يأخذ الافطار الذي دعا إليه سمير وستريدا جعجع حيزا كبيرا من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الاعلام، وذلك نتيجة الملاحظات الكثيرة التي سُجلت فيه وما زالت تُسجل، ما إضطر دائرة الاعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية الى الرد دفاعا عن نفسها وإتهاما لبعض الإعلام الذي إعتبرته أنه “مكشوف الخلفيات والجهات التي تقف خلفه ويؤرقه المشهد الوطني الحقيقي”، ما يؤكد حالة الارباك التي تعيشها القوات في ظل المتغيرات على الصعيد الاقليمي، والتطورات الناتجة عن الاتفاق السعودي ـ الايراني.

في مقارنة بسيطة بين إفطار القوات في رمضان الماضي وإفطار الثلاثاء الفائت، يتبين أن “المشهد الوطني الحقيقي” لم يكن متوفرا، إن لجهة غياب النواب الشيعة،او في التراجع الكبير بمستوى الحضور السني سواء على المستوى الديني أو النيابي، حيث أرسل المفتون ممثلين عنهم، ولم يحضر سوى خمسة نواب سنة، من أصل خمسة عشر نائبا وأكثر كانوا يلبون الدعوة، أو على صعيد الشخصيات الوازنة، فضلا عن الضربة التي تلقاها الافطار بغياب السفير السعودي وليد البخاري والذي أعطى إنطباعا عن حقيقة التسربيات التي تتحدث عن توتر في العلاقة بينه وبين جعجع على خلفية اللقاء الأخير بينهما.

كما أن غياب النواب التغييريين وكذلك بعض المستقلين من مختلف الطوائف، سواء وجهت لهم الدعوة أم لم توجه، جاء ليؤكد أن محاولات جعجع لتزعم المعارضة في المعركة الرئاسية وفي مواجهاته السياسية قد باءت بالفشل خصوصا بعد إستهدافه النائبين حليمة قعقور وإبراهيم منيمة ما استدعى ردين قاسيين منهما ومواقف مستنكرة من زملائهما أكدت أنهم “لن يسيروا تحت مظلة جعجع الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من المنظومة”.

كل ذلك، يطرح سؤالا محوريا، هل بدأ جعجع بخسارة البيئة السنية؟.

تشير المعلومات الى أن أكثرية النواب السنة الذين وجهت لهم الدعوة لحضور الافطار حرصوا على عدم تلبيتها، بسبب ممارسات القوات وسلوكها واللغة الطائفية التي إعتمدتها مؤخرا لا سيما في أزمة التوقيتين وفي إستهداف موقع رئاسة الحكومة، ودخول جعجع في منافسة مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حول من يرفع سقف التحريض الطائفي أكثر لاستمالة الشارع، وصولا الى التهديد بالفيدرالية والتقسيم  وتغيير النظام، ما أعاد اللبنانيين بالذاكرة الى بدايات الحرب الأهلية التي أحيا لبنان ذكراها الـ48 أمس الأول، ولم ينسوا حتى الآن مآسيها وما خلفته من قتل وتدمير وتشريد.

كل هذه الممارسات، لا تتوافق وتطلعات البيئة السنية التي تعيش منذ فترة حالة ذهول من تنامي الخطاب الطائفي والمحاولات الرامية الى إستهدافها من دون مبررات، وطبعا فإن النواب الخارجين من هذه البيئة لا يمكن لهم في ظل هذه الأجواء المشحونة تلبية دعوة جعجع الى حفل الافطار.

يقول متابعون: إن جعجع لا يستطيع أن يجاري باسيل في مواقفه “الهستيرية” التي يحاول من خلالها الخروج من عزلته بشتى الطرق، وهو ما يزال قادرا من خلال المراجعة والتبصر والتعاطي بواقعية سياسية على أن يعود الى القواسم المشتركة التي كانت تجمعه مع بعض المكونات اللبنانية، والتخلي عن الخطاب الطائفي التصعيدي الذي يبدو أنه يُزعج السعودية وتُرجم بغياب سفيرها عن الافطار.