قيل الكثير في زيارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الى باريس، مع أنها ما زالت "زيارة إفتراضية"
حتى الآن. هذه الزيارة التي تشكل أول إختراق فعلي في الملف الحكومي وحالة الدوران في الحلقة المفرغة منذ خمسة أشهر، ُرسمت حولها سيناريوهات وتكهنات، منها أن باسيل ذاهب للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأن ماكرون يسعى الى جمع باسيل والحريري ومصالحتهما تحت سقف المبادرة الفرنسية، وأن التحرك اللبناني باتجاه باريس يوازيه تحرك مصري باتجاه بيروت تعويضا عن الغياب السعودي، وأن زيارة باسيل ما كانت لتتم لو لم تطرأ عوامل جديدة وانفراجات وفي إطار "مبادرة بري ـ جنبلاط" التي سوّقها جنبلاط لدى عون واشتغلها بري مع الحريري،وتقوم على فكرة التنازلات المتبادلة ومقابل تخلي الحريري عن حكومة الـ18 لمصلحة حكومة الـ24 ،يتخلى عون عن "الثلث المعطل" لمصلحة حكومة الـ"3 تمانات"... حول زيارة باسيل الى باريس توافرت المعطيات التالية:
1-بات في حكم المؤكد أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي زار باريس قبل أيام والتقى المسؤولين عن الملف اللبناني (دوريل وإيمييه) ، هو الذي لعب الدور الأساسي في تهيئة ظروف زيارة باسيل الى باريس، والدفع باتجاه تحقيقها وإنجاحها. ولكن تتضارب المعلومات في تفاصيل ما جرى: هناك من يعتبر أن اللواء إبراهيم نجح في إقناع الفرنسيين بضرورة وأهمية حصول لقاء بين باسيل والحريري لأن إتفاقهما هو مفتاح تأليف الحكومة الجديدة... وهناك من يعتبر أن اللواء إبراهيم نقل الى باسيل إنطباعا سلبيا موجودا لدى الفرنسيين بأنهم يحمّلونه بشكل رئيسي مسؤولية تعطيل الحكومة الجديدة، وأنهم يفكرون باللجوء الى إجراءات ضاغطة. ولذلك من الأفضل الذهاب الى باريس والإجتماع بهم وتوضيح موقفه ووضعهم في صورة وطبيعة الأسباب التي تعطل تشكيل
الحكومة...
2-باسيل، المستاء من تسريب خبر زيارته الى فرنسا ما حمله على إضفاء غموض وضبابية على الزيارة والقيام بتسريب مضاد يفيد أنه لم يطلب أي موعد ولا يحتاج الى وساطة من أحد، يتطلع الى لقاء الرئيس ماكرون في الإليزيه، ولا يريد للقاءاته أن تقتصر على مسؤولي الملف اللبناني ووزير الخارجية جان إيف لودريان... ولكن من الواضح أنه في ضوء نتائج لقاء باسيل مع لودريان يتحدد لقاؤه مع ماكرون، وما إذا كان سيحصل أم لا، لأن ماكرون لا يريد الوقوع في خيبة جديدة، ويريد للقائه مع باسيل أن يكون مضمون النتائج ومستندا الى مواقف ومعطيات حاسمة.
3-اللقاء بين الحريري وباسيل في باريس ليس مطروحا حتى الآن، والمؤشرات ما تزال سلبية... وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الفرنسيون جمع الحريري وباسيل، وقام الموفد الفرنسي باتريك دوريل بعدة محاولات غير ناجحة إصطدمت بموقف الحريري الذي لم يتراجع عن مبدأ حدده منذ انطلاق مشاورات التأليف وفحواه: "لا أجتمع بباسيل إلا بعد إنجاز تأليف الحكومة". ومن الواضح أن الحريري حذر جدا تجاه أي لقاء مع باسيل لا يكون منتجا ومسبوقا بضمانات، وإلا فإنه سيدفع غاليا ثمن هذا اللقاء مما تبقّى من رصيده السياسي والشعبي.
4-الفرنسيون في صدد "جولة لبنانية جديدة" بعدما قاموا بمراجعة لمبادرتهم في نسختها الأولى واستخلصوا العبر
والنتائج، وقرروا مقاربة جديدة للملف اللبناني إنطالقا من الحكومة الجديدة.
فرنسا هي الدولة الغربية الوحيدة التي تبدي إهتماما بلبنان، ومبادرتها رغم ما أصابها تبقى قائمة ولكن مع تعديلات
وتحصينات وبالتنسيق هذه المرة مع مصر والسعودية، وفي ظل تأييد أميركي لم يكن موجودا أيام ترامب، ولكن من دون أن يتم إيضاح الهامش المتاح من قبل واشنطن لباريس ومدى التسامح في مسألة التعامل مع وجود حزب الله في الحكومة الجديدة. ولهذا يريد الفرنسيون وضع الموقف الأميركي تحت الإختبار، ويسعون لدى الأطراف اللبنانية لتقديم التسهيلات لفرض أمر واقع يمكن تسويقه لدى الأميركيين، وكذلك لدى السعوديين، بعدما تبيّن أن الإتصال الذي أجراهماكرون مع بن سلمان لم يصل الى نتيجة، لجهة عودة السعودية الى سابق عهدها وتدخلها على الساحة اللبنانية، وإنما تكتفي بعدم عرقلة الجهود والمساعي الفرنسية إذا ما أدت الى تسوية مرحلية تمنع إنفجار الوضع الداخلي. والأهم أن باريس تنصح المسؤولين اللبنانيين بعدم الرهان على التطورات بين أميركا وإيران، وانطلاقاً من إجتماع فيينا اليوم، وعدم إقامة رابط بين الملف النووي الإيراني ومسألة تشكيل الحكومة اللبنانية.