2024- 04 - 27   |   بحث في الموقع  
logo رفع علم "حزب الله" في جامعة أميركية... وانقسام عربي logo "الحزب" يستعد لما بعد انتصاره: فكفكة الألغام وتشكيل السلطة logo العثور على جثة شاب في أحد المجمعات السياحية logo استقالة متحدثة باسم الخارجية الاميركية..احتجاجاً على حرب غزة logo بصواريخ الكاتيوشا.. “حزب الله” يستهدف موقعا للعدو logo بعد هجومها "الفاشل"... أوستن يسخر من أسلحة إيران! logo "حول تأجيل زيارة أردوغان"... تعليقٌ من البيت الأبيض logo جثةُ شاب داخل "شاليه" في الكسليك!
ميشيل كيلو الذي دافع عنا يوم خذَلَنا معارضون
2021-04-21 13:25:55

في نهاية العام 2005، كنت وطارق غوراني، وما عُرف باسم "تجمع شباب من أجل سوريا" المختصر بـ"شمس"، مطاردين من طرف أجهزة الأمن السورية، إذ داهمت جميع الأجهزة بيوتنا، الأمن السياسي، فالأمن العسكري، فأمن الدولة، حتى وصلت القضية في النهاية إلى المخابرات الجوية.راح الأشخاص، البعيدون عن عالم السياسة والمعارضة والذين لا يعرفون شيئًا عن نشاطنا، ينسجون قصصًا عن ارتباطنا بتنظيمات إسلامية ومؤامرات، وعن علاقاتنا بأحلاف دولية وتدخلات خارجية وغيرها. نُسِجَت عنا قصص لا يعلم بها إلا الله، خصوصاً أنها كانت فترة قلاقل كبيرة، إذ كان النظام السوري مهدَّداً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ووجود الأميركيين في العراق.بدأت غالبية الوسط المعارض الذي استشعر الخطر من معرفته بنا، بسبب مشاركتنا معه سابقاً في نشاط ما، كاعتصام أو منتدى أو ربما بسبب جلسة في مقهى الروضة، بالتنصل منا بسبب خوفه من هذه الهجمة المخابراتية. وكان لزاماً على هذا الوسط المنسحب، تبرير ضعفه وتخاذله بأن يلقي اللوم علينا، وبدأت تتوالى علينا الانتقادات من هذا الوسط، تارةً بسبب ما سمعه من كلام أشاعته المخابرات قاصدةً، وتارة أخرى بسبب أقوال الناس العاديين وخيالاتهم، خصوصاً أنه في حينها لم يبق تلفزيون أو وسيلة إعلامية إلا وذكر أخبار الاعتقالات والمداهمات التي تحصل لنا، ولم تبق منظمة دولية وحقوقية إلا وطالبت بنا.عانيتُ شخصياً في فترة ملاحقتي التي استمرت حوالى 11 شهراً، مما هو أشد من اعتقالي، وهذه ليست مبالغة أو تقليلًا من شأن ما تعرضت له في المعتقل، بل بسبب مرارة خذلان "رفاق درب" والأصدقاء أحياناً.يومها، فقدتُ الاتصال بكل شخص أعرفه في حياتي، تركت منزل أهلي وجميع أقاربي وأصدقائي المقربين، من دون أي اتصال بهم بسبب مراقبة الأمن الحثيثة لهم، وبسبب الاستدعاءات والمداهمات التي تعرضوا لها مرات عديدة. ضاقت بي السبل في بعض الأيام، فكنت أنام في إحدى دور السينما نهاراً وأخرج ليلاً، أتنقل بين الشوارع والمقاهي حتى صباح اليوم التالي، وأسمّر عينيّ في كل سيارة أو دورية راجلة.أذكر أننا كنا، وطارق وأنا، عائدين ذات مرة من حلب بعد لقاء مع محمد عرب وحسن قاسم ومجموعة من الشباب، ووصلنا إلى دمشق في وقت متأخر ليلاً، وكان طارق قد عثر على مكان لينام فيه في مكتب كريم عربجي، أما أنا فكنت أؤمل نفسي في مكان لدى صديق آخر. اتصلت بالصديق مرات عديدة، لكنه لم يجب، فضاقت بي السبل، وبتّ ليلتها متكوراً على نفسي تحت شجرة في حديقة عامة وكان الطقس شتائياً.التقيت في تلك الأيام مع فائق المير أسعد، في مدينة القدموس، برفقة أيهم وكريم صقر ومجموعة من السياسيين والناشطين. "العميم" الذي كان ملاحقاً أيضاً، بسبب قراءته لكلمة إعلان دمشق في تأبين جورج حاوي، نصحنا يومها أن نلتقي بميشيل كيلو. عدت بعدها إلى دمشق واتصلنا بميشيل، أنا وطارق غوراني، ولم نخبره سوى أننا من طرف "العميم" وحددنا موعدًا معه في مقهى الروضة. تأخرتُ نصف ساعة على الموعد، وعندما وصلتُ، كان غاضباً وهو لا يعلم مَن سيلتقي أو ما هو الموضوع، عندما رآنا تغيرت ملامحه وتفهَّم مباشرة وانفرجت أساريره، بل نسي أنني تأخرت عليه، وكان قد سمع الكثير من الروايات عما يحدث معنا، لكنه بسبب خبرته الكبيرة ورؤيته الثاقبة كان قد وصل إلى جوهر القصة الحقيقية من دون أن نشرح له ذلك سابقاً، واستطاع أن "يفلتر" الكثير من الملوثات والاشاعات التي أحاطت بنا وبقصتنا. كان فهم أننا مجموعة من الشباب الصغار بالسن "كان متوسط أعمارنا 23-24 سنة"، يسعون لتكون سوريا بلداً حراً وديموقراطياً. بعدها التقيناه أنا وطارق أربع أو خمس مرات، في هذه اللقاءات كنا نمشي لساعات في دمشق القديمة والقصاع، فنحن لا نستطيع الجلوس في مكان عام.وكان يمشي معنا، رغم كبر سنه وضخامة جسمه، وصعوبة التقاطه أنفاسه أثناء السير. ومع ذلك، حاول ألا يُشعرنا بأنه متعب، وراح يراقب المفارق والطرق كلما وصلنا إلى رأس شارع، وكأننا في معركة وهو يغطينا نارياً. وكثيراً ما عرض علينا تأمين مبيت لنا، وحاول بإصرار إعطاءنا نقوداً. في إحدى المرات، أصرّ كثيراً على إعطائنا النقود، حتى كاد يتعارك معنا، وحين رفضنا أخذها، أعادها إلى جيبه مكسور الخاطر بشكل حقيقي، إذ لم يكن موقفه معنا موقف مجاملة، بل شعر بمسؤولية الأب والقريب وبالواجب "الحزبي أو الرفاقي"، وكأنه المسؤول عنا، رغم أنه لم يكن هناك أي رابط تنظيمي بيننا سوى أننا نواجه النظام ذاته.في إحدى المرات قال لنا بعدما وقف في رأس أحد أزقة دمشق القديمة، وبعدما علم منا بتفاصيل ما قمنا به وعملنا عليه في السابق، قال: "أنتم ثاني أهم شيء حصل في سوريا بعد إعلان دمشق"، ثم قال ممازحاً "اسمحوا لي أن أجعل الأول من نصيب إعلان دمشق كنوع من الأنانية، فأنا الذي أسسته"، وضحك. قوّى ميشيل معنوياتنا ورفع منها بشكل حقيقي، أنصفنا بوصفه واقع ما رآه من عملنا في حينها من دون أن يبخسنا حقنا أو أن يبالغ في الوصف، الأمر الذي جعلني أنا وطارق وبقية المجموعة أكثر قدرة على مواجهة الظروف والمشقات طوال فترة الملاحقة، ومن ثم فترة الاعتقال، وحتى هذه اللحظة. عندما خُذلنا شخصياً وفكرياً من طرف العديد من المعارضين، كان هو واحداً من القلائل الذين دعمونا، بل وكان أكثرهم دعماً ومساعدةً لنا، حتى كاد يتأذى بشكل فعلي من احتكاكه بنا في تلك الفترة. قد يكون الشخص الوحيد الذي تحمل مسؤولية الدفاع الفعلي عنا وعن أمثالنا، هو ميشيل كيلو، الرجل الذي عجن حياته بمبادئه وعبّر بشجاعة إنسانية طوال حياته الطويلة، وحتى النفَس الأخير، عن مواقف عديدة لم يسبقه إليها أحد، ولا فضل لأحد عليّ كفضله.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top