2024- 03 - 29   |   بحث في الموقع  
logo "الحزب" يقاتل على جبهتي الداخل والحدود: نقطة ضعف خطيرة logo اشكال وإطلاق نار في طرابلس logo بينها لبنان.. هزات أرضية تضرب هذه الدول العربيّة logo مناورة إسرائيلية "مفاجئة" شمالاً.. وواشنطن تعتبر استعادة الهدوء أولوية logo حكومة فلسطينية جديدة تبصر النور..بلا سند سياسي logo نبيل فريد مكاري يستقبل المصري ويعلن دعمه للائحة “نقابتنا” logo بأكثر من 30 طنًا من المتفجرات... تدمير نفق لحماس (فيديو) logo اتهام روسي "خطير" لأوكرانيا
أهداف سويف مهددة بالطرد: لم ألوّث ماء النيل!
2022-07-01 12:55:57

"خلينا نتكلم" تقول الكاتبة والروائية أهداف سويف في إحدى مناشداتها اليومية للمسؤولين المصريين قبل أن توقفها غصة مفاجئة وينقطع التصوير.تبث أهداف سويف فيديوهات يومية في صفحتها في فايسبوك، تشرح فيها وقائع ما تتعرض له عوامتها/منزلها في نيل القاهرة، والمهددة بالطرد خلال أيام، كحلٍّ أخير بعدما فشلت في التواصل مع أي جهة للتفاهم والتوصل لحل لأزمتها المفاجئة. كان آخرها جولة مفصلة داخل المنزل استعرضت خلالها مكتبتها ومطبخها وغرف أحفادها وألعابهم وشرفتها المطلة على النيل وذكرياتها المهددة بالضياع. في نهاية الفيديو القصير نشاهد عملية إخلاء العوامة من ذلك كله، وتبدو أهداف قوية ومتماسكة لكنها لا تستطيع أن تخفي الحسرة والغضب، تطيل النظر لمطبخها الذي أحبته ورتبت تفاصيله بنفسها، وتتلمس ألعاب أحفادها وأماكن خطوهم، وتشير إلى شجرة المانغو التي أثمرت أخيراً بعد توقف دام خمس سنوات وتقول: هل سنتسلل إلى منزلنا لقطف ثمارها؟!ما القصة؟لا يوجد أفضل من أهداف نفسها لتحكي الحكاية. أنا أهداف سويف، تقول في بداية كل مقطع تبثه في صفحتها، لتروي فيه جزءاً من الحكاية التي بدأت منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، بعدما فوجئ أصحاب العوامات السكنية على نيل القاهرة بقرار إزالتها يوم 4 يوليو الجاري. أثارت القضية ردود أفعال قوية، ليس فقط لطبيعة ساكني تلك العوامات، لكن لأنها نفسها أصبحت جزءاً من تراث المصريين وذاكرتهم البصرية والمعمارية، حيث ترسو منذ مئة عام على مرسى نهر النيل في منطقة الكيت كات بإمبابة، وشهدت أحداثاً وشخصيات تاريخية، وكان لها دور في ثقافة البلاد. وبحسب التصريحات الرسمية، جاء القرار في إطار الحملات الموسعة للإزالات التي تقوم بها أجهزة الدولة ووزارة الري لكل أشكال التعديات، سواء على نهر النيل أو على الترع أو المصارف أو أي مجرى مائي. ووفقاً لتلك التصريحات، فالعوامات مخالِفة وستُزال لأنها غير مرخصة طبقاً للقوانين المتعلقة بالرسو في نهر النيل.تلقى السكان إنذاراً يفيد بقطع المرافق، المياه والكهرباء، عن العوامات قبل إزالتها بيومين، أي في 2 يوليو، لكن القرار الأخير لم ينتظر ونُفّذ بالفعل منذ أيام. قرار الإزالة مفاجئ، لكنه يأتي على خلفيه قرارات سابقة تم اتخاذها ضد أصحاب العوامات. تقول أهداف سويف: "أصبح من الواضح الآن أنها قرارات تهجيرية لإخراجنا من هذا المكان"، خصوصاً بعد اكتشاف قرار للإخلاء صدر قبل عامين من دون إبلاغ أحد. لا تستطيع أهداف أن تصدق إخراجها من منزلها بهذه الطريقة: "هذا بيتي، صنعته بيدي، وتصورت أنه بيتي الأخير، جمعت فيه أشيائي وأربي فيه أحفادي وليس لدي غيره". وهي ليست وحدها في هذه القضية، هناك عائلات أخرى ولدت في المكان وقضت عمرها كله فيه ولا تعرف مكاناً آخر غيره.يقال إن العوامات متهالكة وغير قانونية، فتردّ أهداف على الاتهام فوراً وتقول إنها تدفع رسوماً لثلاث جهات تؤكد الأوراق الصادرة عنها جميعاً أن أوضاع العوامات قانونية تماماً وأنها متواجدة في مكانها على النيل منذ ما يقرب من مئة عام، وبالتالي ليس الوضع مستجداً، بل قُنّن في ستينيات القرن الماضي ورُبطت بمرافق المدينة. يدفع أصحاب العوامات رسوم تجديد الترخيص كل عام، وهي رخصة تؤكد الصلاحية، ويدفعون لحماية النيل رسوم رسو في المنطقة، وأخيراً حق الانتفاع لأملاك الدولة نظير استخدام أرض طرح النهر للعبور للعوامة، وهذا كله يؤكد أن وضعها قانوني وأنها صالحة للاستخدام وغير متهالكة. لكن الدليل الأقوى على عدم صحة اتهامات الدولة، كما تقول سويف، هو العرض الذي تلقاه أصحاب العوامات بتغيير الترخيص إلى تجاري أو سياحي للاحتفاظ بها بعد دفع الرسوم المقررة، وهو ما ينفي بالتأكيد عدم صلاحيتها: "أنا في هذه السن وهذه المهنة أحول بيتي إلى كافيه؟ لماذا؟!"، تقول الروائية غير مصدقة.وبدأت الأزمة الحقيقية حين رُفعت قيمة هذه الاشتراكات في 2016، وهي زيادات وصفتها سويف بـ"التعجيزية"، من ثلاثة آلاف جنيه إلى 45 ألف جنيه في السنة. وارتفعت، مرة أخرى، في 2018، إلى 72 ألف جنيه في السنة، فتراكمت المديونيات ودخل أصحاب العوامات في نزاع قضائي لم يُحسم إلى أن أُبلغوا مؤخراً بقرار الإخلاء: "يبدو الآن أن الغرض الأساسي من هذا كله هو تهجيرنا والتخلّص منا. طرقنا كل الأبواب وبعض المسؤولين أكد لنا أنه لا نيّة لإخراجنا، لكن الواضح أن النية موجودة بدليل أن قرار الإخلاء اتخذ منذ العام 2020 ولم يكن لدينا علم به".تطالب أهداف سويف بالاستماع لأصحاب العوامات: "هذه بيوتنا ونحن متمسكون بها"، وتأمل في الوصول إلى حل يضمن استمرار وجود تلك العوامات كجزء من تراث القاهرة.ما الحل؟طرحت سويف أيضاً حلولاً عديدة للأزمة، تضمن لكبار السن على الأقل الاستمرار في المكان الذي لا يعرفون غيره، مع التفاوض على الأسعار المطلوبة، أو شراء الحكومة للعوامات، أو على الأقل منح أصحابها بعض الوقت لترتيب أوضاعهم ولملمة ذكرياتهم. حتى إنها اقترحت إمكانية استضافة الناس في حدائق العوامات يومين في السنة للتعرف على المنطقة وتجربة الحياة فيها! مؤكدة في الوقت نفسه أنها ستقف ضد الخطاب الرسمي الذي يصور الأمر على أنهم لا يريدون دفع ما عليهم وأنهم يلوثون ماء النهر، أو أن عواماتهم متهالكة، أو حتى أنهم يسيئون لوجه العاصمة الحضاري، أو يستعملون بيوتهم في أغراض غير شريفة، وهو الاتهام الذي تسبب في أذى نفسي كبير لأصحاب العوامات. تقول سويف: "الحقيقة ده تصوير احنا مش هنقدر نسكت عليه. سنقاومه في الإعلام في كل مكان، وسنقاومه في كل ساحات القضاء المتاحة لنا، ونطالب بتعويضات مالية عن ممتلكاتنا التي أُبعدنا عنها بعملية تهجير قسري، وتعويض عن تدمير أسلوب حياتنا، وعن الحزن والقلق الذي يسببه هذا لنا ولعائلاتنا، وعن الضرر الأدبي الذي لحق بنا جراء الخطاب الرسمي لمسؤولي الوزارات المعنية في هذه الأيام".والحقيقة إنه ربما يكون وراء هذا الاتهام تحديداً ظهور العوامات في أعمال روائية وسينمائية عديدة كمكان ناءٍ لممارسة متعة مختلسة. ففي تحليله لتناول نجيب محفوظ، مثلاً، لهذا العالم، يقول الناقد عصام زكريا: "في أعمال محفوظ تحفر العوامة صورتها البصرية كدالٍّ ثقافي على شخصيات العمل وعلى العصر. في الثلاثية تصبح العوامة موقعاً للمتعة المحرّمة، للسيد أحمد عبد الجواد العائش بشخصيتين. هذا عصر كان فيه بعض الرجال يملكون عوامة أو "غرسونيرة" (شقة صغيرة خاصة لممارسة المتعة) حيث يمكن أن يعبّروا عن شخصياتهم المتناقضة، وعن طبيعة المجتمع الفصامي العائش بشخصيتين. في "ثرثرة فوق النيل" التي يصل فيها الفصام الثقافي والسياسي إلى ذروة أزمته (مع هزيمة 1967 وانكشاف خواء الأحلام الكبيرة والفساد الذي ينخر المجتمع والأفراد) تصبح العوامة هي المكان/المجاز الأفضل للتعبير عن مجتمع يطفو، يعتقد أنه راسخ ومستقر، لكن بمجرد أن يحل أحدهم السلسلة التي تربط العوامة بالأرض، يصبحون في مهب الريح".ذكرى هذه حكاية واحدة من 31 حكاية هي كل ما تبقى من العوامات السكنية والتي تواجه القرار نفسه، وبعضها تمت إزالته بالفعل خلال الأيام الماضية، لكنها لن تكون الأزمة الأولى التي تواجه العوامات وأصحابها. إذ تشير دراسة للباحث الراحل عصام نبيل، نشرها تحت عنوان "تاريخ العوامات على نيل المحروسة"، إلى أن وزير الداخلية المصري، زكريا محيي الدين، أصدر قراراً العام 1966، بنقل العوامات كلها من الزمالك والعجوزة إلى منطقة إمبابة. وقيل إن السبب في ذلك يعود إلى عشق الوزير لرياضة التجذيف في النيل، وممارستها بشكل دوري نهاية كل أسبوع، وأنه شعر أن العوامات تشغل مسطحاً كبيراً من مياه النيل، لذا لم يتردد في إصدار القرار الذي أغضب المشاهير من عشاق العوامات والذين ارتبطوا بعوامات بعينها. فمن المعروف أنها كانت سكناً للأغنياء والمشاهير، وسكنتها أيضاً مجموعة من الكتّاب والفنانين، أشهرهم بديعة مصابني، والراقصة حكمت فهمي، ونجيب محفوظ الذي دارت بعض أعماله في تلك العوامات وسكن هو نفسه إحداها في وقت من الأوقات. وبالفعل نُقلتْ 65 عوامة من العجوزة إلى إمبابة. كما أُعدِمت 37 عوامة أخرى تحمل ذكريات وحكايات لا تنتهي، لتفتقد مصر علامة مهمة من علاماتها... "فبعدما كان النيل يحتضن 500 عوامة، فقدنا 477 عوامة، ولم يبق للذكرى سوى 33، منها 9 عوامات مرخصة فقط". للأسف، خلال أيام، لن يبقى منها أي ذكرى بعد أن يتم التخلص منها للأبد، لتخسر المدينة ملمحاً آخر مهماً من ملامح ذاكرتها المعمارية والتراثية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top