2024- 04 - 26   |   بحث في الموقع  
logo لبنان حائر بملف اللجوء السوري: العودة لخطة شرف الدين! logo لغة حماس "تتغيّر": وقف الحرب بـ1701 واتفاقية الهدنة للبنان logo الجيش يوقف 3 أشخاص لارتكابهم جرائم مختلفة logo بن غفير يرفض السماح بزيارات للمعتقلين الفلسطينيين:يضرّ بالمفاوضات logo "الجيش الوطني"يطلق سراح قائد"فرقة المعتصم"..ويلاحق من عزله logo فوز الرياضي على غوركان الايراني في سلة “وصل” logo مشروعان لتنظيم البث التلفزيوني المدفوع بلبنان:ما الفارق بينIPTV وOTT؟ logo بعد مرور 6 أشهر... تقريرٌ فرنسي يظهر انقسام الرأي العام الإسرائيلي بشأن حرب غزة
ربيع مدريد… الباهت
2020-04-18 06:55:17

في رائعته الخالدة «الأرض اليباب» التي وضعها منذ مائة عام في غمار محنته الشخصية، يقول توماس إليوت إن «أبريل (نيسان) هو أقسى الشهور، يعجن الذكرى بماء الرغبة، ويوقظ الجذور الخاملة تحت غيث الربيع». لكن أبريل مدريد هذه الأيام يحبس الرغبة في الحياة خلف ستار الخوف المنسدل على أبواب الذاكرة، وغيثُه الغزير لا يوقظ في الجذور سوى الحرمان من لذة التجدد والتوق إلى الربيع.


وحيدة مدريد في هذا الليل الطويل، وفي شوارعها يتسكع السؤال الوحيد الذي يحوم في هذا الضباب الكثيف المبدد على منحنى الأعمار: متى يطلع الفجر؟

اعتادت العاصمة الإسبانية في مثل هذه الأيام أن تطلق الهتاف عند الغروب لأبطال مصارعي الثيران الذين يرمون نرد حياتهم على حلبة أعياد الربيع، وأن تصفق لنجوم كرة القدم يصنعون المجد الزائل على ملاعبها؛ لكن الهتاف الوحيد الذي يتردد صداه كل مساء في أرجاء المدينة المنطوية على ذاتها، هو الذي ينطلق على الشرفات من الحناجر الخائفة تحية لأبطال هذه الحرب التي أوصدت نوافذ الفرح والأعياد، وحولت الحرية إلى سجن يمنعك من ممارسة أبسط شعائر الحرية.

لكن الشرفات لم تعد كافية للإيحاء بما يشبه الحرية، ولا الموسيقى قادرة على فتح نوافذ للأمل، بعد أن ضجرت الأضواء في صمت هذا الكون المقفل، وصار النهر يشك في معانقة البحر. الحب مؤجل، والفرح والحياة والأعراس والمآتم، حتى إشعار آخر. تنطوي المدينة على ذاتها، ويتساقط سكانها على أنفسهم، يسكنهم هاجس واحد: ألا يصابوا أو يصيبوا بهذا الوباء الذي يكاد يجعل من الزنزانات الفردية مصحاً عقلياً كبيراً، يمتد على مشهد مأساوي واسع استحوذت فيه الطبيعة على كل الجمال.

غريبٌ أنك منذ أكثر من شهر لم تشاهد طفلاً واحداً يركض في الشوارع أو يلعب في الحدائق، وأن يكون التنزه مقصوراً على الكلاب، والقفزُ على العصافير والطيور التي استعادت سيادتها على الأشجار.

تخرج لشراء الخبز في الصباح، وتختار المخبز الأبعد عن منزلك الذي اكتشفت فيه من المزايا ما لم تكن تدركه في السابق. حافلات النقل العام تمر فارغة في الشوارع التي تضج بالفراغ، ومن حين لآخر تلمح بعض المارة يجرون أنفسهم على الأرصفة كالعسكر المهزوم في حرب لم يطلقوا فيها رصاصة واحدة. حتى سيارات الإسعاف التي لا تهدأ منذ شهر لم تعد بحاجة لإطلاق صفاراتها في هذه المدينة المسكونة بالخوف والصمت.

عند انتصاف النهار تصدر نتائج العداد اليومي للوفيات التي تتساقط أرقاماً باردة من الشاشات؛ بلا أسماء ولا أوجه، لتتراكم في المقابر التي ضاقت بساكنيها الجدد الذين ينطفئون عند نهاية العذاب في غرف العناية الفائقة، ويرحلون من غير لمسة حنان أو نظرة لوعة أو حتى كلمة وداع أخيرة.

الكل يعرف واجباته في هذه الحرب التي تخاف من ضحاياها، ويقوم بها على أكمل وجه؛ لكن أحداً لا يعرف إن كان ذلك سيكفي كي تعود الحياة المؤجلة، ونعود إلى تصريف الأفعال الجميلة التي أصبحت ممنوعة من الصرف. لم يعد أحد يصدق أن الخوف ليس إلا حذراً، وأن هذه الوحدة الثقيلة هي سبيل إلى اكتشاف الذات، وأن الموهبة تولد من رحم الوحدة التي هي إزميل النفس ولحظة امتلاء.




Saada Nehme



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top