2024- 04 - 24   |   بحث في الموقع  
logo تشظية القوى المسيحية: "الحزب" يصنع بدائل سياسية وانتخابية logo بالصور: طائرات اسرائيلية متطورة في سماء لبنان logo دعوة أوروبية لإعادة تمويل الأونروا..والبيت الأبيض يريد تقدماً فعلياً logo حزب الله يردّ على “المجزرة الإسرائيليّة” في حانين logo قدامى الشراع يكرمون الكابتن فواز الذهب..  logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الثلاثاء logo المشروع الوطني لنشر ثقافة ريادة الاعمال يحط رحاله في بيروت logo بعد هجوم حزب الله العميق... حالة خوف بين الإسرائيليين!
معرض الكتاب في طرابلس .. والبيئة غير الحاضنة للابداع!… د. هلا رشيد أمون
2023-05-20 07:27:01

انطلقت فعاليات معرض الكتاب السنوي في الرابطة الثقافية في طرابلس، في نسخته التاسعة والأربعين. ولعلَّ أبرز ما يميِّز النسخة الحالية هي انها تُقام – مثل النسخة السابقة – في ظلِّ أزمةٍ اقتصادية ومالية واجتماعية واقتصادية حادَّة وغير مسبوقة في تاريخ لبنان .

ومع ذلك، فقد أصرّ المنظّمون على تخطِّي كل التعقيدات والمعوقات لإقامة هذا الحدث الثقافي، مهما كانت الصعوبات والظروف قاسية، ما يجعل اقامة معرضٍ للكتاب في أجواء عامة من الاحباط والانكسار ، يشبه المغامرة أو الإبحار عكس التيار، وعكس المزاج العام للمدينة وللبلد .

ومعرض الكتاب هو مُلتقى سنوي يهتمُّ بالدرجة الأولى بالكتاب، ويجمع مُنتجي وصنَّاع الكِتاب من دُورِ نشرٍ ومُوزِّعين ومؤلِّفين وكُتَّاب وباحثين . ولكن أصبح من المتعارف عليه، أن معارض الكتاب لا يقتصر دورها على كونها مجرد سُوقٍ كبيرٍ للكتاب؛ بل يتجاوزه الى اقامة العدِيد مِن الفعالِيات والندوات الثقافية والفلسفية والمعارِض الفنية واللقاءات الشعرية والأدبية، وغيرها من النشاطات التي هي على صلة مباشرة بالكتاب وصناعة الكلمة وانتاج الفكر . ما يعني ان معرض الكتاب ليس فقط موسماً سنوياً للاطلاع على أحدث الإصدارات في مجالات الآداب والرواية وكتب التاريخ والتراث والفلسفة، وميادين العلوم والفنون والفكر، بل هو أيضاً مناسبةُ وفرصةٌ لِلِقاء أهل الفكر والمعرفة والعاملين في الحقل الثقافي والابداعي والتربوي، ومساحةٌ للتفاعل البشري والإثراء المعرفي والتلاقح الفكري. ولذلك فقد شهد المعرض منذ يومه الأول، حركةً نشِطةً وملفتة للزوَّار والضيوف من كافة الأطياف والمناطق، رغم الحضور الخجول والتراجع الملحوظ لعدد دُور النشر العريقة اللبنانية والعربية المشارِكة فيه، لأسبابٍ باتت معروفة.


ولكن تلك الايجابيات على أهميتها، لن تمنعنا من طرح السوال عن الملاءمة والجدوى الحقيقية من إقامة معارض للكتاب في ظل الكارثة التي تضرب مؤسسات ومرتكزات لبنان منذ ثلاث سنوات، والتي أدَّت إلى انهيار العملة الوطنية، واتساع دائرة الفقر والبطالة، واستفحال الغلاء، واضراب المعلمين والأساتذة في المدارس الرسمية. والأهم من هذا تدمير الجامعة اللبنانية الوطنية، وتهجير المئات من أساتذتها الى جامعات عربية وأجنبية، بعد خسارتهم لأغلبية مكتسباتهم، وإذلالهم مثل بقية اللبنانيين، على أبواب المصارف للحصول على فُتات رواتبهم التي فقدت أكثر من 85 في المائة من قيمتها . أضف الى ذلك تحطيم الأزمة المالية للطبقة الوسطى التي تضمُّ في الغالب النُخب المثقفة المُنتِجة للعلم والفن والفكر، والتي تقوم بدورٍ بارزٍ في قيادة المجتمع وتنويره، وتثقيف الأجيال، والمساهمة في تشكيل الوعي العام والتأثير على العقول. وطبعاً لا ننسى وضع الطالب الجامعي الذي هو من أهم الفئات والشرائح التي يستهدفها مُنظِّمو معارض الكتاب، فهذا الطالب أصابه ما أصاب أستاذه ومثاله الأعلى من ظلمٍ وغبنٍ وانخفاضٍ في قدرته على شراء واقتناء الكتب التي يتمُّ تسعيرها داخل المعرض بالدولار الأمريكي، مع العلم ان أغلبية الطلاب لم تعُد قادرة على الحضور الى كلياتها بسبب الكلفة الباهظة للمواصلات .


فهل يمكن للمثقف صانع الوعي، ان ينتج فكراً وعِلماً وأدباً وثقافةً، بعدما فَقَد استقراره النفسي والاجتماعي والمادي، وأصبح مشغولاً بالبحث عن قوت عائلته وتأمين حاجاتها الأساسية اليومية؟ فالمثقف هو قوة اجتماعية فاعلة، وأحدُ اركان السلطة الرمزية في المجتمع، ووظيفته أن يصدَّر الثقافة إلى الجمهور ، وأن ينقل القيم الأخلاقية اليه، وأن يثير الأسئلة التي تهمُّ المجتمع، ويبحث عن إجابات منطقية تعزّز استقرار المجتمع وتشجع على نهضته وتنميته، وأن ينشر المقالة ويصنع الكتاب ويصوغ الخطاب الفكري الملائم الذي يوجَّه إلى المجتمع . فكيف يمكن للمثقف الذي خسر كل أدواره وأدواته في عملية التغيير السياسي والاجتماعي، ان يقوم بكل هذه المسؤوليات، في الوقت الذي تحوَّل هو نفسه الى “ضحية” للنظام السياسي في بلدٍ فَقَد فيه مثقَّفوه ومواطنوه، أمانهم الاقتصادي والنفسي والاجتماعي، والبيئة الحاضنة للابداع؟!


وبالعودة الى معرض الكتاب السنوي في طرابلس، وانطلاقاً من كل تلك الاشكاليات والأسئلة، يمكننا اعتباره – رغم كل الانعكاساتٍ السلبية والمدمِّرة للأزمة على كل المستويات والصُعد – بمنزلة نافذة الأمل، وشكلاً من أشكال المقاومة الفكرية والمدنية والمجتمعية للموت المعنوي والخراب المادي والرمزي المُحدق بنا من كل جانب. فأجنحته وقاعاته وأروقته تعجّ بالزوّار والضيوف والأصدقاء والزملاء. هناك تجد الباحثين عن عنوانٍ مُلفتٍ لكتابٍ بغية شرائه ، والمتسمِّرين على مقاعد ندواته للاستماع الى قصيدة غزلية أو أغنية تراثية أو محاضرة فكرية، والقادمين كي يحظوا بتوقيع صاحبِ كتابٍ أو ديوان شِعريّ ، أو لالتقاط صُورٍ تذكارية مع اصحابٍ لهم لم يلتقوا بهم منذ زمنٍ بعيد . وكل أولئك على مختلف مشاربهم وغاياتهم، “مقاومون” لجلَّاديهم، يعرفون تماماً مَن سرقهم ونهبهم وأفلس مصارفهم وسطا على مدخراتهم وخرّب مؤسسات وطنهم وحوّل حياتهم الى جحيم، ومع ذلك يذهبون الى المعرض بفرحٍ وعزيمةٍ، تلبيةً لغريزة البقاء وإرادة الحياة، ورفضاً لليأس والاستسلام والفناء، واقتناعاً منهم أنهم باقون، والظُلَّام الى زوال. و”المقاومة” ليست فِعلاً غريباً على مدينة طرابلس الفيحاء وأهلها .






safir shamal



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top