بدأت الإمارات العربيّة المتحدة، يوم أمس الخميس، بتطبيق الضريبة الاتحاديّة على الأعمال، بواقع 9% على الأرباح السنويّة للشركات التي يتخطّى حجم أعمالها المليون درهم سنويًا. وتُعد هذه الضريبة نقطة تحوّل في النموذج الضريبي لدولة الإمارات، الذي قام تاريخيًا على مبدأ اجتذاب الاستثمارات ورؤوس الأموال، من خلال السوق المفتوحة والحوافز الضريبيّة والإجراءات الإداريّة المبسّطة، ما جعلها أحد أهم الملاذات الضريبيّة التي يتجّه إليها رجال الأعمال في العادة.معايير دوليةويُخشى أن تقلّل الضريبة الجديدة من جاذبيّة البلاد للمواطنين الأجانب، الذين يمثّلون أكثر من 80% من سكّان البلاد. كما يُخشى أن يزيد هذا الإجراء من جاذبيّة المملكة العربيّة السعوديّة للشركات والاستثمارات، في ظل التنافس القائم بين الإمارات والسعوديّة على اجتذاب المراكز الإقليميّة للشركات الدوليّة في منطقة الخليج العربي.
وكانت الإمارات قد اضطرّت لفرض هذا الإجراء الضريبي الجديد، للامتثال للمعايير الدوليّة الجديدة التي تطلب الإلتزام بالحد الأدنى من ضرائب الربح على الاستثمارات والشركات المتعددة الجنسيّات، بحسب المعايير التي أقرّتها مجموعة العشرين عام 2021.
وكانت الإمارات قد تعرّضت طوال السنوات الماضية لاتهامات باجتذابها أعداداً ضخمة من رجال الأعمال المنخرطين في أنشطة مشبوهة، بفضل نموذج الملاذ الضريبي الذي تعتمده. فمن خلال هذا النموذج، تكامل انعدام الضريبة على أرباح الأفراد مع الأنظمة الإداريّة المرنة للغاية، والتي تسهّل فتح الشركات وإخفاء هويّة أصحابها الفعليين، ما جعل الإمارات بيئة مناسبة للأفراد الذي يرغبون بإخفاء أنشطتهم الاستثماريّة. وهذه البيئة جعلت الإمارات مثلًا الوجهة المفضّلة لرجال الأعمال الروس العام الماضي، الذين رغبوا بالتملّص من العقوبات الغربيّة التي تم فرضها على هامش الحرب الأوكرانيّة.منعطف حساسوهذا بالتحديد ما يجعل ضريبة الشركة المستجدة منعطفاً حسّاساً في تاريخ الإمارات. إذ ستفرض الضريبة إخضاع الشركات وأرباحها إلى مستويات إضافيّة من الرقابة الضريبيّة على الأعمال والاستثمارات. وتشير بعض التحليلات إلى أنّ هذا التحوّل قد يرتبط بالضغوط التي تتعرّض لها الإمارات منذ فترة، لتفكيك نموذج الملاذ الضريبي تدريجيًا، وخصوصًا بعد إدراجها على اللائحة الرماديّة لمجموعة العمل المالي، بسبب أوجه القصور في معايير الدولة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ومع ذلك، تشير كثير من التحليلات الأخرى إلى أنّ هذا التطوّر لن يُجهز على جاذبيّة الإمارات كنقطة استقطاب للاستثمارات والشركات العالميّة. فضريبة الأرباح الجديدة ما زالت تقل بأشواط عن نظيرتها في جميع الدول المحيطة بالإمارات. كما سيتم إعفاء الشركات من هذه الضريبة بالنسبة إلى الأعمال التي تجري داخل المناطق الحرّة، حيث تخضع الشركات هناك إلى إجراءات ضريبيّة مختلفة عن باقي أنحاء الدولة.
ومع ذلك، من الأكيد أنّ السعوديّة ستتمكّن من الاستفادة من هذا التحوّل، في إطار سعيها لمنافسة الإمارات على الاستثمارات في منطقة الخليج العربي. مع الإشارة إلى أنّ السعوديّة كانت قد قدّمت رزم من الحوافز الضريبيّة لتشجيع الشركات العالميّة لفتح مراكز إقليميّة لها في الرياض، كما حذّرت الشركات الأجنبيّة من فقدانها العقود الحكوميّة إذا لم تكن مقارّها في الرياض. وهذا ما أدّى إلى اجتذاب الرياض المراكز الإقليميّة لنحو 80 شركة عالميّة خلال العام 2022، ما أعطى السعوديّة دورًا اعتادت أن تقوم به دبي في الماضي.