تبدو الخلافات المسيحية ـ المسيحية حول الاستحقاق الرئاسي عصية علىالصرح البطريركي في بكركي وسيده البطريرك بشارة الراعي الذي تم تكليفه من قبل رؤساء الطوائف المسيحية بدعوة النواب الذين ينتمون إليها وحثهم على إنتخاب رئيس للجمهورية، في وقت لا يُخفي فيه رأس الكنيسة المارونية تخوفه من تمدد الفراغ في المواقع العائدة للطائفة في ظل الشغور الرئاسي وعدم إنتظام الحياة السياسية.
مع إعلان نيّة البطريرك الراعي دعوة النواب المسيحيين الى إجتماع عام، بدأت التكتلات النيابية المعنية بدرس خياراتها وإجراء حسابات الربح والخسارة التي يمكن أن تنتج منه، خصوصا أن لكل من هذه التكتلات أجندة مختلفة وتطلعات قد لا تتناسب مع الطروحات البطريركية، في ظل الطموحات التي يسعى كل تكتل الى تحقيقها.
تدرك التيارات المسيحية أنها غير قادرة على رفض أو مقاطعة دعوة البطريرك الراعي للحوار، لذلك تتجه الى وضع العصي في الدواليب، تحت شعار: “تحقيق عوامل النجاح” وهو ما يتعارض مع مبدأ الحوار الذي يكون بين مختلفين، ولا يمكن لأي كان أن يتحدث عن نجاح أي حوار قبل حصوله، الأمر الذي أظهر بأن هناك من يسعى الى فرض شروط معينة على بكركي تحت عنوان “الآليات“، لكي تصب نتائج الحوار في مصلحته، سواء من قبل كتلة القوات اللبنانية التي زارت الراعي أمس، أو حزب الكتائب، أو التيار الوطني الحر الذي يرفض كل مرشح تطرحه القوات التي بدورها ترفض حتى التواصل مع رئيس التيار جبران باسيل.
تشير المعطيات الى أن الأزمة المسيحية متشعبة جدا، حيث تسير التكتلات النيابية المعنية ضمن خطوط متوازية لا يمكن أن تلتقي، مع تمسك كل منها بأجندة سياسية تحاول تنفيذها بشتى الطرق ما يوقعها في تناقضات واضحة تضعف موقفها وتظهر عجزه عن إبتكار أية حلول يمكن أن تبصر النور.
يبدو التخبط سيد الموقف ضمن حزب القوات اللبنانية الذي يتحدث رئيسه سمير جعجع الشيء ونقيضه في فترات متقاربة جدا، ففي الوقت الذي يؤكد فيه التمسك بترشيح النائب ميشال معوض يعلن أن لا مشكلة في دعم مرشحين آخرين، وفي الوقت نفسه يتهم بعض التيارات السياسية بالتعطيل، ثم يعلن بأنه سوف يعطل عملية الانتخاب كي لا يصل رئيس من الفريق الآخر، كما سبق لجعجع أن جزم بأن القوات لا يمكن أن تعطل الاستحقاق الرئاسي في حال تمكن الفريق الآخر من جمع 65 صوتا لمرشحه، ثم تراجع عن ذلك مؤكدا عدم القبول به.
والأمر نفسه ينسحب على حزب الكتائب الذي يعيش حالة من الشعبوية غير المسبوقة إستجداءً لمزيد من الشعبية، ففي الوقت الذي وصف فيه رئيسه سامي الجميل من يعطل جلسة إنتخاب الرئيس بـ”المجرم”، أعلن في مؤتمره أنه سيعطل الانتخابات، واللافت أنه ما يزال يعول على إجتماع المعارضة بكامل مكوناتها تحت جناح الكتائب، في محاولة لسحب البساط من تحت أقدام حزب القوات الذي يدرك المخطط الكتائبي جيدا، ما يجعل الصراع ضمن التوجه الواحد، فيما مجموعات المعارضة تغرد في مكان آخر.
أما بالنسبة للنائب جبران باسيل، فهو لا يزال يرفض أي نقاش أو فكرة أو حل لا يفضي الى تسميته رئيسا للجمهورية، أو يمنحه القدرة على تسمية رئيس يكون ظله وقادرا على التحكم به كما كان في العهد السابق، وإذا كان باسيل يمارس أنانية واضحة في التعاطي مع الحلفاء ويحول دون وصول مرشح من الفريق الذي ينتمي إليه، فإنه لا يمكن أن يصل الى قواسم مشتركة مع القوات والكتائب، سواء في طرح الأسماء أو في إمكانية التواصل معهما كونهما يرفضان التعاطي أو الحوار معه.
أمام هذا الواقع، يبدو أن البطريرك الراعي يصرخ في واد سحيق لا يجد فيه سوى الصدى، ما يشير الى أن الحوار المسيحي في بكركي قد يكون إنتهى قبل أن يبدأ.