2024- 04 - 25   |   بحث في الموقع  
logo قتيل و جريح بإشكال مسلح في طرابلس logo اجتماعاً حاسماً بين وزير التربية و الاسرة التربوية logo الاحتجاجات الجامعية تتمدد من اميركا..الى فرنسا واستراليا logo أكبر اقتحام اسرائيلي للمسجد الأقصى..منذ "طوفان الأقصى" logo واشنطن ولندن تفرضان عقوبات على إيران..استهدفت برامجها العسكرية logo أميركا و17دولة:للإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين في غزة logo "تعرض لمشاكل في رمضان"... الملك السعودي يدخل المستشفى! logo تجنباً للخسارة... خبيرٌ أميركي يؤكد: ايران قد تستخدم مقاتلين عراقيين ذوي خبرة
بغداد: في ما لم يقله الراوي
2022-05-18 12:56:18

ثمة الكثير من مضمر بغداد الذي يحتاج إلى تسليط الضوء عليه، وإنارته حتى نرى، ونستلهم، ونتعلم من حكمة الزمن، وحكمة الحياة التي لا تتوقف عند جيل من الأجيال. نعم، اختفت البنية التقليدية الثقافية في بغداد، أو كادت، بسبب مرور الزمن وما رافق ذلك من حروب، وقمع، وهجرات طالت المجتمع البغدادي، والعراق كله في النهاية. اختفت أماكن معروفة كالمقاهي، والشوارع، والحانات التي شكلت ذات يوم ملاذاً للفنانين العراقيين، والمثقفين، وكانت مساحة للحوارات حول الأوضاع السياسية في العراق والعالم، وآخر الاصدارات من مجلات وكتب وأفلام. والجميع يتذكر مقهى البرازيلية في شارع الرشيد، بواجهته الأنيقة ورواده ورائحة قهوته المجلوبة من أصقاع الأمازون وسهوب ساوباولو، ومقهى البرلمان ذي التخوت الخشبية وعبق الهيل في الشاي، وحسن عجمي الجاد أكثر من اللازم، ومقهى أم كلثوم الراقص، وبار جبهة النهر، ومقهى المعقدين، ومنتجعات "أبو نؤاس"، وقد ظلت طوال عقود أماكن ذات نكهة حضارية خاصة، مثلها مثل ساحة التحرير، وساحة الميدان، وشارع الرشيد، وبارات دجلة على الرصافة وهي تستدير بحنو كأنها قوس خيالي مرتسم في الذهن.لكن من يتجول في بغداد اليوم، يرصد بوضوح تبدّل إيقاع العاصمة بشكل جلي، فهناك تآكل مادي لأعمدة شارع الرشيد وانهيار الأناقة في محلاته ومقاهيه وأزقته، وقد كان ذات سنة جوهرة بغداد، وظل كذلك طوال القرن تقريبا، منذ أن أسسه خليل باشا الوالي العثماني. ذاك ماض موغل في تلافيف الذاكرة القلقة، المضطربة، المتصارعة مع روحها، والماضي لا يمكن استعادته، لكننا نستطيع تذكره، وجلب تفاصيله، واستنباط الصور القديمة بشاعريتها، خاصة إذا ما تواشجت مع مياه دجلة ونوارسه وجسور الضفتين كرخ ورصافة. كما لو أن تلك الجسور خالدة منذ أن رأيناها في طفولتنا وشبابنا، ومنذ أن بدأ الاهتمام بالشعر، والقصة، والرواية، والفن التشكيلي، والمقامات البغدادية التي كانت تعقد كل جمعة في المتحف البغدادي. حيث غنى ذات يوم شعوبي، وحسن خيوكة، ويوسف عمر، ومحمد القبانجي، وربما سليمة مراد وعفيفة اسكندر واختها أنطوانيت، مروراً بناظم الغزالي ذي الحنجرة العباسية المرتفعة فناً وأداء.
وليس بعيداً من ذلك تمثال شاعر الخمرة العراقي، وهو يمسك كأسه في لهفة للعبور إلى عالم الغيب، والاندماج مع المطلق بالخمرة أو غيرها، وهنا نقصد به "أبو نؤاس" المتربع على ساحة معشبة من ساحات الحدائق التي تسمّت باسمه. "الحسن بن هانئ" ما زال هناك، شامخاً منذ أول قصيدة سكرى، لكنه مهمل مثل ساحة الوثبة، وجدارية فائق حسن، وجدارية عملاق النحت السومري جواد سليم، لكن الإهمال الحكومي الذي يكاد يصل إلى الإذلال لمدينة عبرت الألفية من دون أن تندثر، تفشى في المباني الكالحة، والساحات السابحة في الفوضى، والوجوه المتعبة في سعيها اليومي لتحصيل لقمة عيش بكل السبل، خاصة في منطقة الشورجة، والسوق العربي، والصدرية، والحيدرخانة، والشوّاكة، وكثير كثير من الأماكن التي شكلت هوية بغداد عبر العصور وتقلباتها. والحديث يقود أيضاً إلى الوجوه المتعبة، وجوه الناس الناضحة بالبؤس: باعة الطيور في شارع الجمهورية، وحمالو الشورجة، والشحاذون نساء ورجالاً وأطفالاً، وسائقو سيارات الأجرة من حملة الشهادات العليا. المتعبون من مشرّدي الحروب الكبيرة والصغيرة، حروب الأحياء والطوائف والقوميات، من مقطوعي الأطراف، ومن فقد عقله، ومن تشرّدٍ دون مأوى في الزوايا، وتحت الجسور، وفي مداخل البنايات المهجورة، سوية مع القطط الجائعة والكلاب السائبة ومخلوقات العالم السفلي.كلهم هناك، في بغداد المرتفعة الضجيج، القانطة حيناً والمتفائلة حيناً، وكأنها دولاب ألعاب يصعد عالياً ثمّ يهبط نحو الأرض في رقصة تدور خلل الأزقة، والساحات، والمنعزلات تحت الجسور وبين العمارات الكئيبة، رقصة عجائبية تدور كل صباح، ومن دون توقف.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top