“ليست قصّة رمّانة بل قصّة قلوب ملآنة”. على هذا النّحو وباختصار شديد يمكن تلخيص التداعيات التي تركتها أزمة توقيت السّاعة، بإبقائها وفق التوقيت الشّتوي إلى نهاية شهر رمضان، أو العمل بالتوقيت الصيفي منتصف ليل السبت ـ الأحد (25 و26 آذار الجاري) كما كان مقرّراً سابقاً قبل إدخال تعديل إستثنائي عليه.
إنّما بعيداً عن السّجال السّياسي والطّائفي المقيت الذي دار حول أزمة التوقيت، فقد كشفت هذه الأزمة عن أكثر من عطب بنيوي في عقول وأفكار أهل السّلطة والشّعب معاً، أبرزها يتمثل في ما يلي:
أولاً: أين كانت هذه الحميّة والإندفاع لدى الفريقين، سواء المؤيّد لإبقاء العمل بالتوقيت الشّتوي حتى نهاية شهر رمضان أو المطالب ببدء العمل به فوراً من الأزمات والملفات التي تسبّبت بانهيار البلاد وإفلاسها، وتهاوي سعر صرف الليرة اللبنانية أمام العملات الأجنبية ما أفقدها قيمتها الشّرائية.
ثانياً: لماذا لم يرَ اللبنانيون هذه الحماسة لدى الفريقين معاً عندما كانت ودائعهم وجنى عمرهم في المصارف يضيع ويتبخّر أمام عيونهم، من غير أن يتحرّك لهم جفن. وهل أن مستقبل أجيال كاملة مهددة بالضياع لا يستأهل من الفريقين أيّ حماسة للدفاع عن مواطنيهم؟
ثالثاً: ألم يكن أجدى للفريقين التحرّك لإنقاذ عام دراسي من الضّياع، ومعه سيضيع مستقبل نحو 350 ألف تلميذ وطالب، وتهديد مستقبل التعليم الرسمي برمته، وصولاً إلى التحذير من إنهياره، بعدما كان قطاعاً يفتخر به لبنان كله لجودته وتفوقه مقارنة بقطاعات التربية في دول المنطقة، أم أنّ مسألة هامشية وتافهة مثل تقديم السّاعة أو تأخيرها أهم، خصوصاً بعدما بات لبنان بسبب تردّي اوضاعه على المستويات كافّة، ومنذ سنوات، خارج الزمن؟
رابعاً: يتفق فرقاء السّلطة كافة، خصوصاً المتنازعين منهم حول أزمة التوقيت، بأنّ الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية هو السبب الرئيسي في وصول البلاد إلى ما هي عليه اليوم من تشظّي وانقسام يهدد وحدة لبنان ومستقبله ومصيره، ومع ذلك فإنّ أحداً من كلا الطرفين، المؤيّد والمعارض، لم يهدد بالويل والثبور وعاقبة الامور كما فعل ويفعل بما يتعلق بتعاطيه مع أزمة ثانوية مثل أزمة التوقيت الشّتوي أو الصيفي.
خامساً: مع أنّ البلد مقبل على فراغ في السّلطة من نوع آخر هو عدم إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في أيّار المقبل، بعد الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، فإنّ طرفا النزاع والسّجال حول أزمة التوقيت لم يبدر عنهما حتى الآن أيّ موقف تصعيدي حاد ولو بمقدار ضئيل من مواقفهم الحامية حيال أزمة التوقيت، مع أنّ تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية سيدخل البلاد في أزمة فراغ شاملة.