2024- 04 - 25   |   بحث في الموقع  
logo بعد ظهور اعداد هائلة من الحشرات.. بيان هام من جمعية “درب عكار” logo باسيل: سبب التمديد للبلديات ليس فقط الحرب جنوبًا logo الجامعات الأميركية:الاحتجاجات الطالبية تتوسع..ونتنياهو يطالب بوقفها logo ادرعي يُعلن قتل عدد من عناصر حماس (فيديو) logo مرة جديدة... الجيش الإسرائيلي يستهدف بعلبك! logo عطلٌ في وزارة المالية! logo واشنطن تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة! logo أرسل صوراً لـ"القبة الحديدية"... هكذا خدعت طهران جندي إسرائيلي!
استقالة الحكومة كشفت استمرار هيمنة الطبقة السياسية الفاسدة... ونحن إلى تكوين جديد للبنان جديد (بقلم جورج عبيد)
2020-08-11 13:03:17



استقالة الحكومة برئاسة الدكتور حسان دياب كاشفة بالشكل والمضمون بأن الأزمة ترداد لما هو أعمق وأفتك، إنها أزمة وجود ضائع، مأكول من الداخل بواسطة فاسدين مجرمين تقاسموا الحصص وعملوا على إفراغ البلد من هويته الماليّة والذاتية منذ سنة 1992، والأكلة زرعهم خارج لم يعمل يومًا على تسوية جذرية تقيم البلد في السلام.
 
منذ تكوينه سنة 1920 على يد الفرنسيين ولبنان مستولد في أزمات قادته زمنًا بعد زمن ليصيرأشلاء وطن مبعثرة، بل مجموعة لبنانات لم نحسن في الداخل على استجماعه ليصير لبنان واحدًا، ولم يرد الخارج أن يوحّده ويتعاطى معه كوطن فريد بطبعه وجوهره ونظامه وحقيقته. كل الدول تتصارع على امتلاكه واسترهانه، لكونه المطلّ الجوهريّ لها بتجاه التحرك في الشرق الأوسط، من يمتلك لبنان يمتلك الشرق الأوسط، فهو كيان عبور ليس للطوئف فقط، بل للدول. مذ كان صغيرًا، ولمّا يزل كيان عبور ولجوء ونزوح. السؤال المطروح هل مع التسويات المرتقبة سيتمّ إبطال تلك المقولة ليصير لبنان وطنًا كاملاً بدولته ومؤسساته، بقوانينه ودستوره؟
 
حين أطلق البطريرك المارونيّ بشارة الراعي مألفة الحياد، ما قصد على الإطلاق وحدة له مبنيّة على ذاتية خاصّة، فالحياد بعد استقالة حسّان دياب أصبح نشيدًا بلا مضمون ورؤى؟ أي أن تلك المألفة قد غدت بندًا ضاغطًا للبلوغ نحو تجويف العهد مع إسقاط تلك الحكومة، ولم يأنف السيد البطريرك من تكرار دعوة الحكومة إل الاستقالة، أي انه ربط جعل من الحياد منطلقًا للاستقالة. كثيرون لم يفهموا بأنّ الجغرافيا ديكتاتور عظيم، والتاريخ يكرّر نفسه، والبطريركيّة المارونيّة لم تكن يومًا كما باقي المرجعيات الروحيّة منفصلة عن المعطى السياسيّ الخارجيّ بمؤثّراته وتأثيراته. معظم المراجع المسيحيّة والإسلاميّة جزء من هذه الأنظومة المفرِزة للبنان أخرويّ وليس للبنان سياديّ. والحياد في ظلّ الجغرافيا والتاريخ والواقع السياسيّ بل الواقعيّة السياسيّة خرافة أطلقت بإمعان كعنوان لتجويف الرئاسة من مضمونها المشرقيّ، وإضعاف متعمّد لمضمون ورقة التفاهم بين التيار والحزب، رنا البطريرك بأطروحته لجعل الحياد منطلقًا للتجويف والتحريف والتدويل، وليس للّبننة، أو لتزاوج اللبنانيّة كذات فاعلة بالمشرقيّة كهويّة روحيّة وحضاريّة وفكريّة، مكنونة في فكر الآباء المشارقة العظام، وهي التي نصّرت روسيا في التاريخ.
 
نعود إلى الواقع المعيش، للتدليل على معاني الاستقالة. مجموعة معطيات تراكمت في التماهي ما بين الداخل والخارج، أدّت في النهاية إلى تلك النتيجة كموقف رافض للهيمنة الفاسدة والفاسقة. جميع المتابعين للشان العام، ركّزوا في قراءاتهم على أنّ الأزمة، أزمة نظام. الاعتقاد الأسمى والذي يفترض بجميع القوى أن تكشفه وليس أن تبوح به بوحًا هامسًا، بأن لبنان وجود ضائع وتائه، فلا وصاية تبرزه ولا استقلال يفعّله، إنه محجوب بتلال مكدّسة من أزمات تستولد نفسها بعواصف هوجاء، واشتدادها يبدو موجعًا حتى البكاء في غياب قاهر للنجاة، ومع سيلان حيوات مضادة أي أنها تتضاد فيما بينها وليس فيها حياة.
 
بيروت المرمّدة بفعل هذا الانفجار الوحشيّ صدحت صارخة بتلك الحقيقة الموجعة، بيروت الموجوعة بأدبيات التدمير في وسطها تؤكّد هذه الحقيقة الموجعة والمصلوبة، استمرار الطبقة الفاسدة بعربدتها وبطرها وفسقها وفجورها، وهي المتجذّرة في باطن الأرض، بفعل تدميرها لقيم الوطن صلبت الحقيقة وادمتها وها هي تئنّ موجوعة من فسادهم، استقالة الحكومة فضحت ذئبيّة تلك الطبقة ووحشيتها وإجرامها وأظهرت تلك الحقيقة بصراخها على صليب عبثيّ فاسق. 
 
كلّهم متآمرون بأطروحاتهم الجوفاء على البلد. وكلّهم متآمرون بالتحديد على بيروت، وقد شاؤوا المشهد الذي كانت عليه مختلفًا عن المشهد الذي ستصير إليه. كان يجدر بحسان دياب المتشح بالأخلاق الرفيعة والناضح بثقافة عالية، أن يفضحهم قبل الآن بالأسماء والأدوار ويبيّنهم على حقيقتهم، أو أن يكشفهم بصفاتهم في ليان استقالته. السؤال المطروح هنا وبجديّة فائقة: ماذا لو فخامة الرئيس وقبل البلوغ نحو تلك النتيجة رفع يده وقال لهؤلاء بالأسماء أنتم أعداء لبنان، أنتم خربتموه وسرقتموه وتبيحون الفتن فيه، أنتم عملاء وأجراء ومجرمون والعدالة ستطالكم واحدًا واحدًا، ماذا كان حصل؟ هل سيتوغلون في الفتن؟ السؤال الجوهريّ والواقعيّ في آن، لماذا يبقى هؤلاء اقوى من الدولة والكيان والوطن، فيما سمعوا كلامًا قاسيًا من إيمانويل ماكرون، كشف بقوّته هشاشتهم بل هشاشة بعضهم، ألي هذا حافزًا لننتج دولة متحررة منهم ومن فسادهم والفساد موت؟
أزمة الوجود اللبنانيّ تبيح تلك المكاشفة القاسية والواقية للبنانيين في آن. قبل الوصول إلى 17 تشرين الأوّل جاء صيف 2019 غنيًّا ومحشوًّا بالتطورات الخطيرة، مسألة قبرشمون قمتها وذروتها. كثيرون قرأوها في موقعها الصحيح على أنّها المنطلق البدائيّ والمبدئيّ للدخول في جوف الفوضى الخلاّقة. فأتت التحذيرات من أناس امتلكوا الشجاعة والشهادة والصدق والرهافة، كان حديث السفير الروسيّ ألكسندر زاسبيكين جوهر الإضاءة كاشفة لجوهرها الإرهابيّ والاحترابيّ والانقلابيّ. منذ ذلك الحين وأرض لبنان تلتهب وهي يشهد غيابًا تامًّا للأجهزة الأمنيّة، وتكدّسًا لخطابات فتنويّة حتى انفجر العصيان في السابع عشر من تشرين الأول الماضي. لم يستطع أحد مواجهة الوقائع وبعضهم نام على حرير، والمستهدف مثلّث واحد من الداخل والخارج لبنان وميشال عون والمقاومة بسبب إيمان مسيحيّ نما عند كثيرين منّا بأن سلاحها في سوريا أبطل انسياب الحركات التكفيريّة إلى الداخل اللبنانيّ، وهو ردعيّ بوجه إسرائيل الغاصبة والحاقدة والمعتدية.
 
تحركوا بحقد كريه، وجاءت أدبيات شينكر وبومبيو وساترفيلد وفيلتمان وريتشارد وشيا كتحريض واضح المعالم. خنقوا لبنان اقتصاديًّا وماليًّا، شلّوه وشلّوا الحركة فيه. سرقوا الودائع في المصارف وهربوها إلى الخارج، والطبقة السياسية صنيعتهم كانت وجههم بأذرعها المتعددة. رفعوا سعر صرف الدولار إلى العشرة آلاف ليرة لبنانيّة بحصار قلّ نظيره، فارتفعت الأسعار في السوق. قبل ذلك استقال الحريري بطريقة هزليّة فجاء حسان دياب بعد حقبات من الحرق المتعمد، رجل منتم إلى العمل الأكاديميّ ونائب رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت بخطاب استند إلى مبادئ الثورة الحقيقيّة وترسّخ في رؤى جوهريّة رنت إلى فكّ الحصار بمجموعة مسلّمات وطنيّة ومنجيّة بقيت على حفافي التطبيق. فإذ بالحصار يشتدّ عليه. والحكومة التي ألّفها لم تظهر على الإطلاق استقلاليتها عن الطبقة السياسيّة لأنّ بعض الوزراء استولدوا وجاؤوا منها، فتحكمّت بها وساهمت بدورها بإحكام الحصار والسيطرة عليها.
 
في مرحلة من المراحل تجلّى حسان دياب مع حكومته ومع الوزير البطل حمد حسن بمواجهة الكوفيد-19 فجاء النجاح بحدود واضحة ساطعًا إلى أن بدأت الضغوطات السياسيّة تشتدّ عليها تحت عنوان عودة المغتربين فاشتدّ الكورونا بساعده وبدأ يضرب بشدّة وقسوة. مقابل ذلك، لم يفلح حسان مع وزيريّ الاقتصاد والنفط بإيجاد حلول ناجعة تضبط بل تكبح رفع سعر الدولار وتكافح رفع أسعار المواد الغذائيّة بطريقة وحشيّة، على الرغم من بعض المحاولات الإيجابيّة. حتى السلّة الغذائيّة لم تستطع التخفيف ولو قليلاً، والكهرباء ازدادت انقطاعًا، فيما الأمن ازداد بدوره تدهورًا.
 
وإذا رمنا الواقع، الحكومة طوّقت من خارج رفض التعاطي معها والاعتراف بها إلى أن أتت الكارثة والفاجعة الكبرى. لقد طوقت من حلف متين ومكين عملت أميركا في الاصل على استجماعه بواسطة بومبيو ودوروثي شيا وديفيد شينكر، مؤلّف من المصارف ومصرف لبنان ورموز الطوائف وهم بأكثريّتهم فاسدون. طوّقوها وطوّقوا العهد، وجاء الشغب البيروتيّ مع الدخول الأردوغانيّ مادّة دمار كامل باستغلال مقيت للمطالب الشعبيّة. لم يكن حسان يملك أوراق القوّة لفرض هيبة الدولة والحكومة لقد سار في غابة ضباع مفترسة لا تزال تنتهش لحم الدولة والوطن، إلى أن جاء انفجار المرفأ في بيروت ليكشف أن ما كان قبل غير ما هو بعد، وليظهر بوضوح أيضًا أن أزمة الحكومة والعهد جزء من أزمة نظام متهاو وأزمة النظام أفضت إلى أزمة وجودية خطيرة بالكليّة. 
 
جاء الرئيس إيمانويل ماكرون إلى لبنان توًّا وبعد الانفجار حاملاً معه خلف المساعدات رؤية تكوينيّة للنظام السياسيّ عنوانه ضرورة البلوغ نحو عقد اجتماعيّ جديد، وربما يقصد البلوغ نحو مؤتمر تأسيسيّ بالصيغة السياسيّة أو بالصيغة الجغرافيّة كما فسرها نائب رئيس المجلس النيابيّ إيلي الفرزلي على شاشة الميادين إذا لم ينجحوا في تاليف حكومة وحدة وطنيّة بعدما استقال دياب.
 
وتكشف بعض المعلومات بأنّ ثمّة تسوية قد تظهر بين أميركا وإيران تتولاها فرنسا. وفي الواقع اللبنانيّ، فإن الحديث بين ماركون والحاج محمد رعد ليس مجرد لفتة بل هو تتويج للعلاقة بين فرنسا وحزب الله التي لم تنقطع يومًا على الرغم من كلّ الضغوط وقد كان يتولاها من الجانب الفرنسيّ السفير فوشيه. وفرنسا بدورها غير متطرفة بنظرتها إلى إيران ولا حتى ضمنًا إلى الدولة ودورها في سوريا. 
 
السؤال المطروح هل الانفجار كان متعمّدًا؟ هل واقع الانفجار وما بعده يشبه إلى حدّ كبير انفجار سنة 2005 لكون اغتيال الحريري احتسب زلزالاً كبيرًا فكيف ببيروت تحترق؟
 
الجواب نعم التاريخ يكرّر نفسه. الانفجار سيؤسّس لمرحلة جديدة، ومن ضغطوا باتجاه استقالة الحكومة يخشون من بلوغ التحقيقات في المرفأ إلى كشف تورطهم بمن مثلوهم، والتحقيقات في مصرف لبنان في كشف سرقاتهم. استندوا إلى تداعيات الانفجار وبدأوا يتحركون في الشارع ضمن فعل استباقيّ كمحاولة لحماية أنفسهم وكإظهار واضح بأنّ العصمة لا تزال بحوزتهم.
 
سقطت الحكومة. السؤال المطروح هل سقطت تلبية لاتفاق أميركيّ-فرنسيّ وربما إيرانيّ، لنبدو أمام حكومة جاهزة، وماذا تعني أن تتصف الحكومة الآتية بالوحدة الوطنيّة وبأية مقاييس سيما وأنّ معظم الحكومات الوطنية في لبنان زرعت الفساد، أو أننا لسنا بعد أمام اتفاق واضح حول هذه المسألة فنبدو أمام مشوار تطويل قبل نضوج التكليف ومن ثمّ التأليف؟
 
للأيام أن تجيب على السؤال. وبانتظار الجواب، ستبقى الأزمة وجوديّة ولن تستطيع أيّة حكومة جديدة فكفكة عقدها إن لم تضمنها تسوية تهلّ وتملى علينا من الممسكين بملفّ القضيّة اللبنانيّة... بل ربما تكوين جديد لنظام جديد منتظر.


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top