسيح على وجه التحديد، وسلخ المسلمين من أرض الإسراء والمعراج.
إلى أن جاء هذا الوباء الفتّاك والشرير، وهو وباء مصنّع ومزروع من ضمن منظمة الحرب الجرثوميّة، ليغلق كنائس العالم ومساجده. ليس من مشكلة عند المسلمين، فهم مؤمنون، وجميعنا من هذه الناحية نغبّط إيمانهم، المشكلة الخطيرة قائمة في الشخصيّة المسيحيّة المستوية في ثقافة ليبراليّة تتيج لها التحرّر من الإيمان حتى الثورة عليه. فلو سلمنا بأنّ الشيوعيّة ضربت الإيمان عند بعضهم فإنّ الليبرالية ببعض نواحيها تملك الهدف عينه. لقد تأسّس الفكر العلمانويّ على إفراطها، فأمّن للشعب الأوروبيّ التحرّر من الإيمان، وبات المسيح التاريخيّ غريبًا عن اوروبا، من دون أن نرى غربة لليهود الذين لا يزالون يوغلون فيها ويسيطرون على الحكم في كثير من بلدانها. لم تخف العلمانويّة في أوروبا أجيال اليهود الأوروبيين، لأنهم صنعوها واستعملوها وعززوها صناعيًا لتفريغ أوروبا من وجود المسيح.



القضيّة قائمة عندنا نحن المسيحيين لا سيّما في المشرق على وجه التحديد، أكثر من أي مكان آخر. لم تتشدّد الكنيسة الروسيّة على سبيل المثال في قراراتها بإباحتها للإغلاق التام في هذا الموسم العظيم، بل سمحت لعدد من المؤمنين بالتواجد. كنيسة جورجيا طلبت من الكنائس أن تبقى على خدمها ومثلها فعلت كنيسة ألبانيا. وحدها الكنائس في لبنان وسوريا وفلسطين في المشرق وفي اليونان وقبرص، تشدّدوا في إقامة الصلوات والأبواب مغلقة، ضمن قرار واحد تديره جهة واحدة في العالم. وبنتيجة البحث المعمّق تبيّن ومن دون التباس بأنّ الإدارة الأميركيّة العميقة عمدت على الضغط بواسطة أدواتها حتّى يكون الإغلاق تامًّا في العالم. وقد نشأ الضغط ضمن رؤية تم التخطيط لها مليًّا جوهرها تكوين نظام عالميّ جديد لا يكون لله فيه وجود.



هذا مثبت في الأدبيات الأميركيّة-اليهوديّة وبقوّة. عودوا إلى المؤلّفات تروا شدّة التخطيط وقدرة المخططين على ابتكار الأطروحات، منها أطروحة صموييل هانتنغتون صدام الحضارات وظهور العالم الجديد. تمزيق الله في صراع الحضارات وقد آل إلى صراع أديان ومذاهب، بل إلى صراع عرقيّ داخل المدى المسيحيّ كما حصل بين الصرب والكروات في أوروبا الشرقيّة هدف تلك الأطروحة. في كلّ الحروب المطلّة من أوروبا الشرقيّة إلى المشرق العربيّ مع زرع القوى التكفيريّة، كان الله بمفهومهم يتصارع مع نفسه، وكان التاريخ شيئًا فشيئًا مع صراع الله مع نفسه واتجاهه نحو تمزّقه يتجه نحو موته بحسب نظريّة فرانسيس فوكوياما، وكلّ فوض خلاّقة خدمت تلك الرؤى. ومع إفراز هذا الفيروس اتضحت الرؤية أكثر مع إغلاق بيع المسيحيين، ومساجد المسلمين، إنهم يعلنون موت الله وموت التاريخ القديم معه.



من هنا إنّ مسألة إغلاق الكنائس لا سيّما في بلادنا، وبهذا الظرف بالذات تنتمي حصرًا إلى هذا المشروع بتزكية الخوف والهلع في النفوس. القضيّة الإيمانيّة أهمّ بكثير من المساعدات، وأعلى من الأنظمة. في هذه القضيّة أنت تتعاطى مباشرة مع هذا الذي أحبّك منذ الابتداء واعطاك نفسه حياة بموته وجسده مأكلاً ودمه مشربًا حتى تصيره على الأرض ومنها إلى السماء. أفرزوا حدودًا بين البشر، غيّروا نظام الحياة الاجتماعيّة وطبيعتها، في دول المشرق بدانا بقتل مفهوم الجماعة القويّة لصالح الفرد الخائف والخاشي، والجماعة القويّة يعبّر عنها في العائلة وتلاقي العائلات، في الكنيسة في المسجد في الحزب... ليس من دليل على أنّ الروح العائليّة منتصرة عند كثيرين، بل هناك من يظهر بأنّ الخوف والهلع التي ساهمت الوسائل الإعلامية بتظهيرهما أديا إلى ازدياد منسوب العنف الأسريّ، وهذا قد بدا بدوره يثبت شيئًا فشيئًا... والوجه الروحيّ المعبّر عن الجماعة القويّة قائم في الكنيسة، وقد نعتها بطرس الرسول بأنها أمّة الله، وهي جسد المسيح. فهل يعلم واحدنا وفي ظلّ هذا الاصطفاف معنى إغلاق الأبواب بذاته ومنع المؤمنين من المشاركة في الخدم الإلهيّة؟ كلّ قرار من هذا النوع يلاشي قوة الجماعة المعبّر عنها بالسياق الروحيّ ويضعفها، لا سيّما في الأسبوع العظيم التي تأسّست عليه الكنيسة، وتكوّن فيه سرّ الشكر (الإفخارستيا)، وفيه روى يسوع الحبيب أروع قصّة حبّ في الوجود، فترجم الحبّ دماء أهرقت على الصليب.



لقد سبق للصديق الحبيب المطران عطالله حنّا أن قدّم رؤية متوازنة لكنائس المشرق، لماذا لم يتمّ استدراكها؟ هل هناك ما يمنع من اتّباعها فتقوم كلّ رعيّة بتعقيم كنيستها ووضع من يفحص حرارة المؤمنين الوافدين إليها ووضع الكمامات على الأفواه، وتعليق المعقمات على أبواب الكنائس ومنع المسنين الكبار من التواجد في الكنيسة حرصًا على صحتهم؟ ما الذي يمنع من اتّباع هذا التدبير، فلا يحرم أي مؤمن من المشاركة في الصلوات ومن المناولة الإلهيّة أيضًا لمن يشاء، فليعلنوا لنا ما الذي يمنع؟



حبًّا بيسوع الحبيب، أرجو من الكنائس كافة، أن تفكّر ببعض المعادلات المرسومة، وتتحضّر لما هو أسوأ إذا دمجنا ثقافة خليّك بالبيت بلاهوت بدأنا فيه نسعى لترسيخ الصلاة الفرديّة على حساب الصلاة الجماعيّة، وليس ما يدلّ أنّ الناس مندرجة بها في البيت. كيف سيبرّر كاهن الرعيّة أو أسقف الأبرشيّة نفسه أو لاهوته الحاليّ المصطنع بعد جلاء كورونا عنّا حين يدخل الكنيسة ويراها خالية أو شبه فارغة، سيسأل عن الناس لياتيه الجواب يا ابانا أو يا سيدنا، نحن كنا مع يسوع في البيت، فما رأي الأحبار بذلك وهم أصحاب تلك النظرية؟



كما أرجو من الكنائس أن تعدّل في قراراتها. فالكنائس التي تتبع التقويم الغربيّ، إن قرأت الحقّ خلف السطور فلتعمد إلى تسويغ حضور المؤمنين بطرائق منظمة ابتداء من الجمعة العظيمة، والكنيسة الأرثوذكسيّة إذا بدورها قرأت الحقّ خلف السطور فلتفكّر بعدم نسخ بياناتها عن كنيسة أخرى في الخارج، بل أن تدرك بأن يسوع المسيح حجر زاوية هذا المشرق، لكونه اتخذ من المشرق جسدًا له.



سيدي العظيم جورج، عذرًا منك مجدّدًا... لعلك لو كنت في موقع القرار لكان قلمك قد سال بحبر الحقّ، وصدح صوتك بما يوافق الإيمان. ويا ربّي يسوع، أبسط رحمتك على الذين يعرفونك، وأنر عقول الرعاة وبصيرتهم حتى يمحو الإيمان الخوف من نفوسهم عالمين بأنّ المحبة المضيئة من وجهك المكلّل بالشوك تنفي كلّ خوف وتطرده لأنها أنت، ومن آمن بك معترفًا أنك الإله الحقيقيّ والمخلّص نفوسنا، ذاق بأنّ المحبة اقوى من الموت ومن فيروس حقير صنع لقتلنا. أنا لم يحبّني يا رب كما أنت أحببتني بالدم والنور.


إقامة الخدم في الكنائس والأبواب مغلقة قرار خارجيّ وخطره وجوديّ



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top