2024- 04 - 20   |   بحث في الموقع  
logo الإعتداء ضرباً على نائب رئيس المجلس العام الماروني في الأشرفية logo الخطيب: تأكيد الالتقاء على كلمة سواء لإخراج لبنان من وضعه logo صور الأقمار الاصطناعية:إسرائيل استهدفت بطارية"أس300"في أصفهان logo الاحتلال في اليوم ال3لعدوانه على مخيم نور شمس:10 شهداء logo غزة:الشهداء تجاوزوا ال34 ألفاً..ومصر وتركيا تلحان على وقف النار logo السيد زار نقابة المهندسين في الشمال مهنئا logo المسار الحالي لن يقود إلى اتفاق... وحماس تفكر في بدائل أخرى! logo الفنيون المناوبون في "الطيران المدني" يعلنون مواصلة العمل
تَطاوُل حميد..أم كلثوم آمِنة!
2023-05-30 19:56:24


رغم الجدل الذي استعر حول الملحن المصري عمرو مصطفى، الذي جعل صوت أم كلثوم "يؤدي" أغنية من ألحانه بواسطة الذكاء الاصطناعي، لم تبدُ خطوة الفنان "الطموح" مجافِية للطبيعة البشرية، ولم تخرق المُتوقع من نزعاتها.. فيما تجسدت المفاجأة الحقيقية في صدمة الوسط الفني والجماهيري العربي إزاء ما يمكن للتكنولوجيا الجديدة فعله، وتفعله فعلاً، إن لم نقل ابتكاره.ليس جديداً أن يتساءل الإنسان، أول ما يتساءل، أمام هذه القدرات "الخارقة" التي تقترحها الآلة متسامية الذكاء، عن الماضي. احتمالاته، ناسه وقاماته. إجابات على: "ماذا لو...؟". ولطالما أغرى السفرُ عبر الزمن، العلماءَ، ومن قبلهم الأنبياء والسّحَرَة والحكّائين، ومستحضري الأرواح للاستنارة بحكمة أسلاف غادروا دنيانا.. بالجسد فقط. إلى حد ما، هذا ما فعله مصطفى، وإن كان قد سعى أيضاً إلى الرّواج البسيط ومماشاة "التريند" التي تُقرر اتجاهاتها التكنولوجيا أيضاً، وبالتكنولوجيا حاكاها، كما فهمها واستطاعها. حتى هذه النقطة، مفهومٌ جنوحه و"ارتكابه" دون تكفيره.لكن المعضلة في مكان آخر. ففي العمق، لم يختلف هذا "الرائد" كثيراً عن الجمهور والفنانين والمنتجين الذين رجموه بتهمة التطاول على العمالقة. فهو، كموسيقي، ليس أقل ماضوية وتقديساً عصبياً لأيقونات "الزمن الجميل" من مهاجميه الذين تناسوا مساراً طويلاً من استعادة شخصيات تاريخية في الرواية والفن التشكيلي والسينما والمسرح، لاستنطاقها، وعقلها ومواهبها، خارج سياقات عمرها المُنقضي. في حين أن أم كلثوم الأصلية، موجودة وستبقى، في تسجيلات وأفلام، وفي الانترنت. لن ينال منها أحد. منجزها وتميزها في مأمن من التخريب، لكن ليس من التجريب المفترض أن هناك دائماً متسعاً له وإلا لكان مات الفن لحظة ولادته. موت أم كلثوم في حد ذاته حصانتها من العبث، ومن التجديد أيضاً إن كنا نتحدث عن تجديد أم كلثوم نفسها.هذا ما عصي على الملحن ومهاجميه معاً. وضع مصطفى لحناً "كلاسيكياً"، ولم يخطُ تلك الخطوة الإضافية لترك بصمته الخاصة، كمبدع، بل كمبدع من زمنه. وبصرف النظر عن الجودة الفنية للحن (والكلمات)، فإن مشكلة مصطفى ليست في نبش صوت أم كلثوم من القبر، بل في مجالسته في مثواه الأخير. سقطته ليست في التجرؤ على العمالقة بالمعنى الدوغمائي المستقى من قواميس الاستبداد الديني والسياسي الذي أخافته قبل قليل (وكادت تطيحه) ديموقراطية العوام مِثال السوشال ميديا والإعلام البديل. بل لعل العثرة تكمن في في استنساخ مصطفى لمؤلَّفه من "فونوغراف" ما. غربته عن أي خصوصية لصاحبه الآن وهنان خلافاً لمؤلفين معاصرين خاضوا التأليف الكلاسيكي لكنهم امتلكوه بأدواتهم ورؤاهم، من قبيل الإستوني آرفو بارت، مع حفظ مقامات القياس والتشبيه لصالح بارت بالطبع.ثم ضاقت بمصطفى دنيا الأصوات الحية التي يمكنها غناء لحنه الأثير، فراح يفتش في أرشيف الراحلين، كمَن يعبّر عن رغبة دفينة في أن ينتمي هو نفسه إلى الأمس بدلاً من زيارته ومشاكستهن بل، وفوق ذلك، أن يكون في ذلك "الأمس" من الملحنين المحظيين بالصوت الكلثومي حصراً.كان مؤلف الموسيقى الإلكترونية السوري، سامر صائم الدهر (المعروف بـ Hello Psychaleppo)، قد استدخل، منذ سنوات، أصوات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ في موسيقاه المولّفة بواسطة "الآلة"، بل وذهب به غرامه بالتقاليد الموسيقية الحلبية إلى صوت نهاد نجار. لكنه استعاد هؤلاء ليحاورهم، يلاعبهم، يستكشف معهم عوالم سمعية جديدة (وحتى بصرية بالفيديو آرت والفن التشكيلي)، بإدارته وتوقيعه وقريحته هو. أعاد اختراع تلك الأصوات. لم يغرق في النوستالجيا، بل ألهمته، ودفعها إلى مناطق فنية بِكر. على طريقته، كسّرها، وأدى لها تحية حب، في آن واحد، وبفنٍّ له ومنه على طول الخط. بعيداً من الهواجس البديهية والعمل على قوننة واقعية ومُجدية، في ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، والتحدي الذي يواجهه رأس المال الإبداعي للبشر معنوياً ووظيفياً واقتصادياً، ثمة أفق إبداعي هنا ما عاد في إمكان أحد سدّه. محاربته ليست سوى دونكيشوتية منزوعة الدسم الرومانسي. برامج الذكاء الاصطناعي تنشئ تراكيب أصلية في غضون ثوانٍ، خوارزميات تحلل الموسيقى الحالية و"تتعلم منها" لإنشاء مقطوعات جديدة. وعملية الإنتاج أكثر فاعلية، بعد تبسيط مهام التسجيل والمونتاج والمزج والإتقان، من أجل جودة أعلى وربما كلفة أقل. وحدهم السمّيعة سيفرزون ما يبقى، عما سيندثر. جموع السمّيعة، وليس فقط رواد الحفلات والمسارح. وبالتكنولوجيا والمنصات الرقمية أيضاً وأيضاً، سيداوون بالذي قيل أنه الداء. بخوارزميات "سبوتيفاي" و"آبل ميوزيك" و"يوتيوب"، تلك الثورة المستمرة والمتوالدة في عادات الاستماع والاكتشاف ولوائح تشغيل الموسيقى. الغث والسمين، ثنائية أزلية سرمدية، وكلما برزت، اجترحت حلولها من لدنها. ولا بد أنها ستفعل ذلك حتى في ما يتعلق بإشكاليات أصعب واكثر تجريداً من الحقوق وفرص العمل، كالتوجس من مشهد موسيقي متجانس ينتجه مَيل الخوارزميات إلى الأنماط الشائعة والمألوفة... طالما أن البشر موجودون لم يزولوا، بتلاوينهم وأذواقهم ومخلوقاتهم الفنية. هذا العادي الجديد، لمحة آنِيّة من المستقبل.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top