2024- 03 - 28   |   بحث في الموقع  
logo من الإصدارات الجديدة لمؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية كتاب “صباحك سيدي (رجاوات)” للكاتب الدكتور جان توما logo جمعية النجم تطلق حملة “بدلها” للتوعية حول مخاطر التدخين في طرابلس.. logo المرتضى رعى الأمسية في ذكرى يوم الموسيقى العربيّة لفرقة التراث الموسيقيّ العربيّ بقيادة د. هيّاف ياسين في الرابطة الثقافية / طرابلس logo بالصور... إليكم ما يجري على الحدود الجنوبية! logo مقرّب من السنوار... مقتل "مسؤول كبير" في حماس logo يتولى فيها الخارجية... مصطفى يشكّل حكومة فلسطينية جديدة logo مشاهد مسربة... جنود إسرائيليون يفخخون منازل مدنية فلسطينية (فيديو) logo دهم منازل مطلوبين وتوقيف 3 أشخاص
سوريا في الجامعة العربية: حجر عثرة إقليمية..لا حجر أساس
2023-05-19 16:56:41

من أطرف العبارات التي نشرتها صحيفة "البعث" الرسمية عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد أكثر من عقد على تعليق عضويتها إثر قمع الثورة السلمية في البلاد العام 2011، أن الرئيس بشار الأسد يوحّد العرب اليوم ويعيد لهم أمجادهم التي غابت عنهم "منذ أيام الدولة العباسية" من أجل مكافحة "الهيمنة الأميركية التقليدية".
يتمدد الوصف في الإعلام الرسمي ككل، ضمن سياق أوسع يعتبر سوريا بأنها دولة مركزية ذات أهمية كبيرة في المنطقة والعالم والكَون، ما يجعل الدول من كل حدب وصوب تتهافت عليها طلباً لرضاها وصداقتها.لكن ذلك التوصيف، يجافي الواقع، لأن سوريا نفسها بالموازين السياسية والاقتصادية والثقافية ليست دولة مؤثرة كما يصفها الإعلام الموالي، وليست لها فاعلية كبيرة في المتغيرات الإقليمية القائمة. فلا هي تسهم في الاقتصاد العالمي بموارد ضخمة، ولا تقدم مراكز أبحاث علمية متطورة ولا حتى تنتج أفكاراً تنويرية عبر الفنون والآداب والعلوم الإنسانية (إلا على مستوى أفراد وبجهود ذاتية، وغالباً ممن غادروا البلاد واستفادوا من مناخ الحريات الغربية). لكن ثمة من يعتبر، رغم صغر حجمها الجغرافي نسبياً، أنها تتمتع بمزايا استراتيجية لموقعها في الخريطة تمكنها من لعب دور مهم، كمركز لطرق التجارة وإمدادات الغاز والطاقة على البحر المتوسط، لقربها من أوروبا والدول الغنية بالموارد الطبيعية في الشرق الأوسط على حد سواء.وسوريا، الدولة التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن طوال تاريخها القصير، سوى عقبة صغيرة ضمن نظام التجارة العالمي القائم على المبادلة الحرة والعولمة والاقتصاد المفتوح. ومنذ سنوات طويلة أدرك قادتها المحدودون ذلك، ربما، ليحولوا البلاد إلى دولة مُصدّرة للأزمات إلى الجوار، وحولوها بذلك الى ورقة ضغط وحيدة وثمينة من أجل بقائهم كنظام واستمرارهم في السلطة، عبر ديناميكيات مع القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك تجارة الأسلحة والتهريب في الثمانينيات والتسعينيات، أو دعم الجهاديين والتسامح معهم كما كان الحال إبان غزو العراق، وصولاً إلى تجارة المخدرات وتصنيع الكبتاغون اليوم، وغيرها.وفيما يُطرح موقع سوريا الجغرافي كصِلة وَصل بين الشرق الأوسط وأوروبا، فإن ذلك الموقع ليس مميزاً إلى حد كبير، لأن الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، لها علاقات مع دول أخرى في المنطقة تعطيها نفوذاً وإمكانية للتحرك، حتى عسكرياً. وبالتالي فإن موقع سوريا ليس مميزاً إلا لدولتين اثنتين على صراع مع النظام العالمي. الأولى هي إيران التي تريد "محو إسرائيل من الوجود"، ومازالت ترغب في تصدير ثورتها الإسلامية إلى بقية المنطقة. والثانية، هي روسيا التي، منذ سبعينيات القرن الماضي، أنشأت قاعدة بحرية لها في طرطوس شكلت المنفذ الوحيد لها على العالم بعيداً من حصار حلف شمال الأطلسي "ناتو". ولم يكن من الغريب بالتالي أن تهب كل من طهران وموسكو، للدفاع عن نظام الأسد بشراسة من أجل بقائه في السلطة، خوفاً من انقلاب في مواقف دمشق تجاههما، مهما كان الثمن باهظاً.وانفتاح الدول العربية على النظام هذه الأيام، رغم العداء الذي شهده العقد الماضي بينهما بسبب طبيعة النظام العنيفة التي تجلت في قمع الثورة السورية وتصدير أكبر أزمة لاجئين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية على هامش انهيار اقتصادي غير مسبوق وأزمة إنسانية مؤسفة، هو تكرار لنمط من الديناميكيات في الشرق الأوسط الباحث عن الاستقرار من أجل لعب دوره ضمن أسواق الطاقة العالمية. لا أحد يبحث عن الحروب ولا أحد يريد الفوضى، بما في ذلك المتنافسون الإقليميون الأبرز كالسعودية وإيران، والثمن لذلك قد يكون باهظاً بصورة تطبيع مع نظام فاقد للشرعية الدولية، وتلاحقه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.لا يقدم الإعلام السوري ذلك بالطبع، بل يقدم فقط الخطاب الشوفيني القائم على مفردات
"البعث". ولا جديد في ذلك لأن الدولة السورية تقدم نفسها إعلامياً ودبلوماسياً منذ عقود على أنها دولة مركزية شديدة الأهمية في العالم. وفي احتفالات العودة الى الجامعة العربية، تصبح سوريا في الوصف الرسمي "دولة مؤسسة تقود الإجماع العربي نحو مستقبل من أجل الوحدة وإزالة الحدود الاستعمارية ومقاومة إسرائيل".تصدير هذه النسخة الوهمية من سوريا طوال عقود، عبر الإعلام الموجه والتعليم المؤدلج والعزلة الثقافية، خلق بدوره إحساساً بالتفوق لدى السوريين أنفسهم، جعلهم يرون أنفسهم أهم من بقية البشر. ويلاحظ ذلك بوضوح مثلاً لدى الفنانين السوريين بوصفهم طبقة دائمة الحضور في الفضاء العام بالتصريحات والعمل، حيث يرددون منذ ثمانينيات القرن الماضي بأن الفن السوري أهم من الفن المصري، وبأن الفن لا يتواجد في لبنان لولا دعم سوريا، وبأن الممثل السوري يتفوق على أقرانه العرب بمراحل، وغيرها. وبالطريقة نفسها، يتمظهر الخطاب ذاته في لغة الشارع اليومية، ومختلف مجالات الحياة، مترافقاً مع ضخ ديني يصوّر سوريا، ودمشق تحديداً، بأنها أرض مباركة. وليس غريباً أن تكون عبارة "أنا سوري آه يا نيالي" واحدة من أشهر العبارات الدارجة التي قدمتها "الثقافة" المحلية.نزعة التفوق هذه تفسر، إلى حد ما، إحساس السوريين الدائم بالمظلومية، سواء كانوا موالين أم معارضين لنظام الأسد منذ العام 2011. الطرفان يعتقدان بوجود مؤامرة تستهدفهما شخصياً بسبب الخوف من الحضارة السورية في حالت قامت من تحت الرماد! وهي اليوم تشكل أساس التعامل السوري مع العالم، حيث ينظر السوريون لمشكلتهم المتلخصة في الأزمة السياسية المستعصية على الحل والتي أفرزت لاجئين ومشردين ومفقودين ومعتقلين وضحايا ومدناً مدمرة ومليشيات ناشطة واحتلالاً أجنبياً وتنظيمات جهادية، على أنها قضية مركزية للدول الأخرى التي لا ترى ذلك بالضرورة، لأن سوريا نفسها غير مؤثرة كثيراً، بقدر ما هي "مزعجة".وإن كان الموالون يُجبَرون اليوم على إخفاء انتقاداتهم للانفتاح على الدول العربية "الشريكة في سفك الدم السوري"، حسبما كان الإعلام السوري يردد طوال سنوات، فإن المعارضين كانوا وما زالوا يتحدثون عن أن المجتمع الدولي تركهم وحيدين من دون دعم، رغم أن المعارضة السياسية في البلاد، ككيان سياسي، لم تقدم للعالم سوى صورة فاقعة لمعنى أن يكون المرء سورياً، من ناحية التفكك والعزلة وتكرار الخطاب الأسدي بطريقة أو بأخرى، إلى حد أن بعض قادة المعارضة مثل أسعد الزعبي عبروا ضمنياً عن رغبة في إبادة انسانية على طريقة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كما أن تلك المعارضة لم تقدم خطاباً متقدماً لصالح النساء والأقليات وغيرهم.ضمن هذا الجو، لعب النظام السوري على النفس الطويل، ووجد نفسه العام 2010 في منطقة جديدة كلياً عليه، لأن المنطقة ككل غرقت فجأة في الأزمات ولم يعد التهديد بإثارة عدم الاستقرار كافياً من أجل ابتزاز المحيطين به. وعدم أهمية سوريا بالتحديد، هو ما أبقى النظام على قيد الحياة، حيث كان النظام مستعداً للمغامرة عسكرياً ضد شعبه وتجاوز الخطوط الأميركية الحُمر باستخدام الأسلحة الكيماوية، لأن المنطق الواضح يقول إن أحداً لم يكن على استعداد لتدخل عسكري ضده على غرار إطاحة صدام حسين العام 2003، وهو الحدث الذي كان مخيفاً للنظام السوري حينها، إلى حد أنه بعد اغتيال لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، اضطر للانسحاب من لبنان والانفتاح قليلاً على الغرب، ولو لم يستمر ذلك طويلاً.ومع عودة الاستقرار إلى دول الربيع العربي تدريجياً، بصورة ثورات مضادة قتلت أي أمل في الديموقراطية، فإن سوريا عادت لتمثل مصدر التقلبات في المنطقة، وبرزت فيها تجارة المخدرات وحضور الجهاديين وأزمة اللاجئين والتغير الديموغرافي والحضور الإيراني، كنقاط تريد المنطقة تجاوزها. خصوصاً بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتغير ديناميكية أسواق الطاقة، وازدياد الحاجة لمد أنابيب الغاز نحو أوروبا التي أنهت اعتمادها على موارد الطاقة الروسية، كمشروع أثار نزاعات طويلة في البحر المتوسط. لكن ذلك الرهان العربي لن يقود إلى نتائج لأنه لا يُعالِج جذور المشكلة في سوريا، وهي أن النظام الحاكم فيها يعيش على الأزمات وتصديرها وابتزاز الآخرين بها. ومهما كانت المشكلة التي يبدو أنه تُحلّ اليوم، فسيتم خلق غيرها أو إعادة تدويرها نفسها بشكل جديد، غداً أو بعد غد.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top