2024- 03 - 29   |   بحث في الموقع  
logo فضل الله: للإسراع بالاستحقاقات فلا يمكن ان يبقى البلد رهينة الفراغ logo الخطيب: نشفق على الذين يتشاطرون اليوم بالتحريض الطائفي والمذهبي logo قبلان: لن نخذل لبنان ولا القرار الوطني logo صحة غزة تعلن حصيلة جديدة للشهداء logo "أشقر وشعره كيرلي وحليوة"...مسلسل مصري يستهزئ بمأساة طفل فلسطيني؟ logo مسؤول في "جامعة الدول العربية" تشغله المسلسلات الرمضانية...والمعلّقون غاضبون! logo ميزانيّة المركزي: قيمة الذهب تقفز إلى 20 مليار دولار logo ملابس داخلية ودمى عرض أزياء...جنود إسرائيليين "يلهون" في غزة
أطردوا هذا الذئب الصهيونيّ-العثمانيّ من حياتنا وحيّنا، آيا صوفيا لنا (بقلم جورج عبيد)
2020-07-12 09:17:25



صديق حبيب من الطائفة الإسلاميّة الكريمة اتصل بي معربًا وبكبر عن رفضه للقرار الأردوغانيّ الأرعن: "إن تحويل كاتدرائيّة آية صوفيا إلى مسجد مسيء جدًّا إلى الإسلام والمسلمين، وبالتالي فإن العمل الذي توغّل فيه نرتبط بمشروع خطير عنوانه استمرار تهويد القدس والمسجد الأقصى، قيؤول تحويل الكاتدرائيّة إلى مسجد، إلى الإمعان في تهويد القدس والمسجد الأقصى. والتهويد بالتالي سيؤول إلى ترسيخ التقسيم في المنطقة، بمعنى أننا سنستعيد نغمة جديدة قد تطغى على عدد من الملفات التي أمسك بها الأميركيون وقد منيت بالفشل، ولهذا أعتقد بأن قرار أردوغان إحياء متجدّد ومتوثّب لهذا المشروع". وختم قائلاُ: "حين زرت آية صوفيا ثلاث مرات ذقت بالعمق كونيّة الله ووحدانيته، هذا عبّر عنه بوجود آيات قرآنية إلى جانب النقوش البيزنطية وجدرانيات رسم عليها المسيح وأمه مريم، فهل أجمل من هذا البهاء؟"
 
كلام صديقي لا يخصّه وحده، بل يخصّ نخبة واسعة وكريمة من المسلمين الأحبّاء الرافضين لهذا القرار الهجين. وهذه النخبة في الحقيقة تؤكّد بالضرورة أن الله لا يتمزّق كما أكدنا غير مرّة بصراع الحضارات والأديان. المطران جورج خضر في حوار له مع المغفور له العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله سنة 1996 قال: "إذا كان المسيح كلمة الله المتجسّد والقرآن كلمات الله المنزلة فالمسيح قرآننا". عندنا أنّ الله إذا شبّه لبعضهم بأنّه يتصارع مع نفسه فهو ممزّق، وإذا كان ممزّقًا فهو ميت، وإذا كان قد مات يكون العالم كلّه قد مات". لقد مات العالم في مجموعة جائحات ليس كورونا فيروس أخطرها على الإطلاق بل تلك القوى التكفيريّة التي أفرزها رجب طيب أردوغان وقطر متنافسًا من خلالها مع المملكة العربيّة السعوديّة التي أفرزت قوى أخرى، والنتافس تمّ برضى إسرائيليّ ودعم أميركيّ. جاءت صفقة القرن إحدى ثمراته الخطيرة كما أنّ تحويل آية صوفيا إلى مسجد متناسق بالضرورة مع مسألة تهويد القدس بالعمق الاستراتيجيّ للكلام.
 
لا يستهن أحد على الإطلاق بقرار رجب طيب أردوغان ولا بصفقة العصر الأميركيّة الخليجيّة الإسرائيليّة. فالاستهانة ستدخلنا في أتون التجويف المتعمّد بهدف إفراغ المشرق برمته من المسيحيّة. رجب طيب أردوغان وبنيامين نتنياهو ودونالد ترامب "قاتلو الله في العالم"، وقاتلو العالم بقتلهم الله في التاريخ. كثيرون ظنّوا في محطات مختلفة بأنّ إثارة هذا العنوان  من قبيل البروباغندا الفارغة، العنوان بحدّ ذاته ثقيل للغاية، وثقله يجيء من قوّة الخطر الظاهر في القلب. فإذا استجمعنا الحرب على لبنان وسوريا وعدنا قبل ذلك إلى النكبة الفلسطينيّة لاكتشفنا بأنّ الجوهر الأساسيّ في كلّ تلك الحروب تغييب الوجود المسيحيّ من المشرق، أي تغييب يسوع المسيح بحدّ ذاته المتحرّك بالمسيحيين في هذا المدى بالذات.
 
من الناحية الإيمانيّة، أسلّم تسليمًا كبيرًا، وأؤمن إيمانًا راسخًا، بأن يسوع المسيح اقوى من أردوغان ونتنياهو وترامب ومن كلّ سلاطين وجبابرة العالم، وأبواب الجحيم لن تقوى عليه ولن تستطيع ان تبيده من هذا المدى مهما تجرّأ كثيرون، "فسيقلقهم بغضبه ويحرقهم بناره"، كما قال كاتب المزامير. ومن الناحية السياسيّة، فقراءتي غير منفصلة عن إيماني الحقيقيّ. وهذا حافز لأنبّه ليس إلى طرائق المخطّطات بل إلى جوهرها ومعانيها، والمعنى في قلب الشاعر، فيما الصوت المسيحيّ المشرقيّ الوازن بالعمق الروحيّ والنخبويّ والسياسيّ قد طواه الجبن والكسل، ما خلا قلّة عزيزة على رأسها المطران عطالله حنّا، الذي وقف إلى جانب المسلمين في قضاياهم فيما هو يتعرّض لهجمات شنيعة بسبب محاربته لقرار أردوغان حرصًا على الشراكة المسيحيّة-الإسلاميّة من فلسطين إلى العراق مرورًا بلبنان وسوريا والأردن من دون إغفال مصر، والصديق الأستاذ غسان الشامي المشرقيّ الجوهر حتى العظم يحذو حذوه... 
 
المأساة هنا أن الصوت الكنائسيّ في أنطاكيا وصولاً إلى العالم كلّه قد خفت وانطفأ. الكنائس المسيحيّة في المشرق بدءًا من كنيستي تنوء تحت صمت رهيب، أخشى في بعض من جوانبه أن يعبّر عن لا مبالاة قاتلة وقاحلة. منذ اختطاف المطرانين يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي، ولم نعثر لحظة واحدة على مبادرات خلاّقة وجريئة تقودنا نحو اليقين، واليقين حقّ. وقد قلنا وأكّدنا غير مرّة بأنّ اختطافهما اختطاف للمسيحيّة المشرقيّة. سنة 2017 و2018 وعلى إثر إعلان الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب صفقة العصر بتهويد القدس وإعلانها عاصمة إسرائيل الأبديّة، ثمّ تهويد إسرائيل بالكامل وإهداء الجولان السوريّ المحتلّ، والصوت المسيحيّ كان غائبًا ما خلا قلّة عزيزة كان الرئيس العماد ميشال عون ووزير الخارجية السابق جبران باسيل وللأمانة يمثّلانها، وبقوةّ من القاهرة إلى اسطنبول. ثيوفيلوس بطريرك القدس باع الأوقاف الأرثوذكسيّة ومنها باب الخليل لمستوطنات يهوديّة، والصوت المسيحيّ غائب بالكليّة عن قضيّة مقدّسة مرتبطة بزوال وجودنا في المكان الأقدس لمسيحيي العالم، والآن وبوقاحة وجلافة وخسّة أعلن "المجرم أردوغان" تحويل متحف آية صوفيا إلى مسجد، ليقود المسيحيين والمسلمين إلى مواجهات فتنويّة، وليوجّه رسالة مستفزّة إلى الاتحاد الأوروبيّ وروسيا بوتين يبدو فيها وكأنه مالك أوراق القوّة وحده، وليظهر من خلال وجوده في إدلب وطرابلس من خلال أدواته وليبيا بأنّه قادر على تغيير العالم. من دون أن ننسى بأنّه وطّأ لهذا القرار السمج والقذر بهجومه في لقاء وزراء الخارجيّة العرب في القاهرة على مؤسس القسطنطينية سنة 2015 موصّفًا حضارته بالسوداء فيما حضارته لم تستولد سوى التكفيريين وباقري بطون النساء في سوريا والعراق، وقد كان للمطران العظيم جورج خضر أن يردّ عليه ردًّا قاسيًا.
 
خلال الحرب على سوريا، وقف "المقاومون" في صيدنايا ومعلولا وحمص القديمة وقبالة دير القديس جاورجيوس الحميراء في قرية المشتاية وفي كسب وحلب... أمام أديرتنا ومقدساتنا وكأنها مقدساتهم وأدوا التحيّة بإجلال وأكرام كبيرين، وكان هذا يتمّ بدعم من شهيد كبير قتلته أميركا فيما بعد، من دون أن ننسى الدور الروسيّ الكبير. هذا هو الإسلام القرآنيّ الحقيقيّ، المنادي "باسم الله الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين آمنوا وغير الضالين". فيما رجب طيّب أردوغان، الإخواني أو الإخوانجيّ، والمتجلبب بجلباب الإسلامويّة-التكفيريّة، هو الأبعد في قراره عن الإسلام الحقيقيّ الراقي والمبشّر بالرحمانيّة والتسامح والسلام كان يقاتلنا بواسطة جماعته ويدنّس مقدساتنا. وبرأي كثيرين إن خطأ العالم الإسلاميّ عدم تبرّئه منه كباثّ وباعث ومستولد ومؤيّد لقوى تعيث قتلاً وتدميرًا وفسادًا وإفسادًا باعتباره الأبعد عن الإسلام، وإذا ما وجد دعاة مؤيدون له فهم مثله، ويرفضون بالتالي كل آخر فيعتبرونه ذميًّا ويفترض معاملته كذميّ على الطريقة العثمانيّة.
 
السؤال الذي يعنينا في لبنان، اين المسيحية اللبنانيّة والمشرقيّة من هذا الخطب الجلل؟ وأين هو الإسلام المعتدل المنادي بالعيش الواحد مع المسيحيين؟ هل سأل أحد ماذا يفعل رجب طيب أردوغان في طرابلس، وهو دائب على اعتبارها قلعة التكفيريين الذين هم على صورته ومثاله وليسوا على صورة المفتي الشعار الذي وإن اختلف المرء معه، إلاّ أنه يبقى صوتًا راقيًا، لماذا جنّس خمسة آلاف من أهل المدينة وعكار؟ ولماذا خلال الأحداث الأخيرة كان يرسل أشباه رجاله اي مرتزقته بواسطة سياسييه إلى بيروت ليحرقها ما شأنه في لبنان؟ شأنه أنه يعيد إليه جميع الدواعش الذين يلوذون به، هلاّ انتبهنا من هذا الأمر؟ هو، أوبدعم منه، قد اختطف مطرانيّ حلب، وكفى متاجرة بهذا الأمر، إنّه بتلك الممارسات يريد أن يعيد هذا العالم إلى نيوعثمانيّة يكون هو سلطانها بالتوازي والتماهي مع تهويد القدس.
 
وبعد هذا التوصيف الآمال غير معقودة على الروحيين، بل على مثلّث لا يزال راسخًا في تربة المشرق أضلعه الرئيس بشار الأسد، والرئيس ميشال عون، وسيد المقاومة. وإذا رمنا إلى الأبعد فالآمال أيضًا معقودة على الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين والبطريرك الروسيّ كيريل لينسيا ولمرّة واحدة قضيّة دور بطريرك القسطنطينية في أوكرانيا واستقلالها، ليصار إلى تحذير أردوغان وقلب الطاولة عليى رأسه. لا أحد ينسى دور بوتين في إنقاذه من انقلاب عبدالله غولن عليه وهو في أميركا، فإن لم يمتثل، فمعركة إدلب يجب ان تبدأ وتحرقه بنارها. تقليص أردوغان يبدأ من إدلب... واستعادة آيا صوفيا تنطلق بهذا التلاقي البديع الذي ينشئ حبًّا وإخلاصًا وخلاصًا بعد طرد هذا الذئب الوحشيّ من حياتنا. 
 
 


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top