2024- 04 - 25   |   بحث في الموقع  
logo ارتفاع عدد الشهداء الصحافيين من جراء العدوان على قطاع غزة logo ميقاتي في ملتقى الأمن الاقتصادي: لاعتماد نهج مالي جديد logo بعد الحرب... إبراهيم: حماس قادرة على فرض إيقاع سياسي جديد logo صوت قوي "يوقظ" سكان الجديدة... ماذا حصل عند "ABDO"؟! (فيديو) logo مجلس النواب يُمدّد للبلدبات logo بسبب بيروت... نائب قبل بالتمديد! logo بهية تزور الحريري في باريس logo بالصواريخ.. “الحزب” يستهدف موقعا للعدو
ليس الأميركيون بعيدين عن انفجار المرفأ والأتراك غير بريئين من الأمونيوم (بقلم جورج عبيد)
2020-08-12 20:48:04



الباحث الراقي الدكتور أنطوان فرنسيس في حوار مع الإعلاميّ المميّز جورج ياسمين، أضاء على أسباب الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت بتحليل مسهب ومعلومات مدقّقة، مطلاًّ من باب التاريخ إلى الواقع الراهن، كاشفًا بأنّ الانفجار جزء من مؤامرة كبرى بهدف تدمير طريق الحرير أمام الصين، وبهدف آخر وهو تغيير معالم بيروت التراثية القديمة واستمرار تهجير أهل بيروت القدماء منها لتصبح بجوهرها بلا هويّة.


تحليل الدكتور فرنسيس حافز لمن سمعه (وأنصح الذين لم يسمعوه بأن يسمعوه)، لقراءة موضوعيّة دقيقة لما بلغه لبنان اليوم بعيد انفجار بيروت الفاجعة والكارثة. لا يمكن لعقل مستنير إلا أن يزداد عقله انقداحًا لصلابة حروفيّة وانفتاحًا لرؤى مليئة بالوقائع والمعطيات تنسكب انسكابًا، فتجعله أكثر تدقيقًا والتهابًا، فيغدو المتلقي متبحّرًا ومستشرفًا لما يمكن أن يصير إليه البلد بعد هذا الانفجار الرهيب.


ليس أنطوان فرنسيس وحده من يعيش الخشية النزيهة والبريئة من المآرب والهوى، ولا هو بالتالي مأخوذ إلى الهوس. جميع من انغمس قلمهم وانسكب حبرهم في مجريات الأحداث بنظافة فكر وانتماء وطنيّ كاشفون لما ينتظرنا من مسافات ضبابيّة ورماديّة ليس فيها ترجيحًا بقدر ما فيها تأرجح يسبق الحسم.


السؤال المطروح في عقولنا هل هذا الانفجار نتيجة إهمال استدخل فيه القضاء والقدر، أو هو نتيجة افتعال تجاوز الحدود المعقولة وقفز بلبنان من ضفّة إلى أخرى؟


لا أحد يريد استبقاء التحقيقات، وفي لبنان صراع بين خبايا ناريّة أفتك من الأمونيوم تذيب الجقيقة وتطلق الجاني أو الجناة وبين إرادة صلبة مستندة إلى الحقّ تعمل على كشف الحقائق ولا تخشى شيئًا، وتتجه نحو الضرب بيد من حديد وقيادة هؤلاء إلى العدالة من أجل من مات شهيد الظلم ومن أجل أب أو أم أو شقيق فقدوا الأحبّة والغوالي، فتمرمروا في عذاب الغياب وتمزّقوا بألم الفراق، وغالب الظنّ أن رئيس البلاد العماد ميشال عون (وهذا لمن يعرف صلابته) لن يترك أية مسافة تائهة وفارغة لتهريب المجرمين تحت جنح الظلام وتسريب الأضاليل في ليل الخطيئة.


سنتجاوز التحقيقات بإطلاق نداء أو تحذير أوّلي، لا تضحكوا على عقول اللبنانيين، ولا تجذبوهم إلى أقبية تخدرونهم فينامون نومة أهل الكهف حتى تهرّبوا الحقائق. ذلك أنّ انفجارًا كهذا الحجم الخطير هو الفيصل الناريّ الفاصل بين لبنان قد كان ولبنان آخر سيكون، وغذا استعملنا كلمة فيصل فلأنه فصل بين تاريخ وحاضر ومستقبل.


الخلاصة في هذا المعطى، بأننا أمام اعتداء أميركيّ أعدّ بإحكام تمّ فيه استهداف عنبر أدركوه عبر الأقمار الاصطناعية وعبر عملاء داخليين، استهدفوا فيه الخيار اللبنانيّ بالانفتاح نحو الشرق في ظلّ الحرب الأميركيّة الاقتصادية والماليّة والخانقة عليه.


لماذا الظنّ بأننا امام اعتداء أميركيّ؟


في كتابه النفاق الأميركيّ، (وهذا لا نكرره لأجل التكرار بل لكي لا يتيه العقل اللبنانيّ وينسى)، كتب عمران أدهم فصلاً كاملاً عنوانه "كوندوليزا قتلت رفيق الحريري). استند الكاتب إلى ضابطين كبيرين في المخابرات الأميركيّة هما جون بيركينز (القاتل الاقتصاديّ) وديفيد وين. قتل الأميركيون رفيقًا بدفع إسرائيليّ اولاّه أرييل شارون، وترك لبنان فيما بعد لمصير قاتم نتيجة ذلك الزلزال الرهيب في 14 شباط سنة 2005. وقاد الزلزال إلى فتنة مذهبيّة توجت بحرب إسرائيل على لبنان في تموز سنة 2006 حتى بلغنا الشغب التكفيريّ في شباط سنة 2007 فيما اتجه العماد ميشال عون سنة 2006 إلى توقيع اتفاق مع حزب الله جاء مكمّلاً لانعطافة مارونيّة نحو المشرق. وفي سنة 2008 وبعد شغب جديد جاء اتفاق الدوحة إلى أن اجتاح الربيع العربيّ العالم العربيّ، وكانت الحرب قد بدأت تحطّ رحالها بنيرانها على سوريا.


وحتى لا نغوص في الاستطرادات التاريخيّة كثيرًا، لا بدّ من الاستنتاج هنا، بأنّ زلزال اغتيال رفيق الحريري، منطلق لتعميم الفوضى الخلاقة، ليس في لبنان بل في المحيط المشرقيّ كتمهيد لتسوية تنتهي بتهويد القدس وأخونة تركيا وإضعاف إيران، إلى أن فهمت إدارة أوباما بأن لا بديل عن إيران كقوّة إقليمية في المشرق. 


هذا الزلزال الراهن، ليس استهدافًا لشخص أو حالة أو هالة، بل هو استهداف لكيان برمته ووطن بأسره وشعب بمحتلف ملله ونحله وشرائحه. ليس الأميركيّ ضالعًا وحيدًا فيه، بل يبدو أنّ له شريكًا آخر مختلفًا وهو التركيّ بامتياز الذي تحت العباءة الأميركيّة عاد واستدخل نفسه في المعادلة اللبنانيّة الطائفيّة، وهو عينه من زرع في الأصل الأمونيوم بغية تصديره إلى سوريا أي إلى جبهة النصرة لصناعة عبوات ناسفة وربما أيضًا كاد أن يستعمل في لبنان. وفي السياق عينه، ثمّة من قرأ بأنّ الحرب الأميركيّة بتشددها وخنقها كان لا بدّ أن تقود إلى انفجار رهيب ينقل لبنان عندها من ضفّة إلى أخرى.


غير أنّ الظنّ الجوهريّ، سببه بأنّ الخيار الذي اعتمدته الحكومة المستقيلة برئاسة الدكتور حسان دياب مع رئيس الجمهوريّة بالاتجاه نحو الصين غالب على سائر الظنون. وينطلق الخبراء الاستراتيجيون بأسبابهم الموجبة لوجوب هذا الاعتداء، من ذلك اللقاء الذي تمّ في البدء بين الصينيين والإسرائيليين، والصينيون منذ أزمنة طويلة تواقون للانوجاد في الشرق بتأمين ما سمي تاريخيًّا طريق الحرير، كما أمّن الروس وجودهم في المياه الدافئة. لشرقيّ البحر الأبيض المتوسط بالنسبة للملاحة العالميّة، اهميّة استراتيجيّة توازي أهمية امتلاك النفط والغاز، فمن "استملك" هذا الخط امتلك القدرة على فرض التسويات لكونه واقفًا على صفائح النفط والغاز. بالنسبة للصينيين، مرفأ حيفا وبيروت أساسيان لتأمين لربط الشرق بأوروبا عن طريق المشرق. بالنسبة للاميركيين فهم خاشون من هيمنة الصين على هذا الخط بالذات لكونه يحوي ذلك المعنى الاستراتيجيّ الكبير، حذّر مايك بومبيو بنيامين نتنياهو فامتثل وانصاع، فكيف إذا تمّ الاتفاق بين الحكومتين اللبنانيّة والصينية؟ وكيف إذا كانت طريق دمشق-بيروت، الرافعة البريّة لكسر الطوق الأميركيّ والانطلاق برًّا باتجاه العالم العربيّ وأوروبا، والصين بدورها متواجدة على هذا الخطّ؟


لقد لاحظ المراقبون سرعة الانعطافة الأميركيّة نحو الحكومة المستقيلة، من خلال اللقاء بينهم وبين الجانب اللبنانيّ والوعود التي أغدقوها بالمساعدات لا سيّما إلى الجيش اللبنانيّ. 


غير أنّ الأميركيين تصرّفوا بماكيافيليّة ماكرة. حملوا جزرة بيد، وبيد أخرى حملوا العصا. لم يحملوها للتهديد، بل للتنفيذ الوحشيّ والعشوائي، فكان انفجار المرفأ مجسّدًا لأقصى طموحاتهم. 


ماذا تريد أميركا خلف هذا الاعتداء، ولماذا إيمانويل ماكرون استعجل المجيء إلى لبنان.؟


غير مرّة وفي موقعنا العزيز أوضحنا بأنّ الأميركيين وبعد اغتيال رفيق الحريري يريدون تغيير النظام. انطلقوا من نظرية الفوضى الخلاّقة كمقدّمة للانقضاض على لبنان وسوريا معًا، فجاءت النتيجة في سوريا وبلسان السفير الأميركيّ السابق في دمشق روبرت فورد معاكسة ومخيبة للآمال. اصطدم عهد باراك أوباما بطبيعة المنطقة وقرأ بعمق بأنّ هتك التوازن في المشرق يؤدّي إلى فرط النظام العالميّ، فكانت نظرية التفاوض مع إيران والبلوغ نحو الاتفاق النوويّ (5+1) إحدى التجليات المنطقيّة الواعدة، والاتفاق هذا مع النصر في حلب ىنذاك أدّى إلى تبوّئ العماد ميشال عون كرسيّ الرئاسة. ومع ذلك لم يكن الأميركيون بوارد التخلي عن لبنان، والتواجد في لبنان بحسب قراءة أوباما شركويّة مع إيران وروسيا وقوى أخرى.


الصورة هذه مختلفة بالنسبة لدونالد ترامب ولإدارة متصهينة قلبت المفهوم الأوباميّ المتوازن إلى نمط عشوائيّ وتدميريّ في آن. ليس ترامب مختلفًا بالطبع والجوهر عن جورج دبليو بوش، فالخواص واحد، والأسلوب التدميريّ ما بين العراق ولبنان واحد. في عهد بوش الابن كان متماهيًا مع الإدارة الأميركيّة الممثلة بجون بولتون جيفري فيلتمان إليوت إنغل وكوندوليزا رايس، في عهد ترامب ليس من تماه بينه وبين بومبيو وديفيد شينكر وبيلوسي وجيفري فيلتمان وجون بولتون. بل هناك صراع دائم على الحكم في الداخل والخارج، إذ تبدو الإدارة الأميركيّة الأقوى من الرئاسة. والنمط الفوضويّ بحدّ ذاته يعبّر عن جوهر الصراع ولكنّه غير حائد في المطلق عن الاستراتيجيّة الأميركيّة بأهدافها المعلنة وغير المعلنة.


النمط الفوضويّ المتّبع، انعكس على إيران والمنطقة وعلى العلاقة مع روسيا والصين. إنّ الحرب الأميركية على لبنان وشلّه ماليًّا واقتصاديًّا، تنتمي إلى النمط الفوضويّ المذكور بانسكاب الفوضى الخلاّقة في العاصمة اللبنانيّة بيروت منذ تشرين الأوّل سنة 2019، ولكن، بأهداف استراتيجيّة ترتبط حتمًا بالصراع على من يمتلك الشرق الأوسط، أو يسيطر عليه لا سيّما بعد دخول روسيا سوريا، والانعطافة الصينيّة نحو المشرق وبخاصّة لبنان. من الغباء أن يتصوّر امرؤ بأن أميركا قد تتخلّى بسهولة عن لبنان وهو الجار الأقرب لإسرائيل. ولهذا فإن الإدارة الأميركيّة العميقة تعتبر الرئيس اللبنانيّ العماد ميشال عون عدوًّا حقيقيًّا لها لأنه دعم المقاومة، ووقف إلى سوريا في الحرب عليها، ومؤمن بضرورة حلّ أزمة النازحين السوريين ومنع توطين الفلسطينيين، وادبياته تشي بذلك. 


أميركا شنّت حربًا غير مباشرة عليه بواسطة أذرعها، ثمّ ادخلت الشارع في الحرب المباشرة، وضغطت عن طريق رزق الناس ومالهم بواسطة المصارف، وأوعزت بتهريب الودائع غلى الخارج، ولعبت على الدولار الأميركيّ ليصل إلى 10000 ل.ل. ثمّ دخل الأتراك طرابلس ضمن منظومتها، وبدأوا مع مواليهم يرسلون الرعاع والأوباش لتحطيم بيروت ليبدو الانفجار الذي حدث منذ أسبوع فيصلاً فاصلاً بين ضفّة وأخرى بين لحظة وأخرى.


لقد كان القصد من هذا الانفجار بالفعل تدمير بيروت بالكامل، وقتل الناس عشوائيًّا، وتغيير معالم العاصمة، وتشريد أهلها الأساسيين وتحويلها كما سنة 1993 إلى سوليدير تهجيريّ خطير، وهذا ما يفترض التصدّي له بقوّة وشدّة. إن تغيير معالم تراث بيروت وتهجير الناس منها هدفان يقودان للتغيير الديمغرافي الصاعق ويبيح تملّك الأجانب أكثر من ذي قبل. لقد أصرّ الأميركيون على هذا التفجير لقطع الطريق على الصين، وفرض الاستقالة على الحكومة بكاملها بعدما بدأنا نشهد استقالات جزئيّة وأخذ لبنان نحو انتخابات مبكرة، فيتجوف العهد فيبدو الرئيس عون معزولاً.


أمام هذا المشهد أسرع الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إلى لبنان، وقد عاين خطورة الأهداف الكامنة خلف هذا الانفجار، وانطلق بحثه نحو حكومة وحدة وطنيّة مترافقة مع مواجهة الفاسدين سواء في مصرف لبنان أو الإدارة او السياسة أو في المرفأ.


لقد تضرّر الفاسدون كثيرًا من زيارة ماكرون، والتي بعكس بعض المراقبين لم تنسّق في بداءتها مع الأميركيين، بل نسق أجواءها في مرحلة لاحقة معهم، ودعا إلى القمة العالميّة من أجل مساعدة لبنان وبدأ لبنان يشهد فكّ العزلة عنه.


السؤال المطروح هل كان لبنان بحاجة لهذا الحدث الجلل لفكّ العزلة عنه؟ بتقديري إن الموفدين والمسؤولين لم يزوروا لبنان بإيعاز أميركيّ بل بهدف الاستكشاف وفي الوقت عينه لتوطيد الأدوار المرتبطة بالقضيّة اللبنانيّة امام حرب خطيرة أدت إلى هذه النتيجة الكارثيّة.


ختامًا، سيمسك ماكرون تدريجيًّا بالملفّ اللبنانيّ، وبعد زيارته لبنان اتفق مع ترامب على تخفيف لهجة التصعيد وترك الأمور سائرة نحو إمكانية التفاوض مع إيران عن طريقه تساعده مصر في ذلك.


ومع هذا فالخطر لن يبتعد عن لبنان في المدى المنظور بل سيشتدّ طالما ثمّة راديكاليون يزايدون على أميركا فيما هم عملاء لها، أمام مسعى فرنسيّ إيجابيّ يسعى إلى تضميد جرح بيروت، بل جرح لبنان بأسره.



التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top