2024- 04 - 26   |   بحث في الموقع  
logo أسلحة ومخدرات.. الجيش يوقف 4 أشخاص logo تدخلات الشرطة تشعل الجامعات الاميركية..وبلينكن يعتبرها من سمات الديموقراطية logo غزة:زخم جديد في المفاوضات..هل يحبطه نتنياهو؟ logo الأمم المتحدة تصدر تحديثا بشأن مشاركة موظفين بالأونروا في هجوم حماس logo "6 مليارات دولار"... أميركا تخطط لإنتاج أسلحة جديدة لأوكرانيا! logo "بحوزتهم كمية من الذخائر"... الجيش يوقف 4 أشخاص! logo “الحزب” يستهدف مواقع إسرائيليّة logo الجماعة الإسلاميّة تنعى اثنَين من عناصرها
"الصفّارة" لزبيدة فارسي… حرب منسية وجمال مستعاد
2023-03-26 09:57:03



1980، مدينة عبادان الإيرانية (في محافظة خوزستان جنوبَ غرب إيران على ضفاف نهر شطّ العرب). هناك يعيش أوميد البالغ من العمر 14 عاماً، وقد نبتت للتو أولى شعيرات شاربه. المراهق مفتون بمصارعة الديوك ولعب كرة القدم مع أصدقائه. في المنزل، يعتني بجدّه، وإلى جانبه، يوصل الطعام لكسب بعض المال الإضافي. لكنه يجد صعوبة في التخطيط لحياته، لأن الصواريخ والقنابل بدأت تتساقط على مدينته. لقد هاجم العراق جاره الخليجي وأعلنها حرباً مقدّسة. عبادان تحت الحصار.
بينما يتدافع كثيرون لمغادرة المدينة الساحلية المهمة، يصمّم أوميد على البقاء. لا يستطيع المشاركة في الحرب، لأنه ما زال صغيراً على حمل السلاح والقتل. لكن هناك طرقاً أخرى لجعل نفسه مفيداً. ففي الأخير، يجب على شخص ما أن يعتني بأهل المدينة. كما يتعيّن عليه العثور على شقيقه، الذي أُرسل لتوّه إلى الجبهة بعد بدء الهجوم العراقي بوقتٍ قصير. لكن الوضع يزداد سوءًا، ومعه تشتدّ الحاجة للبحث عن وسيلة لإجلاء الآخرين من المدينة المحاصرة...هكذا يبدأ فيلم "الصفَّارة" للمخرجة الإيرانية زبيدة فارسي، الذي عُرض للمرة الأولى في افتتاح قسم بانوراما ضمن فعاليات النسخة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي. والحقيقة أن فيلم الرسوم المتحركة المذهل هذا ينجز شيئاً يكاد يكون مستحيلاً: عرض صور جميلة للحرب على الشاشة. هناك لون برتقالي لامع عندما تنفجر رافعة زيتية، وهناك عيون أوميد الواسعة التي ترى مغامرةً في كل شيء من حوله، وهناك المسافة التي يخلقها انقشاع الضباب فتلتقط الكاميرا الصبي واقفاً أمام حقلٍ من الجثث يزداد اتساعاً.
اختارت زبيدة فارسي (1965) الأداة الأسلوبية للرسوم المتحرّكة بوعي شديد. وبهذه الطريقة، أمكنها تقديم ما يتجاوز مجرد إنجاز فيلم عن حرب منسية، وإنما رواية تختلف عن/ وتتحدّى السردية الرسمية عن الحرب العراقية الإيرانية، بشكل يمكن اعتباره فعل مقاومة فردي. والأجمل أنها تفعل ذلك بطريقة فنية دون صراخٍ أو ضجيج، كما هو الحال في صورٍ تظهر بالأبيض والأسود، تعلّق فيها على عملها؛ هناك أيضاً اغتراب ملموس بخصوص موضوع الحرب، يسمح لها في نفس الوقت بإظهار المزيد مما يحدث في حياة بطلها الصغير.
حين تتناول الأفلام المعاصرة الإيرانية الحياة في إيران، يتلخَّص الأمر عادةً في إظهار مدى تشدّد النظام وتسلّطه على معاش المواطنين. حتى قبل الاحتجاجات الأخيرة، التي قمعها النظام بوحشية، لم يكن هناك نقص في الأفلام التي تشير إلى العلل التي تعانيها البلاد. من ناحية أخرى، الحرب العراقية الإيرانية، التي أودت بحياة مليوني شخص بين عامي 1980 و1988، نادراً ما جرى تناولها سينمائياً. قبل بضع سنوات، أصبح فيلم "تحت الظلّ" (2016، باباك أنفاري) نجماً في المهرجانات السينمائية بقصّة حول أم وابنتها يطاردهما شرّ غامض في ثمانينيات القرن العشرين في طهران خلال ما عُرف بحرب المدن. جمعَ الفيلم بين أهوال تلك الأوقات وقصة رعب تشويقية بعناصر خارقة للطبيعة. "الصفّارة" أقرب إلى الواقع بالمقارنة مع فيلم أنفاري، ومن المحتمل أيضاً أن ينتقل بدوره من مهرجان سينمائي إلى آخر. على الأقل العمل يستحق ذلك.

في فيلمها، الذي كتب له السيناريو الروائي الإيراني جواد ظافري (المقيم، مثل المخرجة، في منفاه الفرنسي منذ أكثر من 30 عاماً)، تستعيد فارسي الأوضاع في مدينة عبادان المحاصرة وما يجب على أهلها اختباره من أجل الثَّبات والبقاء وسط أتون حرب مجانية وفوضوية. لم يكن من قبيل المصادفة أن هذه المدينة، من بين جميع الأماكن، اشتد القتال بين الجانبين في سبيل السيطرة عليها. وذلك نظراً لأهميتها الاستراتيجية، إذ تعتبر مركز صناعة النفط المحلية وتحتوى إحدى أكبر المصافي في العالم. كانت الخسارة كبيرة بالمقابل لو سقطت عبادان في أيدي العدو. إلا أن الفيلم يظهر القليل نسبياً من أعمال الحرب نفسها. بين الحين والآخر يمكن رؤية مثل هذه المَشاهد، وفي كل الأوقات يمكن للمتفرّجين الشعور بتأثيرات الحرب؛ عندما تغدو الحياة مشروطة ومصحوبة بأخطار مستمرة. في هذا الصدد، تذكّرنا الدراما المروية هنا بالفيلم الوثائقي الشهير "إلى سما" (2019، وعد الخطيب وإدوارد واتس)، وفيه نتابع يوميات مجموعة من السوريين الصامدين في حلب المحاصرة، في محاولتهم اجتراح طريقة ما للنجاة.
تماماً كما هو الحال في الفيلم السوري، يظلّ الفيلم الإيراني قريباً جداً من شخصياته. في العديد من مواضعه، لا يتعلّق الأمر بالحرب في المقام الأول، بل بالأشخاص المجتمعين معاً في هذا الوضع الاستثنائي. هناك مهندس يعيش مع قططه الصاخبة، أو حتى مغنية تستمتع بذكرياتها عن الأيام الماضية لدرجة أنها رفضت في البداية مغادرة منزلها. عندما يجتمع هذان الشخصان والعديد من الأشخاص الآخرين للانطلاق معاً، تتولَّد أوديسة حقيقية على عدة مراحل. أوميد، بدوره، يأخذ هذه التجربة لفهم المزيد عن نفسه وحياته. وبهذه الطريقة، يصطبغ العمل أيضاً بروح أفلام النضوج ومرحلة التكوين.
عبر تركيز دقيق على التفاصيل في سرد القصص وأسلوب الرسوم المتحركة البسيط، تصوِّر المخرجة اندلاع الحرب الدامية بين إيران والعراق من خلال صراع صبي واحد من أجل البقاء في مدينة محاصرة. على طول الطريق، يواجه بطلها العديد من الأشخاص الذين يجدون أنفسهم عند نقطة تحوّل في حياتهم بسبب الحرب والذين يتعيّن عليهم التخطيط لمستقبلهم من جديد. كل هذا يُغلّف ببراعة وأناقة في فيلم رسوم متحركة جذّاب ومؤثّر وفعّال. من الناحية الفنية، يظل "الصفّارة" بسيطاً إلى حد ما. لكن صوره وكادراته مشبعة بالأمزجة، ويُغذّي هذا الطابع التأثيري باستعمال الألوان. كما إنه يحافظ على مزيج من الواقعية ورسم صورة منمنمة لعالم أكثر جمالاً. هناك رعبٌ وشعرٌ يتجاوران، وفي خضم الرعب ثمة سعي كامن ودؤوب نحو إدراك الجمال.
إلى الآن، يعدّ هذا الإنتاج الأوروبي المشترك أحد أبرز الأحداث في العام 2023 في مجال الرسوم المتحركة، وإثباتاً إضافياً على أن هذا الوسيط مناسب تماماً لنقل محتوى معقّد ليس فقط للمتفرجين الصغار، وإنما أيضاً للبالغين (الذين يتوجّه هذا الفيلم إليهم في المقام الأول). وأن هناك قصصاً مختلفة جداً يمكن روايتها عن إيران.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top