يعاني فيلم «The Lost City» من الفوضوية والملل في أي مشهد لا تظهر فيه ساندرا بولوك وتشانينغ تاتوم، لكن لحسن الحظ يتصدر حس الفكاهة بينهما معظم الأحداث، حيث تبرهن لنا «بولوك» بأدائها لدور مؤلفة روايات تتعرض للخطف بأنها ما زالت متفوقة بأفلام الأكشن والرومانسية، ويبرهن أداء «تاتوم» لدور عارض أزياء وسيم حسن النية بأنه مرة أخرى أفضل ممثل في هوليوود للعب دور الأحمق الجذاب.

يقدم لنا «The Lost City» ذلك الجانب المميز من تشانينغ تاتوم، الجانب الذي أعجبنا أيضا في أول فيلم من إخراجه «Dog»، حيث يلعب دور رجل جذاب لكن أحمق، وبفضل سحره الأحمق إلى جانب الحضور الرائع لساندرا بولوك (والتي في سن 57 تستمر بإثبات أنها ما زالت تستطيع لعب دور البطولة في فيلم أكشن رومانسي بكل ثقة وروعة)، فإن الفيلم يتمكن من النجاة، حتى عندما تبدأ مدته الطويلة الممتدة على 112 دقيقة تبدو لا نهائية، وتبدأ النكات تصبح أقل إضحاكا.

يأتي العمل من إخراج الأخوين آرون وآدم ني، اللذين يشتركان أيضا بالتأليف مع دانا فوكس وأورن أوزيل، وسواء كانت المشكلة في الإنتاج هي نتيجة كثرة المشرفين على الفيلم أم لم تكن، فإن نصفه يبدو أنه ينجح في أي مشهد، سواء بين خيوطه العديدة التي يتم إهمالها، أو انحرافاته نحو حبكات جانبية غير مضحكة، أو سلسلة النكات التي يتم إلقاؤها من وراء الشاشة، لكن عندما يكون الفيلم واثقا لهذه الدرجة بطاقم نجومه وما يمكنهم تقديمه، فلا يمكن لأي قدر من مخاطر الإخراج أن تمنعه من أن يكون ممتعا.

تلعب بولوك دور مؤلفة الروايات الرومانسية «لوريتا سايج»، التي ترفض قيامها بجولة أخرى لترويج كتابها، حيث يختطف نجم غلاف روايتها الجذاب آلان كابريسون (تاتوم) الأضواء لتجسيده بطل الرواية الذهبي «داش ماكماهون»، وبعد 20 جزءا، تقرر فجأة أن أحدث غلاف مثير لروايتها «The Lost City of D» سيكون الأخير، وبالتالي سيكون الأخير أيضا لـ «آلان»، ما يؤدي إلى مواجهة كلامية غير سارة بين الثنائي، إلا أنه وقبل أن يتمكن آلان (بنية حسنة) من الاعتذار، يشهد تعرض «لوريتا» للاحتجاز كرهينة من قبل رجل الأعمال أبيجيل فيرفاكس (دانييل رادكليف)، الذي يأمل باستخدام مهارات «لوريتا» الواقعية كعالمة آثار سابقة لترجمة وكشف موقع كنز مخفي، وإن كان فقط ليثبت لعائلته أنه يستطيع ذلك، ويتضح أن «فيرفاكس» ربما يكون قد اكتشف المدينة المفقودة التي كانت «لوريتا» تكتب عنها، والتي استخدمت عناصر من حياتها المهنية القديمة في كتابة أعمال روائية تشعر الآن أنها تكبلها بالأغلال.

مسلحاً بسماعات «AirPods» ووسادة عنق وحقيبة سفر، ينظم «آلان» مهمة إنقاذ بمساعدة مدربه السابق اللطيف والمرتزق الغامض جاك (براد پيت)، والذي أشعل تشابهه مع «داش» الوهمي شرارة بينه وبين «لوريتا»، وأشعل حسد «آلان» أيضا، سرعان ما تخرج المهمة عن مسارها، ويجد «آلان» و«لوريتا» نفسيهما وحيدين، عالقين بين العثور على طريقهما خارج جزيرة غامضة في المحيط الأطلسي، وبين احتمالية كشف أسرارها الأثرية.

تعطي شخصية بولوك ثقلا عاطفيا أكثر مما ظهر في العروض الدعائية، حيث يعرفنا «The Lost City» على «لوريتا» من خلال صور لها إلى جانب زوجها المتوفى، والذي تسبب موته في انعزالها عن العالم، وهذا يمثل تغييرا عاطفيا كبيرا في فيلم يعج بالنكات، لكنه يتيح الفرصة لبولوك لإضفاء لمسة من الجدية حتى على تفاعلاتها الأكثر إضحاكا وكوميدية، ما يعطي تناقضا محبوبا ورائع مع «آلان» ذي الشخصية الحمقاء، وعندما تمر «لوريتا» بأكبر محنها، فإن «آلان» يصبح شبيها بكتاب مغلق تكتشفه هي والجمهور فصلا فصلا، غالبا من خلال اهتمامه الحقيقي بها، لكن الرومانسية القوية والكوميدية في آن واحد تعوض عن الأمور التي لا تنجح في «The Lost City» وهي قائمة طويلة.

إن الحبكة العاطفية في الفيلم لا تعمل على النحو المطلوب، فلكي تخرج «لوريتا» من روتينها، هي بحاجة للتوقف عن العيش في الماضي، إلا أن المسار الذي يتم وضعه أمامها (مسار المغامرة وإعادة اكتشاف شغفها القديم، والعثور أخيرا على الآثار التي كانت تبحث عنها مع زوجها) يتعارض تماما مع فكرة المضي قدما، وتميل اللحظات الدرامية لهذا العمل إلى إيقاف الأمور، حيث تعمل كزر إيقاف مؤقت للكوميديا أكثر من كونها قوة مكملة لها، ولكن لحسن الحظ ينتظرنا حس الفكاهة بين تاتوم وبولوك دائما بعد لحظات.

كما أن طاقم الممثلين المساعدين رائع أيضا (في الغالب)، حتى عندما لا ينجحون في تقديم المطلوب تماما، فيقدم براد پيت دور بطل الأكشن القادر بشكل مفرط على كل شي، والذي يبدو أنه دور تم تصميمه خصيصا له، كما أن شخصية رادكليف الذي يعاني من عقدة نابليون كملياردير محتقر تجعل مشاهدته رائعة، حيث ينتقل بين الكلام اللطيف والمصاب بجنون العظمة، ويتواجد اثنان من أتباعه الرئيسيين في جميع أنحاء القصة أيضا، ويضيفان لمستهما الخاصة بهما على الأجواء، حتى أن أحدهما، وهو رافي (هيكتور أنيبال)، لديه صلة بالثقافة الوهمية للجزيرة ويحصل على حبكته الخاصة في القصة بسبب ذلك (على الرغم من أنها لا تؤتي ثمارها حقا)، من ناحية أخرى، يتم تعزيز البحث عن «لوريتا» من خلال فريق العلاقات العامة الخاص بها، والذي يتألف من مديرة وسائل التواصل الاجتماعي المضحكة أليسون (باتي هاريسون) وناشرتها المتفانية بيث (دافاين جوي راندولف)، التي تحصل للأسف على أقل حوار مضحك في الفيلم غالبا إلى جانب «أوسكار نونيز» من «The Office» بدور طيار خاص، والذي يحصل على الكثير من الوقت أمام الشاشة ولكن القليل جدا للقيام به.

في كل مرة يبتعد فيها تركيز «The Lost City» عن تاتوم وبولوك (وتحديدا عن التبادلات الرومانسية الكوميدية السريعة بينهما)، يتباطأ الفيلم وإن كان لدرجة غير مزعجة، لكن في كل مرة تعود القصة إليهما وتسمح لهما بإطلاق العنان لنفسيهما، يضفي كل منهما ما يكفي من الضعف على أسوأ لحظات شخصياتهما (حماقة آلان حسن النية والإيجاز الفظ لدى لوريتا) بحيث يصبح من المستحيل عدم الاستمتاع بحضورهما، وهما ليسا مضحكين فحسب، بل إنهما مضحكان بطريقة صادقة للغاية، حيث يأتي كل تصرف وكل جدال، وفي النهاية كل لحظة مليئة بالأكشن، من مكان نابع من الشخصية، ويمكن القول إنه يترك المشاهدين يرغبون أكثر بكثير من تلك التناقضات الموجودة في «The Lost City» فهي تنجح بشكل كبير.