2024- 04 - 18   |   بحث في الموقع  
logo “الخماسية” بعد لقائها باسيل: لفصل الجنوب عن الملف الرئاسي logo جلسة عامة الخميس لدرس اقتراح التمديد للمجالس البلدية logo فرنجية التقى البطريرك الراعي: لم نقاطع بكركي ومنفتحون على كل حوار logo جلسة عامة الخميس لدرس اقتراحي التمديد للمجالس البلدية وتحديد قانون المتطوعين في الدفاع المدني logo عمر راجح لـ"المدن":"بايبود" دعوة للفعل الثقافي والحق في الوجود logo طهران تحاول تحميل "عيوبها القاتلة" للأردن! logo بالفيديو: سرايا القدس تقصف غزة logo لوفتهانزا الألمانية تمدد تعليق رحلاتها إلى طهران
كتاب مفتوح إلى فخامة الرئيس الجبل العماد ميشال عون (بقلم جورج عبيد)
2020-08-18 14:20:28



"قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة
فاضرب بها، إضرب بها عدوّك
أنت الآن حرّ وحرّ وحرّ"
(محمود درويش)
 
سيدي الرئيس،
لم أجد أبلغ من هذا البيت للشاعر الفلسطيني محمود درويش  لأخاطبك في لحظات مؤلمة عجاف، اقتحمت عاصمتنا المغناج بيروت الحبيبة وستّ الدنيا، فطمرتها بالرماد، فانهمرت الدماء مدرارة، وكأنها دماء الناصريّ المرفوع على الخشبة، بل هي عينها تنهمر فوق تراب عروسة الدنيا، فأمسى قتلاها وجرحاها ذخيرة للبنان، خذيرة لك لتضرب بها أعداء لبنان الداخليين والخارجيين، والدماء يا سيّدي تجعلك الآن خارج القيود، أي "أنت الآن حرّ وحرّ وحرّ".
في القصيدة عينها، قال درويش:
"حاصر حصارك بالجنون وبالجنون
ذهب الذين تحبهم... ذهبوا
فإمّا أن تكون أو لا تكون
حاصر حصارك لا مفرّ إضرب عدوّك لا مفرّ"
 
جنون الانفجار في بيروت يستدعينا جميعنا وأنت يا سيدي الرئيس على رأسنا لنستعيد جنون الثورة، ثورة الحقّ، التي قدتها يوم كنت رئيسًا للتيار وحلمنا معك بالعودة إلى قصر الشعب. بولس الرسول الأكرم العظيم، كتب إصحاحًا كاملاً عن المحبة في رسالته الثانية إلى أهل كرونثوس، وأظهر بأن المحبة تتأنّى وترفق، غير أنّ المحبة بدورها تثور على الباطل والدجل والخيانة والإجرام، تثور لأنها تأبى الظلم، وقد فعلها السيد المبارك يوم جدل سوطًا ودخل الهيكل وقد جعلوه مكانًا للصيارفة فطردهم بعنف وتوبيخ قائلاً لهم بيت أبي ليس بيت تجارة.
 
خلال الصيف المنصرم، بدأ التحضير للحصار، كانت حادثة قبرشمون إحدى علاماتها المباشرة مع مجموعة علامات تضاف إليها، كانت قد ظهرت نافرة. وفي 17 تشرين الأول سنة 2019 بدأ الحصار يشتدّ من الشارع إلى المصارف، وراحت الحرب الاقتصادية والماليّة تستعر وتعصف على لبنان وفيه، وحاول بعض الأشرار المتشحون بالخسّة والحقارة تطويق المناطق الواصلة نحو بعبدا، وأراد بعضهم إدخالنا وبطرائق ملتوية بعملية انعزال ممهورة بالزيف بين المدفون وكفرشيما، ومن جديد حتى يتيسّر لهم إسقاط الشرعيّة المتمثّلة بك، فلم يستطيعوا بعدما أخبطوا وخاب أملهم. وبعدما تأكّد لمشغليهم الأميركيين والسعوديين عبثية المسعى وفقدان القدرة، أدخلوا البلد بكاملة مرحلة الشلل الكامل والتلاشي المطلق، فأغلقت المصارف أبوابها واستغلّ أصحابها التطويق، بل كان التماهي فيما بينهم على أشدّه، حتى هرّبوا ودائع اللبنانيين إلى الخارجن بسرقة ملحوظة وغير مسبوقة في التاريخ المصرفيّ اللبنانيّ والعالميّ وبتغطية من حاكم مصرف لبنان وتنفيذ من سليم صفير وشركائه وتمّ ذلك بناء على طلب أميركيّ مباشر من مايك بومبيو وديفيد شينكر.
 
ومع اشتداد الضغوطات عليك، صمدت وصبرت، وبدوت كصخرة علقت على مجد لبنان، الذي تسربلته في لحظات النضال. وعلى الرغم من الحقد المتدحرج، أبيت مواجهة الحقد بالحقد. بل دابت يا حبيب على استقبال أعتى أعدائك وأشرس مبغضيك، ببساطة الرجل القرويّ المحبّ ووساعة المفكر الرؤيويّ المتسع الآفاق ومهابة الرئيس المسؤول عن لبنان بأسره، وقد أقسمت اليمين الدستوريّة للمحافظة على سيادته ودستوه وسلامة أراضيه. وحاولت بمحبتك العارمة والعامرة دعوة الجميع للحوار فأغلقوا الأبواب والنوافذ وسدّوا آذانهم فامتنعوا عن اللقاء وأمعنوا في المواجهة. استندت إلى المحبة المجانية كما كتب الأب الراحل ألكسندر شميمن فلم يفهموا لغتها، وأنت عالم أنهم لم ولن يفهموا فاستمروا في غيهم، "لهم أفواه ولا يتكلمون، لهم آذان ولا يسمعون، لهم عيون ولا يبصرون، مثلهم ليكن صانعوهم والمتكلون عليهم"، ثمّ نفثوا سمومهم في الحقول المباركة، وتقيّأوا النيران من أجوافهم فأحرقوا مواسم الخير والعطاء، وحرّكوا جنودهم المرئيين وغير المرئيين،  وبدأوا يطلقون النعوت القبيحة بحقك، ويحملونك تبعة ما يجري في البلد، فيما هم المجرمون القبيحون والفاسدون المارقون. هل تعلم سيدي ما هو ذنبك؟ ذنبك أنّك رجل قيم ومبادئ ورؤيا، ذنبك وببساطة أنّك مسيحيّ-مارونيّ-لبنانيّ-مشرقيّ-ميثاقيّ-عربيّ تدمن على لغة الضاد بحصافة، ذنبك أنك وقفت مع الحقّ المقاوم والمواجه بصلابة، وأبيت استباحة لبنان من العدوّ الإسرائيليّ قبل سواه، وآزرت قتال القوى التكفيريّة التي زرعها الأميركيون في سوريا، وقد اعترفت هيلاري كلينتون بأنها صنيعتهم، بل رفضت الحرب على سوريا لأجل سوريا ولبنان معًا، وأدركت ما أدركه عملاق كبير هو البطريرك الراحل إغناطيوس الرابع هزيم، بأنّ سقوط سوريا يعني سقوط العراق ولبنان ونحرًا للقضيّة الفلسطينيّة وها هي تنحر بفعل عملية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، ذنبك أيها الجبار، أنّك رفضت ولا تزال ترفض دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبنانيّ، ومعنى الدمج يشي بتذويبهم وتغيير معالم لبنان الديمغرافيّة، ويعني استهلاك لبنان في الحرب على سوريا، ويعني فقدان سوريا حقّها الشرعيّ بالحلّ الوجوديّ المتكامل، ذنبك أنك رفضت ولا تزال ترفض توطين الفلسطينيين في لبنان، والتوطين ينزع القدرة على حلّ القضيّة الفلسطينيّة في فلسطين وكأنّك تردّد مع الزعيم الراحل فارس الخوري جدّ صديقتنا المشتركة الشاعرة كوليت خوري بأن قضيّة فلسطين لا تحلّ إلاّ في سهولها وروابيها وجيالها ووديانها وشواطئها، أو بأدنى حدّ بسلام عادل وشامل.
 
مجموعة تلك الذنوب استجمعوها ودولبوها وصنّعوها ومن ثمّ سكبوها في قالب واحد ثم وجههوها كألغام متفجرة، وانطلقوا بعمليّة تحريضيّة ثمّ وظّفوا مجموعة من الجيوش الإلكترونيّة، لتأليب الرأي العام ضدّك بصورة شخصيّة وضد عهدك، استعملوا فيها كلّ الأسلحة الممكنة والموجودة في حوزتهم. فصدقهم بعض ضعاف النفوس والفارغين من الفكر التقييميّ، وبعض ممن ظننت أنهم منا ومعنا دخلوا في أفلاكهم وساروا في دروبهم فضلّوا، على رجاء أن يقذف الله في صدورهم نورًا ينقذهم من الضلال، كما كتب الإمام الغزّالي في مؤلَّفه "المنقذ من الضلال".
 
حمّلوك مسؤوليّة التدحرج الاقتصاديّ والماليّ وبلوغ لبنان نحو هذا المنحدر، ضمن هدف واحد ووحيد، وهو أن تقف بمواجهة مع حزب الله، أو أنّ عهدك سيسقط بأطروحات فتنويّة كاستقالة الحكومة واستقالة النواب من المجلس النيابيّ.، والاتجاه نحو تجويف مؤسسات الدولة من هويتها فضلاً عن الحلول وترسيخ مفهوم التدويل في كلّ شيء وكأننا أمام عمليّة استلاب واسترهان ووصاية جديدة، وهذه كلّها جاءت قبل انفجار بيروت ضمن مفهوم الحياد. وصاحب الحياد الذي اعتبر أحد الأحزاب الأساسيّة ميليشيا تحت مقولة الحياد، وبعد الانفجار الرهيب في بيروت، كيف يفسّر وجود البوارج الإنكليزيّة والفرنسيّة والأميركيّة قبالة شواطئنا؟
 
فخامة الرئيس،
كلّ هذا التراكم الكميّ الكبير، والذي تمّ تحت ستار الثورة ومن ثمّ العصيان والتأليب، وإغلاق الطرقات، له هدف واحد إسقاط العهد، وإسقاط النظام والبلد مع إسقاط العهد والبلوغ نحو نظام جديد بل لبنان جديد على مقاسهم، وتحت رعاية مشغّليهم. يؤكّد بعض الخبراء في علم السياسة، بأنّ التراكم الكميّ إذا تلاقح مع ما هو نوعيّ-سلبيّ من شأنه، تاليًا، أن يقود إلى انفجار كبير في مكان ما. ثمّة استنتاج واضح يا سيدي بأنّ انفجار بيروت هو الحدّ الفاصل بي ما كان وما يمكن أن يكون. واستنتاج آخر بأن نوعيّة التراكم أدّت إلى نوعية الانفجار الرهيب، وغالب الظنّ بأنّ الإهمال والفساد والإرهاب من فصيلة واحدة، وما حصل في مرفأ بيروت رسّخ ترابط الأفعال الثلاث بمفهوم واحد وجوهر واحد عنوانه الإطاحة بالعهد-الإطاحة بالبلد. وقد كان لي مقال على هذا الموقع، فسّرت من وجهة نظري الإمكانية الجوهريّة بأنّ هذا الانفجار ناتج عن عمليّة إرهابيّة أميركيّة-إسرائيليّة. حجتي في ذلك، ثلاث تساؤلات: لماذا أسرع الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون بزيارة لبنان بعد الحادث وما معنى الانكباب الدوليّ عليه وما معنى استخدام بوارج حربيّة ورسوّها أمام شواطئنا؟
 
وفور الانفجار، تكوّمت الأفاعي والثعابين تزعف وتفحّ وتنفث سمومها، وتكشف عن أنيابها، ثمّ انضم الضباع حولها لينهشوا لحم لبنان من خلال لحم عهدك، وبدأوا يحملونك مسؤولية الإهمال بل مسؤولية الانفجار، ونحن نعلم أنهم يستهلكون ويستغلّون دم الشهداء بتوظيف شديد ضدّك يا فخامة الرئيس وضد الحكومة برئاسة "الآدمي" حسّان دياب، الذي لم يقوَ على الصمود فقدّم استقالته، فيما أنت لا تزال صامدًا وراسخًا كالسنديان الشامخ، نقيّ الضمير، نظيف الكفّ، ثابتًا بمواقفك، وفيًّا بالتزاماتك، ناصع المحيا، مرفوع الهامة وشامخ القامة. من له ضمير حيّ عليه أن يقف ويقول الحقّ، ويخرس الألسنة الغاشّة المتكلّمة على الصّديق بالإثم والكبرياء.
 
ولكونهم أبناء الإثم آن الوقت يا سيدي الرئيس، لترفع يدك بكبر وعنفوان، وأنت القائل أنا العماد ميشال عون في الحرب والسلم، وتحمّل المسؤوليّة كلّ المتآمرين على لبنان بالأسماء وتضعهم أمام مسؤولياتهم وإثمهم من سياسيين ومصرفيين ورؤساء أحزاب ومجموعات نخبويّة وإعلاميّة، بدأت تتكوكب وتدعو للفدرالية وتضغط من الزاوية المسيحيّة لكي تسقط وأنت كما أنت لن تسقط. لن ينجو لبنان سوى بالحقّ، وأنت بالذات صاحب الحقّ. لقد آن الوقت لكشف قبحهم وإخراسهم بهذا الحقّ عينًا. لا يعني هذا أن تقف بوجه حريّة التعبير والحقّ في المعارضة، فهو حقّ مقدّس وقد قلت لنا غير مرّة بأنه حق مضمون للجميع. لكن، لسنا مع القذارات والقذرين والفاسدين والمجرمين والحقيرين، الذين سفكوا الدماء وسلبوا منا هناء الحياة فتآلفوا على سلب الدولة وتحويلها إلى مزرعة... آن الوقت يا فخامة الرئيس لاتهامهم بآثامهم. خسئ كلّ من يتهمك، خسئوا جميعهم، فأنت من بتهم ولست من تتهم... فشروا.
 
من أجل بيروت الجريحة والمرمّدة يا فخامة الرئيس، من اجل دماء الشهداء، من أجل الحقّ الذبيح على أجمل شاطئ في المتوسط، من أجل الحبيب، من أجلنا جميعًا ألا انهض... فقد"سقط القناع عن القناع/ سقط القناع/ قد أخسر الدنيا/ نعم لكني أقول الآن لا/ هي آخر الطلقات لا..."
 فخامة الرئيس، حاصر حصارك بالجنون وبالجنون ذهب الذين تحبهم، فإما أن تكون أو لا تكون"... تلك هي فلسفتنا الآن بوجه الحرب الوجوديّة علينا، فإمّا أن نكون أو لا نكون كما قال شكسبير في مسرحيته الشهيرة هاملت، وقدرنا أن نواجههم ونحاصر حصارهم وأن نكون معك من أجل لبنان وأنت صخرته العنيدة والصلبة بالحقّ إلى آخر لحظة من عهدك، لا تتكلل سوى بنور الله، ومن مثل الله؟ ألا كان الله معك ومع لبنان الحبيب، والسلام.    
 


التيار الوطني الحر



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top