2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo بالصوره: العدو يستهدف منزلاً على أطراف بلدة المنصوري logo فتفت زار مع وفد نقابة المهندسين في بيروت لتهنئة حنا logo "بصاروخ"... ماسك يعلق على الضربة الإسرائيلية لإيران! logo "مأساة" في صور... سوريان قضيا غرقا! logo كنعان: انتبهوا من السياسي الشعبوي والخبير الدجّال logo عمليةٌ جديدةٌ لحزب الله جنوباً! logo "دوي هائل"... القصف الإسرائيلي يطال بلدتي المنصوري وعيترون! logo ضبط 22 درّاجة آليّة مسروقة... هل تعرّفتم إليها؟
الفلسطينيون ولبنان: تأريخ للقهر والثورة والحياة المعلقة ببرج البراجنة
2021-05-16 00:55:58


قبل نكبة عام 1948 اعتاد مختار برج البراجنة حسن علي السبع، أن يقصد بلدة ترشيحا شمال فلسطين حيث التبغ والزيتون، وهدفه التجارة. لكن علاقته بسكان ترشيحا لم تقتصر على الجانب التجاري، بل أثبتت الأيام أن الشاب ذا التوجه القومي نسج علاقات صداقة عميقة مع أهالي تلك البلدة الواققعة في الجليل والمتنوعة طائفياً.تجارة وتزاوج ونزوحكثرة من أهالي برج البراجنة ساروا على الطريق نفسه إلى ترشيحا، أغلبهم معلمي وعمال بناء، أمثال خليل سليمان الحركة، ومحمود جلول، وزين رحال. وساحة عين السكة في البرج كانت استراحة للجمال، فتتزود فيها بالمياه. وعند تلك العين، كان دفء الصداقات بين الجمّالين القادمين من ترشيحا وسكان برج البراجنة، يؤدي إلى تزاوج بين أهالي البلدتين.
وقُصفت ترشيحا في حرب 1948. قاومت وهُجّر معظم أهلها، فتفرقوا في بلدات جنوب لبنان ومدنه: رميش، قانا، جويّا، صور، وسواها. ولجأ شطر من مهجّريها إلى برج البراجنة، حيث أخوال بعضهم وأعمامهم وأصدقاؤهم. فعبد الله حسن أبو هاشم مثلاً رفض أن يصعد إلى القطار المتوجه من صور إلى حلب، حين حُملت كثرة من أهل بلدته إلى هناك، فتأسس مخيم النيرب، وآثر أبو هاشم أن يمكث في ضيافة أخواله من آل جلول.
ودعا المختار السبع أصدقاءه المشردين، تجار ومزارعي الأمس، إلى بلدته. فنزل بعضهم في بيته، وآخرون في مسجد الإمام علي، واستقر شطر منهم في منزل آل العرب، ريثما يتدبرون أمورهم. واختار المهجرون صفة "النازحين"، معتبرين أن كلمة لاجئين تحمل الكثير من الإهانة، وتوحي بالديمومة.نشأة مخيم البرجبعد أشهر من نزوحهم إلى برج البراجنة، البلدة الزراعية آنذاك، عرض الشيخ محمد منيمنة على المختار حسن السبع أن يستضيفهم منيمنة في أرضه، ريثما يعودون. ونُصبت خيام سبعٌ في قطعة الأرض، فتلاها ثلاثون. كان أكبرها تلك التي خُصصت لمدرسة، بمبادرة من لجنة أهلية صار بعض أعضائها أساتذة جامعيين في ما بعد. وفي العام 1949 تسلم اتحاد جمعيات الصليب الأحمر مسؤولية إدارة المخيم، تعاونه تلك اللجنة المنبثقة عن الأهالي. وفي العام نفسه بدأت الحياة الحزبية في المخيم. فانضم بعض شبابه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، بتأثير أصدقائهم في برج البراجنة. ومع فشل المحاولة الانقلابية الأولى لحزب أنطون سعادة في 4 تموز 1949، اعتُقل بعضهم ومكثوا في السجن ما يقارب سنوات عشر أو أكثر.
وراح نازحون فلسطينيون يتوافدون إلى مخيم البرج، بسبب قربه من بيروت والأعمال الناشئة والمزدهرة فيها. كانوا من أصول قروية متعددة. فراحت تنشأ هوية جديدة لهم. وتزايدت الخيم، وبلغ عدد سكانها 2686 بعد إنشاء المخيم بعامين. أهل ترشيحا، الموزعون بين مخيم برج البراجنة وحلب التي أخذهم القطار من صور إليها، نجحوا جزئياً في لمّ شملهم. والشيخ منيمنة، الذي كان يظن أن مقام الفلسطينيين وخيمهم لن يطول على أرضه، راسل مدير غرفة رئاسة الجمهورية جورج حيمري، المسؤول عن إدارة شؤون الفلسطينيين، علّه يستردها.المال والأرض والتعليمماطل حيمري واشترط إيجاد أرض بديلة، وجد منيمنة قطعة أرض بعيدة، لكن حيمري رفض. وفيما بعد أسرّ لبعض نزلاء المخيم، أنه لم يُرِد إبعادهم عن بيروت، بعدما لمس لديهم إصراراً على التعليم. وهو إصرار ولّدته النكبة واللجوء. فمن لم يكن يملك مالاً وأرضاً تركهما في دياره، وآل مصيره إلى الفقر. ومن كان متعلّماً حمل علمه معه، فأنقذه ما تعلّمه من السقوط إلى قاع الحرمان والبؤس.
وغالباً ما أصرت العائلات الفلسطينية اللاجئة كلّها على تعليم فرد منها. وفي منتصف الخمسينات كان بعض طلاب المخيم يذهبون منه سيراً على أقدامهم إلى الجامعة الأميركية في بيروت.
وفي العام 1951 برزت إشارة جديدة إلى تكون هوية المخيم. هوية موازية لهويات متجذرة، كالعائلية والعشائرية والقروية. فحين أسست الأونروا لجنة للتوعية والتثقيف في النخيم، وسمّتها "لجنة برج البراجنة"، انبرى عضوا هيئتها الإدارية سامي فاعور (ترشيحا) وفايز بيرقجي (كويكات)، إلى التساؤل: أين المخيم؟ ولما رفضت الأونروا تسمية اللجنة: "لجنة الفلسطينيين في مخيم برج البراجنة"، استقالا منها.أحزاب في المخيموفي الخمسينات كان كل فلسطيني في المخيم يبحث عن طريقه الأقصر للعودة، فنشطت الأحزاب السياسية سراً. فبعد السوريين القوميين - اغتيل وجههم الأبرز محمد راغب قبلاوي بُعيد محاولتهم الانقلابية الثانية في نهاية العام 1961 - نشأ حزب التحرير الذي ظل وجوده محدوداً بقلة من الأفراد.
وكان الحضور الأبرز لحزب البعث وحركة القوميين العرب التي اكتسبت زخماً كبيراً مع تسلّم أبو ماهر اليماني إدارة مدرسة اليرموك عام 1954، وإنشائه الأندية الرياضية والكشاف العربي الفلسطيني. أما البعث فكان لخطابات وجهه البارز خالد اليشرطي تأثيرها الكبير على عدد كبير من السكان، وخصوصاً أنه ابن شيخ الطريقة اليشرطية التي كان يتبعها جزء واسع من أهالي المخيم في ذلك الحين.
ولم يخبُ حضور خطيب الهيئة العربية العليا الحاج أمين الحسيني، إلا بعيد الإعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا ما دفع إميل الغوري، أحد أبرز قياديي الهيئة، إلى زيارة مخيم برج البراجنة عام 1965. فألقى خطبة سياسية قبل صلاة يوم جمعة في مسجد فلسطين. وحصل صدام بين أنصاره وأنصار البعث والقوميين العرب. وهيأ حضور هذه الأحزاب في المخيم والجوار لتفاعل كبير بين الجانبين في تلك المرحلة.منعطف 1958وتفاقم التشدد الأمني على المخيمات الفلسطيسنية في لبنان بعد ما سُمي ثورة 1958. وطاول القمع الخشن مخيم البرج، إلى جانب ممنوعات كثيرة: تجول أكثر من شخصين معاً، السهر بعد الساعة العاشرة، قراءة جريدة، التنقل من مخيم إلى آخر إلا بإذن خطي. كان من دوافع هذه الإجراءات الشهابية مواجهة المدّ الناصري في المخيمات.
ولم يخلو المخيم من تظاهرات سياسية الطابع: في اليوم الثاني من عدوان عام 1967، تظاهر فلسطينيون يطالبون بالسماح لهم بالذهاب إلى الجبهة. وقد خُيّل إليهم أنه يوم العودة. فخطب فيهم الضابط اللبناني فريد أبو مرعي، الذي كان اعتقل ياسر عرفات قبل سنة على الحدود اللبنانية. ودعا الضابط اللبناني المتظاهرين الفلسطينيين إلى التدريب في معسكر للجيش. لكن ما أن انتهت الحرب بعد أيام، حتى أعادهم إلى المخيم.
وعاش المخيم تطوراً اجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً منذ منتصف عقد الخمسينات. سُمح عام 1955 لكل بيت ببناء جدرانه بارتفاع متر. وكان ذلك مهم في مقاييس التضييق على الفلسطينيين في تلك الأيام. وأخذ فلسطينيون يفتتحون متاجر صغيرة خارج المخيم. فتوسعت، وبلغ عددها أكثر من 30 متجراً. أما المقاهي فشكلت حيّزاً مهماً للتلاقي بين المخيم والجوار، إضافة إلى دورها الاقتصادي.فتح ترث الأمن اللبنانيوكان الحدث المهم عام 1966: انخراط عدد من شبان المخيم في حركة فتح، وهو العام الذي قُـتل فيه محمد اليماني، أول شخص من المخيم يُقتل في عملية ضد الاحتلال منذ النكبة. وتزايد عدد المنتسبين إلى فتح بعد معركة الكرامة في الضفة عام 1968. وتشكلت في ذلك العام شعبة فتح الأولى في المخيم. واندفع عشرات الشبان إلى تجاوز الجبال بين لبنان وسوريا، في رحلة إلى معسكرات جرش وعجلون في الأردن. كثر منهم قتل أو فُقد في عمليات على الحدود الأردنية الفلسطينية، أو داخل فلسطين.
وكان عام 1969 عام اتفاقي القاهرة، ومغادرة بهجت، آخر ضباط المكتب الثاني الموكلين بأمن المخيم. وتحول مقره مركزاً للكفاح المسلح. قاد هذا التحول إلى تغييرات جذرية: انخرط عشرات من سكان جوار المخيم اللبنانيين في الفصائل الفلسطينية، وخصوصاً اليسارية منها. وعلى صعيد العمران عرف سكان المخيم أول سقف إسمنتي في مخيمهم. وهذا ينطوي على تناقض ضمني: تبشر الثورة بأن المخيم موقت، والإسمنت ويقول خلاف ذلك. وفي الأثناء حدث توسع أفقي في مساحة المخيم.
واستمر التعليم في مساره التصاعدي. وهذا ما ساهم في هجرتين لنخب متعلّمة من المخيم غالباً: الأولى في اتجاه الدول الخليجية، والثانية للسكن في المباني التي شُيدت حديثاً في الجوار. وتزايدت الهجرات إلى خارج المخيم بفعل عوامل كثيرة: الاشتباكات بين الجيش اللبناني والفدائيين في أيار 1973. واندلاع الحرب الأهلية سنة 1975. لكن هناك عامل داخلي يبدو أساسياً في هجرة بعض النخب: احتجاجاتها على طريقة إدارة المخيم، وعلى الفساد الذي بدأ يتوغل في بعض مفاصل الفصائل الفلسطينية. وعام 1977 بدأ بروز التيار الإسلامي بفعل تأثير الأكراد المجاورين للمخيم، وكذلك التحولات التي جرت في صفوف بعض تيارات في حركة فتح، وخصوصاً التيار الماوي وما عُرف بالكتيبة الطلابية، ثم تأثير الثورة الإيرانية.توسع المخيم واحتضارهوشهد عام 1978 توسعاً أفقياً جديداً في المخيم، بعيد اجتياح الجيش الإسرائيلي جزءاً من جنوب لبنان. فعدد كبير من سكان مخيم الرشيدية هجروه إلى مخيم برج البراجنة. وقبيل هذا التاريخ بقليل تعرف المهاجرون الفلسطينيون من المخيم إلى ألمانيا الغربية، التي باتت مقصداً لمئات من شبانهم.
ودمر اجتياح الإسرائيلي بيروت عام 1982 عدداً كبيراً من بيوت المخيم، وقتل عشرات من شبانه على محاور المواجهة، خصوصاً قرب مطار بيروت. والفلسطينيون العائدون إلى بيوتهم المدمرة كانوا بلا أمل تقريباً. وضاعفت مجزرة صبرا وشاتيلا قسوة اللحظة ورعبها. وكان يكفي أن يطلق فتى صرخة بأن قوات سعد حداد وصلت إلى طريق المطار، ليفر السكان إلى حيث تصل أقدامهم التائهة خارج المخيم. وزُج بالمئات من سكان المخيم في سجون اليرزة وبدارو وسواها، فتضاعفت هجرتهم، لكن إلى بلاد باردة جديدة هذه المرة: السويد والدنمارك. وينقل ممثل منظمة التحرير الفلسطينية الأسبق شفيق الحوت عن مصدر في الأمن العام اللبناني قوله إن عدد من هاجروا عام 1983 من فلسطينيي لبنان يزيد عن 80 ألفاً.أمل وحرب المخيماتوفي 20 أيار 1985 انفجرت حرب المخيمات بين الفلسطينيين وحركة أمل، ولم تنته إلا في 20 شباط 1987. وكانت خسائرها البشرية وآثارها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية كبيرة جداً على الفلسطينيين في المخيم، وما زالت حاضرة حتى اليوم. فقد في تلك الحرب أكثر من 800 شخص، غالبيتهم من المدنيين. وخسر الفلسطينيون منشآتهم ومتاجرهم خارج المخيم. يُضاف إلى ذلك توقف العملية التعليمية، وهجرة تامة للنخب تقريباً.
وبعد حرب المخيمات بعام ونصف العام وقع قتال بين فتح بقيادة ياسر عرفات وفتح الانتفاضة بدعم سوري. وأخرجت قوات عرفات من مخيمات بيروت إلى صيدا. واستمر نشاط فتح التي يرأسها عرفات سرياً حتى نهاية سنة 2000، بعيد انطلاقة الانتفاضة الثانية. ووجد العائدون إلى العمل التنظيمي العلني منافساً جديداً في العمل السياسي هو حركة حماس. لكن المنافسة لم تؤد يوماً صراع مسلح، بفعل تشابك علاقات الطرفين الاجتماعية. ومع انطلاق موجة اللجوء السوري عام 2012 استقبل المخيم ما يوازي عدد سكانه الـ 15 ألفاً. فتضاعف الضغط على البنى التحتية المهترئة أصلاً.الحياة المعلقةللدلالة على بؤس الحال في المخيم، لا يزال ما أوردته مذكرة "وجهاء القرى" من مطالب تعود إلى العام 1958، ماثلا اليوم ويطالب الأهالي بتنفيذه: تعزيز عيادة الأونروا بالأدوية والعلاجات. زيادة حصة مياه المخيم. حل قضية المطرودين من إسرائيل، وهم غير المسجلين حتى اليوم في قوائم الأونروا. تجفيف المستنقعات. المراجعة بالمخالفات التي تسطرها محاضر قوى الأمن الداخلي.
وما تغيّر هو نشوء الهوية "المخيماتية" الجديدة. وهي إن كانت تشير إلى المكان، فإنها ملاذ معنوي للسكان من مخاوف لا يزيلها تغير الأحوال، طالما أن لغة الخطاب السائد تجاه الفلسطينيين لم تغادر زمن الحرب بعد. وهناك من يحاول الخروج من دائرة الخوف والقلق بالقفز في البحر نحو برد أوروبا، وآخرون ما زالوا على أملهم بأن الحياة ممكنة من خلال مبادرات لا تتوقف.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top