من حیث المبدأ لا إعتراض ولا فیتو لدى حزب الله على عودة الرئیس سعد الحریري الى رئاسة الحكومة، وھو یجاري الرئیس نبیه بري في رأیه الداعي الى ضرورة عودة الحریري ویتفقان منذ إستقالته قبل عام أنه الأفضل والأنسب. وزاد إقتناعا بذلك بعدما فشلت تجربة حكومة حسان دیاب وسقطت تحت ضغط الأزمة المالیة والخلافات والضغوط الداخلیة التي أتت من جھتي بري وباسیل، وتحت ضغط الشارع وانفجار بیروت.
وفي الواقع، یمثل سعد الحریري خیارا "مثالیا" بالنسبة لحزب الله، إذ یكفیه أن یكون الزعیم الأول للسنّة رئیس الحكومة توفر له التغطیة والحمایة السیاسیة، وأن یكون شریكا في الحكم لتكتمل معه "الترویكا" المستندة الى ثلاثركائز أساسیة: الحریري و"الثنائي الشیعي" وعون... كما أن وجود الحریري في رئاسة الحكومة یكفي لنزع فتیل الشكوى والتذمر لدى الطائفة السنیّة في موضوع التمثیل والمشاركة في الحكم، ولامتصاص التوترات السنیّة ـ الشیعیة التي تكاثرت في الأشھر الأخیرة وفي الفترة التي كان فیھا خارج الحكم... ویُضاف الى كل ذلك أن الحریري بما لدیه منشبكة علاقات ومنافذ خارجیة یمكن أن یلعب دورا في تنشیط العلاقات وتحفیز المساعدات...
رغم إقتناعه بصوابیة خیار الحریري وجدواه في ھذه المرحلة، لم یعطه حزب الله أصوات نوابه وامتنع عن تسمیته،باقیا في المنطقة الرمادیة ومضفیا الضبابیة على موقفه... وھو فعل ذلك لاعتبارات وأسباب عدة أبرزھا ثلاثة:
١-إھتزاز صورة الحریري وتناقص الثقة به لدى حزب الله، إستنادا الى مواقفه وسلوكه في الآونة الأخیرة وماتناھى الى مسامع الحزب من "كلام كبیر" قاله الحریري في مجالسه وللفرنسیین، وعزز الشكوك بأنه یراھن على الضغوط الأمیركیة والمبادرة الفرنسیة وثقل الأزمة الداخلیة لتغییر قواعد اللعبة والتوازنات... وھذا ما یدفع الحزب الىإبقاء الحریري تحت المراقبة والإختبار، والى إتخاذ القرار بعدم إطلاق یده وعدم إعطائه الحكومة التي تعطیه قدرةالتحكم بالقرارات الاقتصادیة والمالیة تحت مسمّى حكومة إختصاصیین.
٢-مراعاة حزب الله لموقف الرئیس میشال عون المعترض بقوة على تكلیف الحریري الذي أراد تكلیفا أقرب الى"الأمر الواقع" غیر منسق مع رئیس الجمھوریة وغیر مسبوق بتفاھم معه على الحكومة المقبلة... وكان من الطبیعيأن یراعي الحزب موقف و"مشاعر" الرئیس عون لأن العلاقة معه لھا الأولویة المطلقة، وعدم الخلاف معه یتقدم علىأي إتفاق مع غیره. وزاد الحزب إقتناعا بعدم التسمیة بعد الكلمة الناریة التي وجھھا عون الى اللبنانیین ورفع فیھا النبرة والسقف السیاسي ضد الحریري ومن یؤید تكلیفه، ول ّوح بعد الخطاب، وفي دردشة مع الصحافیین، بورقة إعادةالبحث بالاستراتیجیة الدفاعیة.
٣-عدم توصل الحزب الى "إتفاق ناجز" مع الحریري بشأن الحكومة الجدیدة، بحیث أن الإتصالات واللقاءات
(بمافیھا لقاء الحریري مع حسین الخلیل في بیت الوسط)
لم تتوصل الى بلورة تفاھمات واضحة ومكتملة. فلم یحصل الحزبعلى أجوبة نھائیة من الحریري بشأن مسائل أساسیة أولھا المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وكیفیة التعاطي مع شروطه ومتطلباته... ولم یحصل الحریري على تجاوب الحزب في موضوع "الصلاحیات الإستثنائیة" التي یریدھا لحكومته المحددة في مھمتھا (الإصلاحیة الإنقاذیة) وفي مدتھا الزمنیة (ستة أشھر)... واكتفى الحریري بإعطاء إشارات إیجابیة الى إستعداده للتفاھم بعد التكلیف، وأنه لن تكون ھناك مشكلة في ذلك، وأعطى بشكل واضح تعھدا بشأن وزارة المال وتسمیة الثنائي الشیعي لوزرائه من دون أن یلزم نفسه بتعھدات ومواقف في ما خص برنامج الحكومة وخیاراتھا الاقتصادیة والمالیة، مكتفیا بالتأكید أنه یتحرك تحت سقف المبادرة الفرنسیة وملتزم مضمون الورقة التي إتفق علیھا في قصر الصنوبر.
لكل ھذه الأسباب أحجم حزب الله عن تسمیة الحریري وفَّضل عدم تسمیته، وأن یأتي بتكلیف ضعیف... ولكنه سیكون مسهّلا لعملیة التألیف (في إطار مرونة المرحلة التي من أبرز مؤشراتھا موافقته على مفاوضات الترسیم) إذا تبیّن له أن الحریري یراعي الشروط وقواعد اللعبة، بما في ذلك إظھار الإستعداد للتفاھم مع الرئیس عون ومع النائب جبران
باسیل، والقبول بأن یُطبق معھما ما اعتُمد مع سائر الكتل والقوى، وأن یعطیا حق التسمیة في موضوع الوزراء المسیحیین الإختصاصیین، خصوصا بعدما أظھر باسیل تراجعا وتخلیا عن معادلة "ھو والحریري معا في الحكومة، أو
معا خارجھا"، وعن موقفه الرافض لترؤس الحریري حكومة إختصاصیین.