يمكن للسوريين الموت بطرق متعددة، رصاص طائش أو براميل متفجرة، أو تعذيباً في المعتقلات سيئة السمعة، أو قهراً بالظروف الاقتصادية الخانقة. ويمكن لهم أيضاً الموت غرقاً في مجاري الصرف الصحي، مثلما حصل لفتاة من مدينة اللاذقية، توفيت خلال العاصفة التي شهدها الساحل السوري، الخميس.
والعاصفة التي لا ترقى إلى مستوى إعصار مدمر مثلاً، يجب أن تكون أمراً عادياً لو حصلت في بلد تقوم فيه السلطات بواجباتها الطبيعية، لكن في سوريا الأسد حيث تنحصر مهمة الحكومة في قمع الأفراد والإشراف على مشاريع الفساد، تكررت مشاهد الفيضانات التي حصلت في اللاذقية تحديداً خلال الأسابيع الأخيرة.ونشر السوريون في مواقع التواصل الاجتماعي، قصة غرق الشابة ندى داؤد (25 عاماً)، وهي مهندسة، مع والدتها، في الصرف الصحي الذي تركت فوهته مفتوحة، بعدما جرفتهما الأمطار. كما توفي شاب آخر نتيجة تعرضه لصاعقة على الكورنيش.وقالت محافظة اللاذقية عبر صفحتها الرسمية، بعد المطالبات المتكررة للأهالي الغاضبين بتفسير ما حدث، أنه"تمّ الإبلاغ عن فقدان الفتاة في موقع تنفيذ مشروع خط مطري عند أوتوستراد الثورة، بعد إنقاذ والدتها في الموقع". وأوضحت المحافظة أن "المشروع يتم تنفيذه من قبل مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية بإشراف شركة الصرف الصحي، وتمت المباشرة به منذ 10 أيام تقريباً ضمن الإجراءات المتخذة كحلول للتخفيف من الضغط المائي عن منطقة دوار عدن". ونقلت تصريحات لمحافظ اللاذقية، عامر اسماعيل هلال، توعد فيها باتخاذ الإجراءات الجنائية المطلوبة بحق الجهة المنفذة والمشرفة على الموقع في حال ثبوت أي تقصير، إضافة إلى توقيف المقصرين احترازياً لحين انتهاء التحقيقات، حسب تعبيره.من جهته، طالب عضو مجلس مدينة اللاذقية، معن سلامة، باجتماع عاجل لمجلس مدينة اللاذقية وجلسة استثنائية على خلفية الحادثة، داعياً لتشكيل لجان تحقيق ومحاسبة، ما أثار سخرية واستياء إضافيين، لأن تلك الإجراءات لا تقدم ولا تؤخر ولا توصل إلى نتيجة.وبعد ساعات طويلة من غرق الشابة، تم إنقاذ والدتها بـ"أعجوبة"، وتم التركيز على حادثة إنقاذ الأم في وسائل الإعلام الرسمية والصفحات التابعة لحزب البعث الحاكم وتلك التابعة للمخابرات في "فايسبوك" باعتبارها "إنجازاً للقوى الأمنية"، فيما تم التعتيم على وفاة الابنة أو اعتباره قضاء وقدراً مع مطالبة السوريين بـ"الدعاء لها" فقط.وتداولت صفحات محلية صورة ملتقطة عند الكورنيش الغربي للمدينة، وتظهر غرق السيارات بشكل شبه كامل، فيما نقلت صفحة "شبكة أخبار جبلة الأولى" أن مدخل اللاذقية من اتجاه مديرية النقل، مقطوع بالكامل والسيارات غارقة في المياه، في مشاهد تظهر فقط مدى الانهيار الحكومي والخدمي الذي يعانيه نظام الأسد.وباتت القضايا الخدمية موضع استياء دائم مع عجز النظام عن القيام بواجباته في ملفات متعددة. وفيما كانت طوابير الخبز والبنزين وغيرها، حاضرة في مواقع التواصل خلال الأعوام الماضية، قمع النظام مواطنيه وهدد باعتقال كل من ينتقد الحكومة بقانون "الجريمة المعلوماتية"، لكن حوادث من هذا النوع، تجد طريقها إلى السوشال ميديا وتفضح دعاية النظام حول النصر وعودة الحياة إلى طبيعتها.