2024- 04 - 26   |   بحث في الموقع  
logo عناوين الصحف logo اسرار الصحف logo لبنان حائر بملف اللجوء السوري: العودة لخطة شرف الدين! logo لغة حماس "تتغيّر": وقف الحرب بـ1701 واتفاقية الهدنة للبنان logo الجيش يوقف 3 أشخاص لارتكابهم جرائم مختلفة logo بن غفير يرفض السماح بزيارات للمعتقلين الفلسطينيين:يضرّ بالمفاوضات logo "الجيش الوطني"يطلق سراح قائد"فرقة المعتصم"..ويلاحق من عزله logo فوز الرياضي على غوركان الايراني في سلة “وصل”
ماذا يبقى من التفكير حين يكون ايجابياً؟
2022-07-03 12:56:05

من وقت إلى آخر، ثمّة من يدعونا إلى ما يسميه "التفكير الايجابي"، وهذا من أجل جعل موضوع هذا التفكير، أكان حدثاً، أو موقفاً، كناية عن ظرف لا سلبية فيه. وهذا الظرف، وبما هو على هذه الشاكلة، له اسم، أي الفرصة، التي يمكن اقتناصها، أو الإستفادة منها.
ولكن، الدعوة الى "التفكير الايجابي"، التي تتنقل بين عالم "التطوير الشخصي" وعالم الشركة قبل أن تحط في عالم السياسة وسواه، هي دعوة مسيئة للتفكير، لممارسته، وهذا، على الأقل، بسبب أمرين:الاول، يرتبط بكون تلك الدعوة تعتقد أن التفكير بموضوع ما هو كافٍ لتحويله، يعني أنها تجد في أثر التفكير أثراً مباشراً: يكفي أن نفكر في شيء ما على نحو معين حتى يصير كذلك. فعليا، هذا التفكير، وبحسب الدعوة إياها، هو وهمي للغاية، إذ إنه، بداية، يرتفع إلى مرتبة الفاعل المطلق، أي الذي يتمتع بفعالية قصوى، مفادها أنها تنتج موضوعها على أساس اثرها فيه. وهذا، كما لو أن هذا الموضوع ليس حاضراً بنفسه قبل أثر التفكير فيه، أو بالأحرى كما لو أنه، وفي نتيجة هذا الأثر، يتحوّل لكي يتطابق معه. فموضوع التفكير، في هذا السياق، لا يقاوم التفكير، لا يبينه من دون قدرة تامة على مقاربته إلى درجة إنتاجه مثلما يريد له أن يكون. هنا، موضوع التفكير يخضع لهذا التفكير بطريقة كاملة، يستسلم لأثره، وبهذا، يبدو أنه مصنوع منه. فالتفكير، بهذا المعنى، هو بلا موضوع، يدخل في مقاربة له، وفي الوقت نفسه، يقبل بكونه، وفي حين مقاربته هذه، قد يبلغ حدوده. فيستند هذا التفكير إلى كونه لا يحتاج إلى تحقيق كشرط لاشتغال أي تفكير، وهو أنه يقبل بكون موضوعه يحدّه، فلا سلطة له عليه، ولا يمكن له ان يتحكّم به. ولكن، هذا التفكير يريد ان يسيطر على موضوعه، أن يلغيه، مستبدلا اياه بأثره. من هنا، هذا التفكير، ليس من دون موضوع فقط، بل إنه يجعل من اثره موضوعه، وهو، لكي يفعل ذلك، لا بدّ له من التوهم: توهم أنه يمتلك موضوعا، وتوهم السلطة عليه، توهم أنه يستقر على اثره فيه. ما يحمل على القول إن هذا التفكير هو جملة من الاوهام.ولكن، لماذا لا يريد هذا التفكير موضوعا؟ يمكن الإجابة لأن الموضوع، وبحضوره، يحده، يعني أنه يتجنب هذا الحد، بما هو سلبي له، أي بما هو يسلبه ما يعتقده سلطته المطلقة. في هذا المطاف بالتحديد، يمكن الإشارة الى الأمر الثاني الذي يشكل اساءة للتفكير من قبل دعوة "التفكير الايجابي". فماذا يعني تفكير بلا سلبية؟ ماذا يبقى من أي تفكير حين يتجرّد من كل سلبية، وإلغاء لكل سلبية؟ تصح الإحالة هنا المنظّرة الاميركية حنة آرندت، التي قالت ذات يوم بما معناه الا وجود لتفكير خطير، بل أن التفكير، بحد ذاته، خطير. الخطورة، باعتبارها وجهاً من وجوه السلبية، هي من أثر التفكير، وهي، في الأساس، لا تطال موضوعه، يعني لا تهدد موضوعه، بمعنى أنها ليست موجهة ضده، بل إنها، بداية، موجهة ضد ممارسي التفكير.بعبارة أخرى، التفكير خطير لأنه يسلب ممارسه الاستقرار التي تنم عن انعدامه، الجمود الذي ينم عن غيابه. فما أن يبدأ التفكير حتى ينقلب هذا الاستقرار وذلك الجمود رأسا على عقب، حتى ينسلبان من ممارسه، الذي يغادرهما إلى مجهول ممارسته. لهذا، صحيح ان التفكير الفعلي هو تفكير مزعج، ولكن، إزعاجه هو إزعاج لممارسه قبل أن يكون ازعاجاً لاي غير له، بحيث انه يحثه على مغادرة كل ما يجعل هذا التفكير ممسوكاً، ومنكمشاً، وغير ممكن. نفي السلبية من التفكير هو نفي لقوام التفكير، لقوام ممارسته، مثلما ان استبدالها بالايجابية هو تحويل التفكير من ممارسة إلى وسيلة، من طريقة مغادرة الاستقرار والجمود اللذين ينتجهما انعدامه، يعني انعدام أي اقتدار، إلى أداة من أجل الحفاظ عليهما، وبالتالي، تحاشي أي اقتدار. فالتفكير، وحين لا تكون سلبيته منفية منه، يكون ممارسة لقدرة، افلات لها، وليس تضخيماً لسلطة تطيح بموضوعها، فتواظب، عندها، على انعزالها. فالتفكير الإيجابي هو تفكير سلطة، تجد كل شيء سلبي، ولا بد من قلعه لتحافظ على انعزالها، ولهذا، هو ليس بتفكير، بل إطاحة لأي تفكير.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top