2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo فيتو أميركي في مجلس الأمن يعطل عضوية فلسطين الكاملة logo ريف حمص:مقتل 20 عنصراً من قوات النظام..بهجومين لداعش logo واشنطن تنفي:لا ضوء أخضر لإسرائيل لاجتياح رفح logo "اتفاق هوكشتاين" المؤجل: من انتظار غزة إلى انتظار إيران logo بصواريخ فلق.. المقاومة الإسلامية تقصف قاعدة للعدو logo مقدمات نشرات الاخبار logo "اتفقنا مع الخماسيّة"... دعوة من عطية للنواب! logo "الحزب" يكثف ضرباته للثكنات.. وإسرائيل تنشر أسماء قادة اغتالتهم
الفصح والبلد وكورونا (بقلم جورج عبيد)
2020-04-18 22:10:56



بقلم جورج عبيد -


لن يثنينا وباء صغير وبغيض وغير منظور عن الفرح بقيامة المسيح، ولن تمنعنا أوضاع لبنان الصاخبة من الهتاف والتهليل للمسيح الناهض من بين الأموات. فالقيامة هي بدء الخليقة الجديدة المولودة من الماء والدم والضياء، هي المدى لتوطيد سيادة المسيح على الدنيا، وهي مشتهى كلّ القابعين في جوف العبوديات بنصر وحريّة لم يغدقهما إله أو ملك أو حاكم في التاريخ كما أغدقها المسيح في اللحظة التي علّق فيها على خشبة، وكما ظهرت مع انفجار النور من القبر لحظة دحرج الحجر عنه، وهي مرتجى الحياة الأبديّة تسري في أزمتنا فتجعلنا مع بولس العظيم نصرخ بملء أفواهنا أين شوكتك أيها الموت أين غلبتك أيها الجحيم؟



لم تعد الدنيا ممدودة نحو الفناء. البهاء قهر الفناء. تلك هي المعادلة الجديدة التي رسمها الله في الأصل والجوهر منذ بداءة الخليقة. المسيح جنين الأزل، والمولود من الآب قبل كلّ الدهور، النور من النور، أمس بتجسّده من مريم وليد الإنسانيّة كلّها، وليد الكون، فالأزليّة غير محصورة بتاريخ أو أمّة أو قوميّة أو عقيدة، إنها اللانهاية الحاضرة بالمسيح يسوع والمستوية في قلب التاريخ، والمسيح كاشفها جذب الكون إليها بكلّ فعل صدر عنه أو قام به، وجعل الحياة الأبديّة من خلالها ينبوعًا متدفّقًا مرويًا الخلائق، وغاسلاً إياها من آثامها، وماحقًا ترابيّتها، ومن ثمّ غالبًا الموت بالقيامة.



كان لا بدّ بهذا المعنى أن يموت واحد عن الأمّة، لتكون لنا أمّة جديدة غدت هي الكنيسة. إيماننا الحقيقيّ قائم على أربع كلمات تختصر حياة يسوع وحياتنا بالمسيح، "تجسّد، وصلب، ومات، ثم قام". لقد صوّر أشعياء النبيّ كما يوحنّا المعمدان المسيح بأنّه "حمل الله". إنّه الحمل الفصحيّ المرموز إليه في العهد القديم بالكَبش المربوط في نصبة صافاق، قدّام المحرقة التي صعد نحوها إبراهيم حاملاً ابنه الوحيد إسحق ليقدّمه ذبيحة لله دليل طاعة. إبراهيم أبو الآباء كما نسميه، والقائم في الأديان الثلاثة الموحّدة لله، رمز لإنسانيّة اكتشف الآب السماويّ استئهالها ليصير ابنه الحبيب حملاً كذلك الكبش في نصبة صافاق، فيذبح لأجلها، ليكشف لها ذروة الحبّ بالدم المراق وبالنور البازغ. لقد أعطى الآب السماويّ أن تكون الإنسانية بمسيحه نورًا حقيقيًّا بالنور الساطع بالدم المراق، لا ننسى كلمته المتحرّكة فينا أنتم نور العالم، أسلكوا في النور ما دام لكم النور. بالقيامة غدونا بالفعل لا بالقول أبناء النور، ومن بعد قيامة المسيح ليس من قرابين من لحم ودم تقدّم على مذبح الله، المسيح قربان الإنسانيّة وقيامتها، ومن بعد نصره ليس من موت يغلبها ويخطفها أو يبتلعها.



يقودنا التأمّل هذا إلى الانغماس بعض الشيء في أحوالنا، ومقاربتها قليلاً بفكر قياميّ. فالبلد رميم وليس فيه صوت رنيم أو ترنيم. واللبنانيون يعيشون بين فكّين مليئين بالأنياب الطاحنة، فكّ "إله الموت" كوفيد-19 الفاتك بالعالم كلّه، وفكّ الغلاء وارتفاع سعر صرف الدولار بجنون فائق، وتهريب الودائع إلى الداخل الفاتك بالحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والصائرة بالبلد نحو الحضيض، وبتعبير طقوسيّ نحو أقصى دركات الجحيم. كيف نجعل القيامة عاصفة بنورها وممطرة بنعمها على بوجه هذا المشهد العبثيّ والقاتم، والناس في سويدائهم؟ هل للبنانيين قيامة ممكنة، هل سيقوم المسيح فيهم؟



التسليم الإيمانيّ والوجوديّ، يقودنا في العتمات الداكنة، إلى القبر الفارغ، إلى فجر أوّل ايام الأسبوع. ذلك أنّ المسيح القائم من بين الأموات أفرغ ذاته بالقيامة، من جديد، ومنتصرًا في ثنايا الكون، في ثقافاته وحضاراته وأديانه، إنه الملتقى والنبع والمصبّ، ليس من خير وحقّ وجمال من دونه، ليس من فكر مضيء إلاّ بكلمته، وليس من عدل وحريّة منشودة إلاّ وهو متحرّك فيها أو يحرّكها. الكثير من هذا لا يلمس منّا في هذا الزمن، لأنّنا لم نلتقط المسيح بثورته الصارخة على الخشبة، وبنصره المبين المتكشّف من القبر. لبنان مليء بالكنائس بالأديار، يطرب لقداسة تهبط على رهبان وراهبات نذروا أنفسهم للربّ، مسيحيوه يؤخذون إلى عجائب فيها شفاءات منظورة، ولكنّهم لم يؤخذوا بالمسيح نفسه ولم يندمجوا به بكلّ ما تعنيه كلمة اندماج من معنى ليكون لهم حقّ وخير سلام.



القيامات في الدنيا كتبتها قيامة واحدة، الشفاءات كتبها شفاء واحد. كلّ من أخلص للمسيح بالإيمان والفكر والروح مخلَّص، لم تعد المألفات حجبًا في العلاقات والقراءات، جميعنا بفعل وحدانيتنا بالخوف والهلع يفترض أننا تجاوزناها بشكل أو بآخر، فلنتوحّد بالإيمان بالله غير المتمزّق بسياقاتتنا وصراعاتنا. ثمّة قصّة حدثت في دمشق مع البطريرك العظيم والقديس غريغوريوس حداد، الملقّب بمحمد غريغوريوس، وهو ثاني بطريرك عربيّ على كرسيّ أنطاكيا وسائر المشرق، خلال المجاعة. فقد داهم الجياع رحاب البطريركيّة الملقبّة بالمريميّة في دمشق بحثًا عن الطعام، وكان المسلمون الفئة الطاغية، باع البطريرك القديس الصليب المذهّب الذياهداه إياه قيصر روسيا نيكولا رومانوف وباع قسمًا كبيرًا من أملاك البطريركيّة الأرثوذكسيّة ليطعم الجياع، إلى أن أتى حاجبه قائلاً له هناك مسلمون جائعون ماذا تريد أن نفعل؟ فأجابه إتني برغيف خبز، فأتاه بالرغيف، فسأله يا ابني هل هذا الرغيف مكتوب عليه لأي طائفة هو؟ فأجاب كلاّ، فطلب منه أن يوزّع الطعام والأرغفة على الجائعين. كان المشهد يشبه كثيرًا طلب يسوع من تلاميذه أن يطعموا الجائعين وكانوا خمسة آلاف من السمكتين والخمسة آلاف حتى فاض الطعام.



في وضع كهذا الرغيف صورة عن الله الواحد فينا، الحريّة بدورها صورة عن الله الواحد فينا، الحقّ وجه واحد لله الواحد فينا، والجمال كما قال أقلاطون سطوع للحقّ، الخلاص من "إله الموت" ينبوعه من الله الواحد فينا، فكيف إذًا لا تكون لنا قيامة، إذا استنزلنا هذه الرؤى وسكبناها على حياتنا كلبنانيين؟



"إله الموت" ينهش الأجساد ويخطف الحياة، والمعالجات المتّبعة وبالمواجهات الراسخة من حكومة مبدعة وخلاّقة، ومن عهد رئيسه كجبل صنين، أثمرت وأبهرت وأعلت من شأننا، فكيف لا تكون لنا قيامة من خلال من انسكبت في قلوبهم وعقولهم وتفاعلت من الناس من خلالهم؟ كلّ من يواجه العهد والحكومة في هذا الزمن المتوحّش مارق وكافر وخائن. لا يزال يهوذا الإسخريوطيّ يتحرّك بهؤلاء ليساهم مع كلّ خارج وهم رؤساء الكهنة والفريسيون بقتل المسيح الحقّ المنغرس في كلّ برّ وصلاح. لم يتبدّل المشهد على الإطلاق، يهوذا الشخص، في ذلك الوقت، شنق نفسه ولم يتمتّع ببهاء القيامة، بقي منه الرمز الذي انفصل عن الشخص ولا يزال يتمرّد بالخيانة بفعل تقمّص الخائنين له. من يواجه العهد والحكومة أرومته خارجيّة لا محال، أجندته خارجية بلا ريب، ليس القطاع المصرفيّ غريبًا عن هذا المسار، فقد ثبت أنّه أشدّ فتكًا من إله الموت، لأنه سلب أموال ودائع بطرائق شنيعة وهرّبها إلى الخارج، وهو أشدّ فتكًا في الزمن السياسيّ البغيض لأنه الوعاء الذي استوت عليه الفئات السياسيّة المتحالفة على لبنان منذ سنة 1992. اقتسموا ثيابهم فيما بينهم وعلى لباسي اقترعوا، إنهم رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون، أو هم ظلالهم في التاريخ اللبنانيّ المعاصر والحديث، وليس قطاع الصرّافين سوء أداة لهؤلاء الفاتكين المتلاعبين بأموال الناس وخبزهم والمبددين لكل تعب وعرق قد تحوّل إلى قطرات دم نازفة في بستان الزيتون اللبنانيّ.



القيامة ستعصف قريبًا بتحرّر لبنان من هذا الوباء البغيض على يد عهد عاكف إلى جانب الحكومة على مواجهته ومكافحته حتى إبادته، والنتائج أمست طيبة ومباركة للغاية. وستعصف بثورة، لن تكتبها أجهزة استخباريّة خارجيّة، بل يكتبها جوع اللبنانيين وغضبهم إلى جانب العهد والحكومة على هذا الباطل المتمثّل بطبقة سياسية ومصرفيّة تحالفت على نهش لحوم البشر وسلب الحق بالحياة الحلوة، ستعصف بقضاء يفترض أن يقفز فوق السياسيين لتحقّ الحقّ، بإدانات عادلة وموثّقة لكلّ من سلب خزينة الدولة وأوصل لبنان إلى هذا الدرك، ولكلّ من سلب اللبنانيين رزقهم الحلال، ولكلّ من أوصل سعر صرف الدولار إلى 3250 ل.ل، وبتنا نخشى من بلوغه نحو ال4000.



سينزل المسيح القائم من بين الأموات إلى قلوبنا وعقولنا لنقرأ بضيائها ونحيا. لن يترك لبنان بلا قيامة، الاندماج بقيامة المسيح، قيامة لكلّ منا، ليس من تفريق بين مسيحيّ ومسلم، الله خبزنا جميعًا، المسيح هو الخبز النازل بالسماء الذي إن أكلناه نشفى ونحيا.



لبنان قياميّ الوجه والقلب لن يهزمه الباطل مهما عتى، ولن يتمرمر طويلاً بجحيم من فتكوا به، بل هم سيتمرمرون بنصر الله المبين بالحقّ بعدما دفنوا أنفسهم بتراب الباطل... لبنان مكتوب بهذا الفجر الساطع من القبر الفارغ، فجر المسيح الغالب، فجر الفصح المضيء إلى نهاية عمرنا.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top