2024- 04 - 26   |   بحث في الموقع  
logo لبنان حائر بملف اللجوء السوري: العودة لخطة شرف الدين! logo لغة حماس "تتغيّر": وقف الحرب بـ1701 واتفاقية الهدنة للبنان logo الجيش يوقف 3 أشخاص لارتكابهم جرائم مختلفة logo بن غفير يرفض السماح بزيارات للمعتقلين الفلسطينيين:يضرّ بالمفاوضات logo "الجيش الوطني"يطلق سراح قائد"فرقة المعتصم"..ويلاحق من عزله logo فوز الرياضي على غوركان الايراني في سلة “وصل” logo مشروعان لتنظيم البث التلفزيوني المدفوع بلبنان:ما الفارق بينIPTV وOTT؟ logo بعد مرور 6 أشهر... تقريرٌ فرنسي يظهر انقسام الرأي العام الإسرائيلي بشأن حرب غزة
المنتخب الإيراني:نشيد وطن أم شهادة ولاء
2022-11-27 07:25:59

تتسع دلالات ومعاني مونديال كرة القدم مع الزمن. فبعد أن كانت مجرد مناسبة تسلية ولعبة تنافس ترفيهية، أو تحمس لفريق ضد فريق آخر، أو إظهار مهارات وتقنيات واستراتيجيات دفاع وهجوم وبراعة تسجيل أهداف، باتت مشهداً كونياً، مناسبة فرح واحتفال، لحظة تواصل إنساني، وسيلة ردم الهوة بين الثقافات، تعطيل مؤقت للعداوات والقطائع، إلغاء الفوارق والتراتبيات بين الدول، محطة احتكاك وتقارب وتفاعل بين خصوصيات وهويات وإثنيات متعددة، فرصة إثبات ذات وإظهار افتخار قومي وتعبير عن ولاء وطني، علامات تماسك أمة ونهضة مجتمع ونبوغ شعب.
باتت المونديال واسطة للرسائل السياسية والمواقف الاحتجاجية والبيانات التضامنية مع المهمشين والمقهورين والمنكسرين. باختصار، تحولت المونديال إلى ظاهرة إنسانية محملة بمعطيات ومؤشرات ووقائع، تعكس أحوال وميزات العالم والدول والمجتمعات في تقاربها وتباعدها، طموحاتها وتطلعاتها، إنجازاتها وإخفاقاتها، أزماتها واستقرارها.
كان مشهد لاعبي المنتخب الإيراني، بِامتناعهم عن أداء النشيد الوطني الإيراني، هو المشهد الذي خطف أضواء المونديال في قطر وأسر أنظار العالم وحرك فائض الأسئلة. مشهد محمَّلٌ بوجع مختنق وعبرة محتبسة، بكبرياء وطني مجروح، بزهو فارسي متألم، بعنفوان شيعي محبط، وإصرار إنساني منهك. مشهد صامتٌ فاقت سيميائيتُه الكلمات والتعابير المنطوقة بعد أن رسم صورته وجوه اللاعبين وتضاريس جباههم وتحدي نظراتهم. صمتٌ أظهر حقيقة الاشياء من داخل باطنها المخفي وجوفها المستور، أفشى سر المعلن وكشف اصطناع هيئته وهشاشة صورته وزيف ادعاءاته.
امتناع المنتخب عن إنشاد نشيد بلاده الرسمي، يحمل دلالة عميقة وخطيرة، لا يكفي تفسيره رسالةَ احتجاج ضد تعسف وقمع النظام الإيراني في الداخل، وإن كان كذلك، بل لا يكفي القول بأنه تعبير عن عمق الفجوة بين النظام والمجتمع، وإن كان ذلك صحيح أيضاً. فالامتناع يعني أن هذا النشيد برموزه وكلماته وإيقاعه ومضامينه لا يمثلني (الضمير للاعبي المنتخب) ولا يعبر عن هويتي وثقافتي وحقيقتي وحضارتي. هذا النشيد ليس إلا اختزالاً لما أنا عليه وما أتوق أن أكونه، تحجيم بل خنق لما أفاخر به وأتباهى أنه نابع مني ومن وجداني ومعنى وجودي. هذا النشيد ليس إلا أداة أيديولوجية لتطويعي وتأطيري داخل قالب ذهني ومعنوي وصياغات رمزية مصطنعة ابتكرته قوى السلطة الحاكمة، لا ليطلق إمكاناتي ولكن لأكون من ملحقاته وفي عداد الموالين والخاضعين له.
حين ينشأ جيلان بعد الثورة، يجدان في نشيد بلادهم غربة عنه واغتراباً بينهم وبينه، حين يرون في عَلَمِهِم هذا الشيء القابع هناك فوق أبنية السلطة وقلاعها ومؤسساتها، لكنه لا يدخل إلى بيوتهم، ولا يتغلغل معناه إلى قلوبهم ووجدانهم، ولا يجسد تعابيرهم ونمط حياتهم، ولا يجدون في خطوطه وإيماءته وإيحاءته أنفسَهُم وآمالهم وتطلعاتهم، ولا عزاء لألمهم ووجعهم وباعثاً لقيامهم من تحت الأنقاض، ولا استحضاراً لتاريخهم وائتماناً لذاكرتهم. بل لا يرون فيه سوى رمزٍ للسلطة وجزء من أدبياتها الأيديولوجية ووسائل تعبئتها وشهادة الولاء لها. عندها ندرك أن هذا النشيد ليس مرآة للمجتمع ولا رمزاً لروحه وتطلعاته أو تجسيداً لإرثه العريق وثقافته الغنية، بل هو صورة النظام ورايته، بيانه وخطابه، منطقه وعقله، وسيلة أمنه الذاتي وأمانه، عدة انتشاره وسطوته، أجهزة تطويعه وأداة انتظامه.
لهذا يحمل علم النظام الإيراني تعلقاً ودلالة داخل جمهوره ومواليه وأتباعه فقط، حتى لو كان هذا الجمهور خارج إيران وفي الأمكنة البعيدة عن حدوده. ما يجعله راية ولاء وانقياد، وعلامة فرز داخل المجتمع نفسه، بين من هو مع ومن هو ضد، بين الموالي والمعادي. بالتالي لا يعود رمزاً لأمة أو تجسيداً لشعب أو تعبيراً لمجتمع خاص ذي عراقة حضارية كبرى، كالمجتمع الإيراني، يملك حرية سكب روحه في تلاوين علمه الوطني وتجسيد ماضيه السحيق وتطلعاته البعيدة في رموزه وخطوطه. فلا يكون العَلَمُ بذلك صفة النظام بل صفة المجتمع، ولا يبقى ملازماً للنظام في حلّه وترحاله، بل يكون سمة شعب ورمز أمة قادر على الاستمرار بذاته مهما تغيرت تعاقبت الأنظمة عليه.
لن تجد رسالة رمزية بهذا العمق وهذه الشدة والقساوة ضد نظام ما يزال في حالة إنكار قصوى لحقيقة وجدية ما يحصل. نظام سابح في ذاتية حالمة، ولم يدرك أن مشكلته الفعلية أكبر من مجرد التعامل مع متظاهرين ومحتجين، كثُر عددهم أم قلَّ. فمأزق النظام ومصدر حرجه الكبير جاوز مشكلة تنكره للأزمة وتخبطه وارتباكه في معالجتها، وبات أبعد من صورته المشوهة في نظر العالم جراء وحشيته ضد شعبه. مأزق النظام هي نفسه ومع نفسه وليس في المجتمع الرافض له فحسب، في ثقته المفرطة بأنه قادر على إنتاج مجتمع جديد يطابق مثالاً متخيلاً مهما طالت المدة، في اعتقاده بأن الزمن يعمل لصالحه مهما كانت إخفاقات الماضي ومآزق الحاضر، وأن موانع فكرته وعقبات مشروعه يكمنان في كثرة الشرور وخبث النفوس وإصرار الناس على الخطيئة لا في عقم فكرته وتعارض مشروعه مع طبائع الأمور وتوترات الحياة وتدفقاتها وتحولاتها.
من جديد، ليست المشكلة الراهنة في إيران دينية. أي ليست صراع اصطفافات بين إيمان وكفر، تقوى وفسوق، أصالة وتغرب، بل مشكلة ما الديني وغير الديني أي مشكلة صراع تأويلات للديني نفسه، ومشكلة من الذي يملك سلطة تقرير مساحات التقاطع والتباين بين الديني وغير الديني وتحديد من هو خارج حظيرة الدين ومن هو داخله، أي مشكلة شرعية السلطة ومصدر شرعيتها وحدود صلاحيتها. هي مشكلة تترجم نفسها في السياسة والحكم: إما وصاية على المجتمع بمسوغات دينية وتقمصات قداسة، وإما سيادة المجتمع على نفسه بموجب ما تقتضيه الحرية الإنسانية وحدها.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top