2024- 04 - 18   |   بحث في الموقع  
logo عن جريمة قتل الصرّاف سرور.. هذا ما كشفه مولوي! logo ثلاثة قرارات لوزير المالية! logo بعد رصد وترقب... "حزب الله" يستهدف الجيش الاسرائيلي في المرج! logo الدفاع المدني: رفع مخلفات غارة تسببت بقطع الطريق في الخيام logo كلاب بوليسية وانتشار أمني... ماذا يجري في الضاحية؟ logo "الموس وصل عالرقبة"... على الحكومة التحرّك فورًا! logo سلسلة لقاءات لبرّي في عين التينة logo الحلبي التقى في واشنطن مدير مكتب الدعم الفني للوكالة الاميركية للتنمية في الشرق الأوسط
"داء يظن نفسه خطأً أنه دواء"
2022-08-08 12:26:02

ثمة ما هو مُتغير في طباع كثرة من الناس، وكاتب هذا السطور منهم، لجهة "شجاعتهم" في التعبير عما يجول في خاطرهم أو وجدانهم أو شعورهم أو أحاسيسهم، فيمتدّ الحديث في التفاصيل الحميمة الخاصة، مروراً بالعادية، أو في الأمور الصغيرة والكبيرة. هم أدمنوا على الكلام المباح والأحاديث الإعترافية عما يحدث معهم. تجدهم لا يستلذون بالكلام مع أشخاص قائمة أحاديثهم على العموميات، هم يكرهون السطح من الكلام والمُضمرات والرموز والإشارات والأحجيات. يفضلون الغوص في أعماق أنفسهم، وأنفُس مُحدثيهم، ولا يرتاحون إلا حين يعثرون على الأسرار الخاصة والشخصية خلف الأبواب البعيدة. وحتى في المجال الأدبي، راجت موجة الأعترافات الشخصية التي تحدث الصدمات في وجدان متلقيها، مع شيوع آراء تقول تفيد بأن الاعترافات تحولت نوعاً من "ماركتنغ أدبي"، والكثير منها، يغلب عليه التأليف والتدبيج السردي، فيما لا أساس له في الواقع.
لا شكّ أن موضوع الاعترافات فيه الكثير من التشعبات والتكهنات، والكثير من الصور النمطية، والكثير من القيل والقال. أحياناً يُحسّس المعالجُ زبونَه أنّ عليه أن يزوره بشكل دائم، لأنه في حاجة إلى ذلك، ويتماهى الزبون مع الفكرة ويطبّقها... والبعض يظنون خطأً أنّهم اكتشفوا سرّ ما يُؤرقهم من خلال زيارة المعالج، يتعارفون على بعضهم البعض أو يعثرون على بعضهم من خلال هذه الشيفرة القائمة على الإعتراف الدائم والبوح المستمر، ومن فورهم يطمئنون إلى بعضهم البعض، كونهم من رواد المحللين النفسيين. تلك صفة عامة فيهم، فيتحدثون عن مُحلليهم كما يتحدثون عن حيواناتهم الأليفة التي يحبونها، ذلك أن العلاقة مع المحللين النفسيين تُمسي علاقة وطيدة. ويحرصون على تأمين المبالغ اللازمة، رغم إرتفاع أسعار ما يتقاضاه المُحللون، يداومون لفترة، فإما أن يتم تحويلهم إلى طبيب نفسي مخول تحرير لائحة أدوية، أو يَملّون بعد أن يكتشفوا أن لا جدوى من تكرار الزيارة، لأن العلاقة مع المحلل بعد هذه المدة الطويلة لم تأت بنتيجة تذكر.
من بين بعض الأمور التي واجهتها، أو تقصيتُ عنها بعد التجربة، أن بعض الزبائن أو المواطنين، يغادرون عيادات المحللين، ولا يعودون إلى تكرار المحاولة مجدداً، مصطحبين معهم من هذه التجربة القصيرة أو عادة البوح والاعتراف، ما يشعرون أنها لوثة أصيبوا بها. فهم غير قادرين على وضع حد لعادة تجعلهم يتشابهون مع سكان الغرب الذي بدأ ناسه رحلة تحولهم إلى "حيوانات اعترافية" منذ القرون الوسطى وعلى يد الكنيسة الكاثوليكية التي فرضت "الاعتراف" على رعاياها لمحاربة الجنس واستيهاماته والانحرافات (كما سُمّيت آنذاك) في محاولة منها لإقصاء "مبدأ اللذة" عن حياتهم وقصر الجنس على وظيفة التكاثر، ويذكر الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو في كتابه "تاريخ الجنسانية"، كيف ورث التحليلُ النفسي مبدأَ الاعتراف من الكنيسة. وهنا يمكن طرح سؤال: هل باتت شريحة لا بأس بها منا، وبفعل الأزمات والحروب، "حيوانات اعتراف"، بفعل تمدّد التحليل النفسي وانتشاره في كل مسرب من مسارب حياتنا؟! في بعض البرامج الاجتماعية الباحثة عن الرايتنغ، نشاهد عشرات الشخصيات التي تبوح بتفاصيل أمام مقدم البرامج، وذلك ليس لأن هذه الشخصيات تحب الاعتراف، بل لأن الجمهور يتعطش للحكايات الخاصة والخصوصيات من خلال التلفزيون، وإن كان بعضها مصدره الفبركة، ويرتبط بقدرة الضيف على صناعة الحكاية والإدلاء بها بلا تصنّع.
في الآونة الأخيرة سجل بعض الصحافيين، أو مُجيدي صوغ المقالات، في مواقع ومنابر إعلامية، تجاربهم مع الخضوع للتحليل النفسي. وغالبيتها لا تؤشر وصول الذين يعانون نفسياً الى نتائج مبهرة أو جديرة بالثناء، مع خوفهم من الوقوع في متاهة لا مخرج منها، خصوصاً متى ما جاء الدور عليهم في تناول العقاقير النفسية، وما يمكن أن ينتج عنها من تأثيرات جانبية في أعضاء الجسد، بل إن بعض الكتابات حذّر من نماذج معينة من المعالجين النفسيين.
تحاول الحضارة الغربية المركزية أن تكون بقية العالم على صورتها، ومع ذلك، حاول مفكّرون من أبناء جلدتها تقديم آرائهم في علوم هذه الحضارة، ومن هنا أتت عبارة كارل كراوس الشهيرة حين وصف التحليل النفسي بأنه "داءٌ يظن نفسه خطأً أنه دواء".


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top