2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo واشنطن تنفي:لا ضوء أخضر لإسرائيل لاجتياح رفح logo "اتفاق هوكشتاين" المؤجل: من انتظار غزة إلى انتظار إيران logo بصواريخ فلق.. المقاومة الإسلامية تقصف قاعدة للعدو logo مقدمات نشرات الاخبار logo "اتفقنا مع الخماسيّة"... دعوة من عطية للنواب! logo "الحزب" يكثف ضرباته للثكنات.. وإسرائيل تنشر أسماء قادة اغتالتهم logo هل اقترب هجوم إسرائيل على رفح؟ logo "المعابر معلوم من يسيطر عليها"... يزبك: جريمة مقتل باسكال سليمان سياسية
بلا مزاح... مارين لوبان تستميل صحافيين وناخبين عرباً!
2022-01-27 20:25:59

من الطبيعي أن يسعى أي صحافي إلى توسيع شبكة علاقاته حتى يكون على تماس مع جميع الأحزاب والشخصيات السياسية الفاعلة من حوله. لكن هناك حداً فاصلاً بين مد جسور التواصل لغايات مهنية (إجراء مقابلات، الظفر بتصاريح أو معلومات حصرية...) وبين التباهى بالامر، خصوصاً إذا أدى إلى تحول في مواقف الصحافي بين ليلة وضحاها، بما يتنافى مع طبيعة مهنته.
الصحافي خالد سعد زغلول، نشر في حسابه الخاص في الفايسبوك، صوراً للقاء جمعه بمارين لوبان، مرشحة حزب التجمع الوطني للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، وذات التوجه اليميني المتطرف. الملفت في المنشور هو النص الذي صاحب الصور وصاغه بالعامية المصرية. بدا زغلول متأثراً بهذا اللقاء بعدما كال المديح للوبان متناولاً خصالها. من المرجح أنها المناسبة الأولى التي جمعته بالمرشحة الرئاسية، إذ ورد في المنشور "طلعت في منتهى اللطف" وكأن الواقع جاء مغايراً للصورة التي كان قد رسمها لها في ذهنه.
للوهلة الأولى تبدو هذه الكلمات مبررة من الناحية الانسانية، لكن الحال وصل به إلى حد الاعلان عن انعطافة لديه. فقد افتتح زغلول منشوره بعبارة "طب ازاي ههاجمها في مقالتي بعد كده؟" ما يوحي بأن تصويبه عليها سيتوقف بعد اليوم.
عبارة تنتقص من مصداقيته كصحافي: من الطبيعي أن يتحلى أي مرشح بمهارات الاقناع والتأثير لجذب الناخبين وحصد أصواتهم، فهل سيهادن زغلول كل مرشح يلتقي به لمجرد قدرته على استلاب فكر وجوارح الطرف المقابل؟ ألا يفترض به الحكم على أي سياسي بناءً على تموضعه في الشأن العام، لا على خصاله الشخصية التي لا تعني العامة بالضرورة؟
بغض النظر عما إذا كان صاحب المنشور جاداً في كلامه، يُفترض به أخذ الحيطة والتنبه لما ينشره في مواقع التواصل الاجتماعي، ما يشير إلى عدم إدراكه للعواقب المحتملة: أي مهادنة من قبله تجاه لوبان، مهما كان حجمها ومبرراتها، ستكون موضع تشكيك. فوفقاً لما أورده، يتضح أنه لم يكن ميالا لطروحاتها في السابق. وعليه، إذا تساءل أي قارئ عن خلفيات هذا التحول، سيدرك سريعاً أن الأمر لا علاقة له بأي عملية نقد ذاتي أفضت إلى تبدل في مقاربة المسائل لديه.
أما حديثه عن "نضجها"، فتلك حكاية أخرى. في العام 2011 "ورثت" مارين لوبان عن والدها حزب الجبهة الوطنية (بات اليوم حزب التجمع الوطني). حزب يُصنف في خانة اليمين المتطرف، ولقادته ومحازبيه باع طويل في اطلاق المواقف العنصرية. تربعت لوبان على رأس الحزب مدركة ضرورة انتهاج سياسة أقل استفزازاً إذا ما أرادت الصعود إلى السلطة في فرنسا.
لهذا الغرض، اعتمدت خطة إعلامية عنوانها "نزع الشيطنة" (Dédiabolisation) تحرص من خلالها على انتقاء مفرداتها بعناية. على سبيل المثال لا الحصر، عوضاً عن التصويب على الأجانب المقيمين في فرنسا تسوق لوبان "للأولوية الفرنسية" إيحاءً منها بعدم معاداتها لهم. وفقاً لما تدلي به، غايتها ليست التضييق على الأجانب بل منح الأولوية للمواطنين الفرنسيين للاستفادة من فرص العمل والتقديمات الاجتماعية، ليصبح رهاب الاجانب توجهاً اقتصادياً-اجتماعياً بحتاً.
لكن ليس من الصعب نبش الشيطان الكامن في التفاصيل: حين تأتي على ذكر الأولوية الوطنية في اللقاءات العامة، تساوي لوبان بين كل حاملي بطاقة الهوية الفرنسية، أياً تكن أصولهم، كما لا يهمها إن كانوا مجنسين أو فرنسيين بالولادة. أما في الغرف المغلقة وأمام محازبيها، فلا تتردد في اعتبار "الفرنسة" مساراً يتطلب أجيالاً لحين استيفاء جملة من الشروط الثقافية وحتى العرقية، في تفرقة واضحة تحيل المجنّسين إلى مواطنين من الدرجة الثانية.
تحول لم ينطل على العديد من الصحافيين الفرنسيين الذين لم يترددوا في تفنيد برنامجها وتعرية طروحاتها. ولم يتردد الإعلام المرئي كذلك في الولوج إلى مقرات الحزب بكاميرات خفية لتسليط الضوء على إرث جان ماري لوبان الذي ما زال حاضراً في الأروقة، بعكس ما تسوّق ابنته. فالنضج الذي جرى تناوله في المنشور، ليس إلا واجهة لواقع لم يتبدل رغم كل العراضات الاعلامية. وعليه، ما يزال الصحافيون الفرنسيون حذرين عند لقائهم بها، فيحرصون على وضع الأمور في سياق مهني بحت حتى لا تلاحقهم تلك "اللوثة".
يخطئ من يعتقد أن خالد زغلول حالة استثنائية، إذ نجحت مارين لوبان في استمالة ناخبين عرب من المجنسين، ولا يتردد بعضهم في إشهار عزمه على الاقتراع لها، ما يثير الدهشة والسخرية في آن. لوبان وحزبها يعادون، من دون تمييز واضح، كل المهاجرين، لا سيما العرب والمسلمين، محمّلين إياهم المسؤولية الرئيسية عن انحدار البلاد اقتصادياً وثقافياً.
وبعيداً عما إذا كانوا قلة أو كثرة، يمكن تقسيم هذه المجموعة من الناخبين إلى ثلاث فئات: عنصريون بطبيعتهم، سطحيو التفكير، أنصار مبدأ "خالف تعرف".
تضم الفئة الأولى أناساً ذوي نزعة عنصرية حتى قبل قدومهم إلى فرنسا. عنصرية يمارسونها ليس فقط على "الغريب"، بل حتى على فئات من أبناء وطنهم الأم. وعادة ما تكون هذه العنصرية مصحوبة بنزعة استعلائية مع تصدير لهوية دينية أو عرقية. تعتقد هذه الفئة أن أبواب فرنسا مشرعة أمامهم كونهم لا يشكلون أي تهديد لهويتها الثقافية، بل يعتبرون أنهم مكون أصلي من مكونات النسيج الاجتماعي الفرنسي أكثر من "أولئك" الذين ولدوا وترعرعوا في فرنسا.
في ما يخص سطحيي التفكير، هم ليسوا بالضرورة من العنصريين، لكن ممن انطوت عليهم سياسة حزب التجمع الوطني: الشعبوية كما "نزع الشيطنة". بل وصلوا إلى حد الاقتناع بجدوى التخلص من عبء الأجانب والمهاجرين الجدد حرصاً على موارد البلاد، في مزايدة رخيصة على هويتهم المستجدة. فهل فاتهم أن أصولهم غير فرنسية؟ هل أدركوا للحظة أنه لو تسنى لآل لوبان الامساك بالسلطة وتطبيق برنامجهم بحُرية، لأغلقوا أبواب فرنسا في وجوههم؟ إن كانوا فعلاً من المؤمنين بصوابية هذا التوجه، فلماذ لا يغادرون البلاد حفاظاً على مواردها التي هي من حق سكانها الأصليين؟ لماذا لم يبادروا إلى سداد ما يدينون به للدولة الفرنسية بعدما استفادوا من مجانية التعليم والمساعدات الاجتماعية؟ في نظر هؤلاء، المسؤول عن الانحدار هي "الجحافل" اللاحقة وليست السابقة. من الواضح أن عنصرية الفئة الأولى وسطحية الفئة الثانية تقترنان بالنزعة الأنانية. وتبقى الفئة الثالثة التي تضم هواة الظهور وجذب الأضواء، لا سيما مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، خيار لا ينبع من تكوينهم الذاتي.والحال أنه، بمجرد حصول أي أجنبي على الجنسية الفرنسية، يتعزز لديه الشعور بالأمان: لن يتملكه الخوف من رفض تجديد إقامته أو سحبها منه وما ينطوي عليه من ترحيل إلى موطنه الأصلي، لكن أن تبلغ الأمور هذا المستوى من السذاجة او التنكر للذات، فليس في ذلك أي تعبير عن أي قناعة سياسية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top