يسود الساحة السياسية في لبنان هدوءً حذرا، بعد ″عاصفة″ إعتذار الدكتور مصطفى أديب، و″إعصار″ الرئيس الفرنسي الذي ضرب القوى السياسية التي تعيش حالة إرباك غير مسبوقة، معطوفة على شيء من إنعدام الوزن بفعل عدم قدرتها على تحديد خياراتها أمام الأزمة السياسية المستعصية والمرتبطة بشكل وثيق بصراعات المنطقة.
لا يختلف إثنان على إنسداد الأفق السياسي بشكل كامل، فالجزء الاول من مبادرة ماكرون فشل، والرئيس المعتذر أنهى مهمته بمغادرته لبنان عائدا الى برلين، والجزء الثاني من المبادرة إنطلق على وقع التأنيب والتهديد من دون أن يتبدل المشهد الذي كان قائما لدى معظم الكتل النيابية، وفي ظل إمتعاض عبرت عنه وسائل إعلامية محسوبة على جهات معينة.
وأدى ذلك الى التذكير بما سبق وقام به رئيس الجمهورية ميشال عون من مصارحة اللبنانيين بأن “فشل المبادرة الفرنسية سيأخذنا الى جهنم”، وتُرجم بجنون إضافي في سعر الدولار، وبإنهيار أعمق للاقتصاد، وبتمدد أوسع للبطالة والفقر والجوع، وبأزمات أكبر في الكهرباء والمحروقات، إضافة الى تدحرج الوضع الأمني نحو الأسوا، بدءا من الاشكالات اليومية التي بات فيها السلاح لغة التخاطب الوحيدة، مرورا بالسرقات والسطو المسلح، وصولا الى الارهاب الذي عاد الى الواجهة ليضاعف من حجم التحديات المفروضة على الأجهزة اللبنانية لا سيما الجيش اللبناني وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
أمام هذا الواقع الغامض، أعطى الرئيس الفرنسي مهلة جديدة قوامها ستة أسابيع لتشكيل الحكومة والبدء بالاصلاحات من دون أن يشفي غليل أي من القوى السياسية بتحديد مواصفات معينة لتكن موضع نقاش بين معارضة وموالاة، بل دعا هذه القوى الى تدبر أمورها والاسراع في تنفيذ بنود المبادرة التي يبدو أنها ما تزال على حالها، في وقت لم يتبدل شيئا من المواقف وخصوصا لدى “الثنائي الشيعي” الذي يتمسك بالحصول على وزارة المالية وعلى تسمية الوزراء الشيعة.
كل ذلك جعل الساحة السياسية عطشى لأي مبادرة محلية أو أي حل داخلي يُنزل الجميع عن شجرة المواقف التصعيدية، فكان طرح الرئيس نجيب ميقاتي في مقابلته مع “الجديد” بتشكيل حكومة عشرينية “تكنوسياسية” برئيس وخمسة وزراء سياسيين و14 وزيرا إختصاصيا تكون قادرة على الانقاذ والقيام بالاصلاحات المطلوبة وإستعادة ثقة المجتمع الدولي.
لا شك في أن مبادرة ميقاتي أحدثت خرقا في جدار الأزمة، وترجمت حيويته السياسية المتنامية، فسارع البعض الى تلقفها إنطلاقا من كونها قابلة للنقاش والبحث، في حين ما يزال البعض الآخر يعمل على دراستها بتأن تمهيدا لاتخاذ الموقف المناسب منها.
في غضون ذلك، تقول مصادر سياسية مطلعة: “يبدو أن مبادرة ميقاتي جاءت إستكمالا لمبادرة ماكرون، وهو ربما قال ما لم يقله ماكرون الذي لم يكن قادرا على التراجع عن بنود مبادرته بعد فشل الجزء الأول منها، لكنه طلب من القوى السياسية أن تفتش عن الحل.
وترى المصادر نفسها أن ما لم يعطه “الثنائي الشيعي” للدكتور مصطفى أديب ضمن الجزء الأول من المبادرة الفرنسية، لن يعطيه لأي رئيس مكلف ضمن الجزء الثاني منها، خصوصا أن الأجواء المحلية وكذلك الاقليمية ما تزال على حالها، ما يتطلب توافقا على قاسم مشترك يضع القوى السياسية على طاولة مجلس الوزراء كممثلين لها، ويترك أمر إدارة البلد الى الوزراء الاختصاصيين.
وتسأل هذه المصادر: هل تكون مبادرة الرئيس نجيب ميقاتي مقدمة الحل لاخراج لبنان من أزمته؟.