خُلِطَت الاوراق في المنطقة وأصبحنا
امام مشهد يطرح الكثير من التساؤلات التي يصعب الإجابة عنها بعد ما فاجأت السعودية
وإيران العالم بتوقيع اتفاقيه بينهما بمباركة صينية.
لذلك
كان لا بد من سرد جميع الوقائع في المنطقة التي واكبت هذا الحدث للإجابة على تساؤلات
حول مدى جدّية وخلفيات هذا الاتفاق وانعكاساته على العالم.
اولا
بدأت القصة من المساعدات الإيرانية لروسية في حربها على اوكرانيا بتزويدها طائرات
مسيرة بخسة الثمن لا يتعدى سعرها ال 20 ألف دولار وهي مسيرات شاهد والتي استطاعت ان
تدمر البنية التحتية لأوكرانيا، الا انها لم تلعب اي دور يُذكر على ساحة المعركة
العسكرية.
بالمقابل
وبحسب AL-MONITOR قامت روسيا ببناء مصنع مسيرات "شاهد"
على اراضيها بمساعدة خبراء ايرانيين، وقد إشترك هؤلاء الخبراء في ساحة
المعركة في أوكرانيا لتوجيه هذه المسيرات كما تواجدوا ايضا في القرم.
كما
قامت روسيا بتزويد إيران بطائرات سوخوي S35
التي كان مزمع بيعها لمصر، الا ان الصفقة مع مصر الغيت تحت الضغط الامريكي، وقد
قامت إيران ببناء مطار داخل الجبل مقابل مضيق هرمز لاستقبال طائرات السوخوي وغلق
المضيق عند الحاجة، اضافة الى منظومة صواريخ 400S
وقطع بحرية روسية متطورة جدا ونقل الصناعة العسكرية المتطورة الى داخل إيران، ما
يجعل إيران على درجة عالية من الخطورة لا بل أخطر من امتلاكها السلاح النووي.
كما
تم العثور من قبل مفتشي وكالة الطاقة الذرية على جزيئيات يورانيوم مخصب بنسبة 84%
اي اقل بقليل من التخصيب العسكري 90% مما أغضب جداً الدول الأوروبية فرنسا ألمانيا
وانكلترا ودفع الوكالة إلى الإعلان عن اجتماع مزمع عقده لدراسة الخطوات التي من
الممكن ان تكون تحويل الملف الى مجلس الامن وبالتالي احتمال توجيه
ضربة عسكرية لإيران.
وقد
استسلمت إيران بشكل مفاجئ لوكالة الطاقة الذرية وفتحت منشاتها امام الوكالة
للتفتيش كما وافقت على وضع كاميرات مراقبة اينما شاءت الوكالة، نافية وصولها
الى درجة تخصيب 84%، الا ان NOUR News المقربة من النظام
الايراني اكدت ان إيران تمتلك فعلا يورانيوم مخصب بنسبة 84%.
أضف
الى ذلك الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران بالمسيرات والتي استهدفت عشر
مواقع إيرانية من بينها مصنع للصواريخ البالستية،
والهجمات السيبيرانية على إيران، والضربات على سوريا التي استهدفت
مسؤول رفيع في الحرس الثوري الايراني.
وقد
هددت اسرائيل بضرب إيران بشكل منفرد، وقد ردت إيران باغتيال ضابطين
اسرائيليين وضرب ناقلة نفط في بحر عمان يملكها رجل اعمال اسرائيلي.
اضافة
الى العمل على قيام حلف عربي اسرائيلي لمواجهة إيران وقدوم وفد امريكي رفيع للخليج
لدراسة قيام منظومه دفاع جوي لمواجهة الخطر الإيراني وقيام امريكا واسرائيل
بمناورات في النقب تحاكي ضرب إيران، كما كشفت The
Intercept عن خطة طوارئ أمريكية في ال 2018 لضرب إيران
وقد صُرِف على هذه الخطة من الميزانية الأمريكية، ما يؤكد جدّيه هذه الخطة.
كما
قام رئيس الاركان الامريكي ومن بعده وزير الدفاع بزيارة الى مصر والاردن واسرائيل
للتنسيق والوقوف في وجه التهديدات الإيرانية.
كما
قامت السعودية وامريكا بعد الاتفاق الإيراني-السعودي بمناورات الرمال الحمراء
لتدريب السعودية على أحدث منظومة دفاع جوية لم يتم استخدامها من قبل في الشرق
الاوسط وهي على درجة عالية من الكفاءة والدقة، قادرة على التقاط احداثيات كل انواع
المسيرات.
كما
كشفت صحيفة Times of Israel
قيام مناورات ضخمة في امريكا مع اسرائيل على مدى اسبوعين تخلله تدريب واقعي
على القتال الجوي بأحدث الطائرات وناقلات الوقود ما يعني ان المستهدف هي إيران.
الدهاء
الروسي
لا شك ان المسيرات الإيرانية لم تؤثر ابدا على
سير العمليات العسكرية في اوكرانيا انما قامت فقط بإيذاء المواطنين الإوكران
بتدمير بنيتهم التحتية بكلفه بخسه.
فهل
تكافأ إيران
بنقل كل هذه التكنولوجيا العسكرية المتطورة اليها إضافة الى
نقل كل الأسلحة المتطورة التي تقع في يد روسيا في الساحة الأوكرانية من صواريخ
جافلين المضادة للدروع وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات وغيرها من اجل تطبيق الهندسة
العكسية عليها وتصنيع مثيل لها في إيران؟!
فهل
تستحق إيران مقابل هذه المسيرات ان تُنقل اليها السوخوي
S35 ومنظومه
اس 400 والقطع البحرية المتطورة وربما تخصيب اليورانيوم الذي لامس 90% ؟!
ألم
تفكّر روسيا ان إيران كانت وممكن ان تصبح منافسا لها في سوريا وربما في ساحات اخرى
مع كل هذه التكنولوجيا العسكرية الخطيرة؟!
الحقيقة ان روسيا تعلم تماما ما يمكن
ان ينتج عن تزويد ايران بهذه التكنولوجيا الخطيرة، الا ان الهدف الاساسي والعميق من هذا
كله كان جَرّ امريكا واسرائيل والخليج الى ضرب قوة ايران المتعاظمة، وبالتالي هي تدرك تماما ان ايران وأذرعها سوف ترد
بتفجير المنطقة كاملة و إغلاق باب المندب بمساعدة الحوثيين ومضيق هرمز و ضرب اسرائيل
عبر حزب الله، وكانت قد هددت مصر سابقا بإغلاق قناة السويس بواسطة المسيرات ، بما ان مصر تقود حاليا القوه المشتركة لأمن البحر
الاحمر، حيث تم ضبط الكثير من الأسلحة
المهربة للحوثيين من ايران، وقد قررت امريكا ان تحوّل كل ما يتم
ضبطه من اسلحه للحوثيين الى اوكرانيا.
كل ذلك خطّطت له روسيا عن سابق اصرار
وتصميم لأنها سوف تكون الرابح الاكبر من هذه الحرب التي سوف تصرف النظر عن الحرب
الأوكرانية وتوجّه الأنظار نحو الخليج وإغلاق الممرات التجارية وبالتالي انعكاسها
على روسيا تدفق دولارات بكميات ضخمه واسعار نفط خيالية، اما المتضرر الاكبر فهي امريكا
والصين من إغلاق هذه الممرات.
إذاً حُشِر الجميع، من امريكا والصين واسرائيل والخليج امام هذا
السيناريو الروسي، نقل المعركة من اوكرانيا الى الخليج وإغلاق الممرات التجارية، او الوقوف عاجزين امام تنامي إيران العسكري
والنووي الغير المسبوق.
البدائل
عن ضرب إيران من الخليج
يوجد
في إيران حوالي 12 عرقية، أبرزها
الفارسية يأتي بعدها الآذرية ومن ثم الكردية والبلوش وغيرهم.
العرقية الآذرية:
ثاني
اكبر عرقيه في ايران ، تتمركز في الشمال الايراني في اقليمي
اذربيجان الشرقية واذربيجان الغربية و يفصلهما نهر اوراس عن دوله أذربيجان ، وقد
زار سابقا الرئيس اردوغان الرئيس الهام علييف داعيا الى توحيد شعوب أوراس، كما
ان العرقية الآذرية هي من الترك وينتمون الى منظمة العالم التركي وقد ساعدهم
اردوغان في حربهم ضد الارمن المدعومون من ايران بالرغم من ان الاذار هم شيعة
والارمن هم مسيحيون، الا ان العرقية في هذه المنطقة تغلب
على الطائفية، كما يوجد في اذربيجان العديد من
الجمعيات والمنظمات التي تطالب بأنشاء اذربيجان الكبرى وعوده الشتات الاذاري ، وهناك
الكثير من الاغاني الفلكلورية التي تدعو الى الانضمام الى اذربيجان الكبرى.
العرقية
الكردية: تشكل 10% من سكان إيران ولها
امتداد في سوريا العراق وتركيا، يُذكر
ان مهسا اميني التي أشعل مقتلها المظاهرات في إيران هي كردية،
وقد دخلت تركيا شمال العراق بتفويض من الحكومة العراقية وسابقا من صدام حسين لمواجهة
حزب العمال الكردستاني بالتنسيق مع الحزب الديمقراطي الكردي في كردستان العراق.
ووفقا لمعهد كارنيغي للدراسات فان حزب العمال الكردستاني له علاقات متنامية
مع إيران منذ 2011 الى يومنا هذا، كما تُعقَد صفقات بين إيران وحزب العمال
الكردستاني مضمونها ايقاف الجناح المسلح للحزب الديمقراطي الكردي.
يُذكر
ان الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران اتت من الداخل الايراني من ناحية
الاقليم الكردي الايراني ومن اقليم اذربيجان الشرقية والغربية داخل إيران بدعم إسرائيلي
بالتعاون مع أذربيجان والحزب الديمقراطي الكردي الحاكم في
اربيل والمدعوم من تركيا وإسرائيل.
إذاً
يمكن ان تكون اسرائيل وتركيا هما الداعم الاكبر لكلا العرقيتين الآذرية والكردية الموالية
للغرب وللحزب الديمقراطي الكردي.
ممنوع ضرب إيران من الجنوب
بحسب دراسة اجراها معهد BROOKINGS العريق والذي انشئ في 1916 انه من
الخطأ الجسيم ضرب إيران من الخليج او حتى بالتنسيق مع الخليج، اذ انه سيؤدي الى شلّ حركة الشحن في الخليج، ما سيكون له تداعيات كارثيّة على الصين وامريكا وربما المستفيد
الوحيد هو روسيا، إذ ان إيران ممكن ان تضرب منشئات النفط السعودي من اليمن او حتى
من البر الرئيسي الايراني ما سينعكس اسعار خيالية للنفط يزيد من ارباح روسيا بشكل
هستيري.
اذن لا بد من ان تكون الضربة من
الشمال الإيراني، اي من اذربيجان وكردستان بالتنسيق مع
تركيا لكن بعد اصلاح العلاقات بين الخليج وإيران لئلا تُنَفّس إيران عن غضبها في
هذه المنطقة الحساسة من العالم، اما إذا ما تم ضرب اذربيجان او كردستان العراق فلن
يكون له اي تأثير على العالم لعدم وجود اهميه لأذربيجان أو كردستان على الصناعة
العالمية او حركه النفط العالمية. اي
ان قيام علاقات سياسية واقتصاديه بين الخليج وإيران سوف يسحب من إيران اهم ورقه
تملكها وهي العداء للخليج وضرب منشئات النفط وإغلاق المضائق البحرية.
هل
وقعت إيران في الفخ؟
لا
يمكن الجزم ان هذا ما خُطّْط له من قبل امريكا واسرائيل، الا
انه هناك الكثير من المعطيات تدعم هذه النظرية، اذ
ان الهجمات الأخيرة الإسرائيلية قد انطلقت من الاقاليم الاذارية والكردية، كما ان
الدعم المبالغ فيه من السعودية للرئيس اردوغان من استثمارات ب 12 مليار دولار وودائع
ب 5 مليار دولار وتزامن زيارة الرئيس السيسي الى اذربيجان مع حادثه الاعتداء على السفارة
الآذرية في إيران بالرغم من ان التبادل التجاري بين اذربيجان ومصر شبه معدوم لا
يتعدى ال 4 ملايين دولار في السنة، كلها تدعم أيضا هذا السيناريو.
وقد
كشفت صحيفة HAARETZ الصهيونية ان اذربيجان
وافقت على ضرب إيران من اراضيها ومكّنت اسرائيل من الوجود وتمركز مقاتلاتها في
مطار قريب جدا من الحدود الإيرانية، وان أكثر من 92 رحلة جوية
بين تل ابيب واذربيجان تضمّنت تدفّق الأسلحة الإسرائيلية الى هذا المطار القريب من
المفاعلات النووية الإيرانية المهمة، مثل مفاعل Natanz،
الموجودة داخل الجبال وخلف التضاريس الجبلية الغربية لإيران
والتي تشكل حاجز طبيعي بوجه غزو بري من جانب الشرق الاوسط او الخليج ، واما
الشمال فهو غير محصّن بالتضاريس الجبلية.
كما
ان هناك علاقات مميزة بين روسيا واذربيجان، ما يخفّف من رد فعل إيران تجاه
اذربيجان المحمية ايضا من امريكا والناتو.
الا ان سفير اذربيجان في تل ابيب صرّح ان اذربيجان لن تسمح لإسرائيل باستخدام
اذربيجان قاعده للتزود بالوقود في اي هجوم تنفذه ضد إيران، الا ان WALL
STREET JOURNAL كشفت عن مناورات ضخمة أمريكية إسرائيلية
تحاكي ضرب إيران مع طائرات التزويد بالوقود استمرت لمده اسبوعين في امريكا بعد
الاعلان عن الاتفاق السعودي الايراني.
النظرية
الطوباوية للاتفاق
اما
إذا أردنا ان نكون طوباويين في نظرتنا للأمور،
واستطعنا ان نُقنِع أنفسنا ان إيران سوف تستغني عن كل ما بنته في العقود الماضية
وتضع جانبا كل معاناتها وتحمّلها الحصار والجوع والاضطهاد من المجتمع الدولي في
سبيل الوصول الى صنع القنبلة النووية، ودعمها الجماعات الشيعية التي تقع الثروات النفطية
في الخليج ضمن حدودها، وهو ما يعتبر من أكبر المخاوف لدى السعودية من ان تقوم هذه
الجماعات بالانشقاق عن السعودية والتحاقها بإيران، والغاء إيران الحدود بين إيران،
العراق، سوريا ولبنان ،
وحمل راية فلسطين لما تدرّ عليها من ارباح قادرة من خلالها ترويض شعوبها وشعوب المنطقة
في سبيل إعادة امجاد الإمبراطورية الفارسية، وحفر
مطارات داخل الجبال وانشاء مفاعلات نووية تحت الارض ب 80 متر وفوقها جبال شاهقة
تحميها منظومات اس 300 واس 400.
إذا
اقتنعنا بكل ذلك فان الدوافع لهذا الاتفاق ممكن ان تكون ان ايران وجدت نفسها محاصرة
من المجتمع الدولي بعد كشف نسبة التخصيب ال 84% وتزايد المظاهرات والشغب التي
تغطيها السعودية من خلال محطة ايران انترناشيونال والضربات الإسرائيلية من الشمال
اضافة الى الاغراءات الصينية التي قدمتها الصين لإيران وابرزها طريق الحرير الذي
تلعب فيه ايران دورا مركزيا ، والذي سوف يدر على الدول المشاركة
البالغ عددها 65 دولة ما يعادل 2.5 تريليون
دولار سنويا، وضم الصين لإيران والسعودية لمنظمة
البريكس للوقوف في وجه مجموعة ال جي 7
التي تضم اكبر سبعة اقتصاديات في العالم
، الا ان نجاح طريق الحرير يعتمد اولا
واخيرا على الامن في هذه الدول وابرزها ايران والخليج.
اما
إذا كانت إيران غير صادقه في التخلي عما بنته سابقاً فهذا يعني انها وجدت في هذا
الاتفاق فرصة لالتقاط انفاسها واصلاح ما تصدّع من العلاقة مع وكالة الطاقة الذرية،
ووقف السعودية لدعم التظاهرات وبالتالي اخمادها ومحاكمة مسببي الشغب وبالتالي عدم
امكانيه قيام هذه التظاهرات مستقبلا، ومن ثم تعود
الى سياساتها السابقة.
من الناحية الاخرى فان السعودية قد
ارهقتها حرب اليمن وتريد ايقافها والتفرغ لبناء اقتصاديات ضخمة غير ممكنة في
بيئة غير امنة، إضافة إلى دخول الصين على خط المبادرة
وضمانها إيران وتحمل مسؤوليات تطبيق الاتفاق، وتبادل تجاري مع الصين يفوق 88
مليار دولار سنويا، واستعداد الصين لتزويد السعودية
بالنووي مع تقنياته وتقنيات صناعة الأسلحة كافة، وبناء مصانع للصواريخ البالستية
داخل السعودية، ودور السعودية الرئيسي في طريق الحرير
كونها تطل على الخليج والبحر الاحمر.
إلا
أن هناك امكانية ضئيلة جدا تقوم على ان السعودية
تستغل هذا الاتفاق لابتزاز أمريكا، مع العلم ان ابتزاز امريكا هو مهمة
شبه مستحيلة والمغامر فيها يدفع ثمنا باهظا جدا، إذ
انه كما سربت صحيفة WALL STREET JOURNAL ان
السعودية وضعت شروط شبه تعجيزية لتطبيع العلاقات رسميا مع اسرائيل ، وأبرزها
شرطين من أصل 12 شرط وهما: برنامج نووي سعودي سلمي متطور يجنح الى عسكري بسهولة في
المستقبل تديره أمريكا، اما الشرط الثاني فهو ضمانات امنيه مكتوبة ومصدقة من
الكونجرس بالتزام عسكري واضح للدفاع عن السعودية شبيه بدول الناتو،
وتزويد السعودية بأحدث التكنولوجيا العسكرية،
وهو ما يعتبر مستحيلا امريكيا خاصة ان النواب الديمقراطيين وصفوا السعودية بانها
تسيء الادب لأمريكا.
يبقى السبب الابرز من هذا الاتفاق
بالنسبة للخليج هو حماية الخليج من اي رد فعل ايراني في حال تم ضرب إيران
من الشمال، وبالتالي قام الخليج برضى امريكي في
توقيع هذا الاتفاق لسحب اهم ورقه من يد إيران وهو العداء للخليج ومنعها من ضرب حركة التجارة العالمية ، وهو ما صرحت به الامارات منذ زمن على لسان قرقاش في
15 يوليو 2022 انه لن يتم ضرب إيران من الخليج، واعلنت عن نيتها اعاده العلاقات
الدبلوماسية مع إيران وتمتين العلاقات الإيرانية الخليجية على كافة الصعد.
هل كان السيد نصر الله يعلم بالاتفاق؟
اما امريكا فالتاريخ يثبت انه من غير
الممكن ابتزازها او الخروج عن طاعتها بدون عقاب موجع ومدمّر خاصة أنها اللاعب
الأكبر في الشرق الاوسط بفضل نفوذها السياسي وقواعدها العسكرية في البحرين، قطر، الكويت، الامارات، قبرص، السعودية، والنووي الاسرائيلي. ما يطرح احتمالات عدة أبرزها ان امريكا تريد فعلا هذا الاتفاق لسحب ورقة العداء للخليج وضربه من يد إيران إذا ما تم ضرب إيران من الشمال.
الا ان المُضحِك المُبكي ان السيد حسن
نصر الله قد أطلق خطابا متفجِّرا في وقت وصلت فيه المحادثات السعودية الإيرانية
مرحلة متقدمة جدا من التفاهم وقرب الاعلان عن تبادل السفراء، هدّد من خلاله تفجير المنطقة
إذا ما استمر الخنق الاقتصادي الامريكي على لبنان.
فهل من الممكن ان السيد استغلّ هذا
الخنق لتوجيه رسالة الى الخليج وامريكا مفادها ان حزب الله سوف يُفجِّر المنطقة
إذا ما تم ضرب إيران من الشمال حتى لو كان هناك تفاهم سعودي ايراني قاطعا الطريق
على هذه الخطة؟! ما يؤكد أن السيد كان يعلم وهو في صلب القرار السياسي
الإيراني، ما يعني أن لبنان لن تُحلّ مشكلاته
في المدى المنظور.
ثمة احتمال اخر مفاده ان أمريكا
قد نفّذت فعلا انسحاب ناعم من الشرق الاوسط الى الشرق الاقصى كما ذكرنا
في كتاب "امريكا وروسيا القطب الواحد، إبداع في صناعة الأعداء والأصدقاء"، والذي
نُشر في ال 2020، مسلّمة مسؤولية هذا الشرق لروسيا
والتفرغ للشرق الاقصى. الا انه كما ذكرنا وقتها سوف تبقى هي المحرك
الرئيسي للمنطقة من وراء الستار في القضايا الكبرى، ومن أهداف هذا الانكفاء التسبّب بالشقاق بين روسيا والصين في تقسيم
الميراث الامريكي، إذ أنه ما من شيء قادر على تفجير
الخلاف بين الإخوة والأحبة أكثر من تقاسم الميراث.
كما ذكرنا في الكتاب أن أمريكا قادرة أن تجعل روسيا تتمتع بثروات هذا الشرق، وقادرة أيضاً أن تفجر هذا الشرق في وجهها من إعادة إحياء داعش وضرب خطوط الغاز الروسي إلى تركيا، وذلك بحسب السلوك الروسي في الحرب الأمريكية الصينية.
لن تهدأ أمريكا قبل نقل إيران لضِفَّتها
إذا
حللنا هذا الاتفاق كما هو بدون خلفيات وبدون نوايا خبيثة من الموقّعين، فهذا الاتفاق يكون
قد أفقد امريكا اهم ورقة ضغط على الصين في حال نشوب حرب،
الا وهي قطع امدادات النفط عن الصين، إذا ما نجحت امريكا في استمالة إيران لجهتها،
فكما أشرنا في مقالات سابقة أن امريكا لن تهدأ قبل
نقل إيران
لضفّتها، إذ أن النفط السعودي ليس بأهمية النفط الايراني، اذ ان امريكا تسيطر على
مضيق ملقا
الذي يُعتبر القصبة الهوائية للصين حيث يمر من خلاله النفط السعودي، اما
النفط الايراني فهو الأخطر إذ يمكن تهريبه برّيا عبر افغانستان وباكستان.
ولن تستطيع
أمريكا إيقافه وخنق الصين، لذلك قلنا ان أمريكا لن تهدا قبل نقل إيران للضفة الأمريكية.
يبقى ان ثقة امريكا العمياء بسياسة إيران التوسعية إذا صَحَّت، سوف تُحرِج الصين إحراجاً كبيرا يجعلها تسقط سقوط ذريعاً في اول امتحان لها، وإن الغد لناظره قريب ليثبت اي من هذه السيناريوهات هو الأصح.