2024- 04 - 25   |   بحث في الموقع  
logo غياث المدهون يحضر لها يداً مقطوعة logo درجات الحرارة الى انخفاض.. استعدّوا للأمطار! logo خبر حزين.. من نادي الرياضي بشأن كأس لبنان لكرة السلة logo إليكم جدول مباريات نصف نهائي بطولة لبنان لكرة السلة! logo العهد الى نهائي مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم logo قدامى الشراع يكرمون الكابتن فواز الذهب..  logo أرسنال يكتسح تشيلسي في دربي لندن logo الشرطة تقتحم أحد أندية الدوري الإنكليزي.. للقبض على لاعبين بتهمة الاغتصاب!
هل يمكن فصل الدين..عن الدولة اليهودية؟
2022-11-28 00:25:55

لا شك في أن قرب تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل ستكون السادسة التي يترأسها زعيم حزب الليكود واليمين الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتضم على نحو خاص أحزاب اليهود الأرثوذكس (الحريديم)، أعاد إلى صدارة الاهتمام موضوع العلاقة بين الدولة الإسرائيلية والدين وجملة الإشكاليات المرتبطة به. وهو موضوع لا يمكن القول إنه اختفى من الأجندة الإسرائيلية، بالرغم من أن أحزاب أولئك اليهود بقيت خارج الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها (2021-2022). بل يمكن القول إن مؤشرات انهيار تلك الحكومة بدأت مع إقدام رئيسة كتل الائتلاف المنضوية ضمن تلك الحكومة في الكنيست الإسرائيلي، عضو الكنيست عيديت سيلمان (من حزب رئيس الحكومة نفتالي بينت، "يمينا"، وهو أحد أجنحة الصهيونية الدينية ويتسّم بإتباع سياسة براغماتية)، على تقديم استقالتها من منصبها والانسحاب من الائتلاف، ما جعله مستندًا إلى تأييد 60 نائبًا من مجموع 120. فقد سوّغت سيلمان خطوتها هذه بحجة وجود خلاف مع وزير الصحة الإسرائيلي، نيتسان هوروفيتس (زعيم حزب ميرتس "اليساري الصهيوني")، بسبب إصداره تعليمات تقضي بالالتزام بقرار صدر في وقتٍ سابقٍ عن المحكمة الإسرائيلية العليا ويقضي بإبطال سياسة تتبعها المستشفيات الإسرائيلية وتمنع بموجبها إدخال طعام يشتمل على الخميرة وكل مشتّقاتها إلى المستشفيات في أثناء عيد الفصح اليهودي. ووفقًا لما شدّدت عليه سيلمان، فإن "عدم التقيّد بتطبيق أنظمة الطعام اليهودي الحلال في المستشفيات خلال أيام الفصح اليهودي يُلحق أضرارًا فادحة بالهوية اليهودية لإسرائيل وشعبها"، معتبرةً أي مساس بها خطًا أحمر بالنسبة إليها. وكان من الواضح آنذاك أن موقف وزير الصحة ناجم عن كونه زعيمًا لحزب إسرائيلي يتبنى مواقف وتوجهات علمانية بيّنة، وفي أحيان معيّنة تدفع به هذه المواقف، مثلما تدفع غيره من العلمانيين الإسرائيليين، إلى طرح مطلب فصل الدين عن الدولة.
فهل بالإمكان فعلًا تحقيق مطلب فصل الدين عن الدولة في نموذج إسرائيل؟ وإلى أي مدى يشكّل هذا المطلب عنصرًا قويًا في اندلاع مواجهة حاسمة بين العلمانيين والمتدينين في المجتمع الإسرائيلي؟
في الظاهر يبدو الخلاف بين العلمانيين والمتدينين في إسرائيل خلافًا حادًّا للغاية، ولكنه في الباطن لا ينطوي على طاقة التصعيد الذي يستجرّ الحسم.
وما ينبغي أن يستوقفنا في وارد الإجابة عن السؤالين المطروحين أعلاه، هو ما يلي:
أولًا، أن نفوذ الأحزاب الدينية والأرثوذكسية في إسرائيل ما زال قويًا وهكذا سيظلّ، وتجربة الأعوام الفائتة تدل على أن أربع حكومات إسرائيلية فقط تشكلت من دون هذه الأحزاب (قبل الحكومة المنتهية ولايتها)، وذلك في الأعوام 1974 و1992 و1995 و2013، ومع هذا فإن الأحزاب التي اشتركت في ائتلافات هذه الحكومات الأربع اهتمت بالحفاظ على مصالح الأحزاب الدينية لأنها كانت تدرك أنه سيأتي وقت تكون فيه بحاجة إلى دعمها. وعلى الرغم من أن الأحزاب اليمينية هي التي كانت تحرص دومًا على "تحالفها التاريخي" مع الأحزاب الدينية إلاّ إن حرص الأحزاب اليسارية الصهيونية على هذا الأمر لم يكن أقل من حرص أحزاب اليمين. وبالتالي، ما دامت الحال مستمرة على هذا المنوال فإن احتمالات تغيّر الخريطة السياسية في إسرائيل، واحتمالات حدوث انقلاب جوهري في العلاقات بين المتدينين والعلمانيين، ستبقى ضئيلة للغاية.
ثانيًا، أن وجود نظام الحكم في إسرائيل (يصفه بعض الأكاديميين الإسرائيليين بأنه إثنوقراطي، وبالأساس في ظل تعريف الدولة لنفسها بأنها يهودية أو بالأصح دولة قومية للشعب اليهودي) مرهون باستمرار علاقته الوثيقة بالدين. وهنا ينبغي أن نشير إلى أنه حتى الجهات التي تزعم أنها تريد الحفاظ على إسرائيل كدولة ديمقراطية بالرغم من كونها يهودية، على غرار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (تأسس عام 1991)، ترى أنه لا يجوز فصل الدين عن الدولة في إسرائيل بتاتًا. وقبل أعوام تصدّى باحثون في هذا المعهد لمطالبة أوساط يهودية من الولايات المتحدة بتطبيق النموذج الأميركي المتعلق بالفصل التام بين الدين والدولة، على الحياة الدينية في إسرائيل أيضًا، واعتبرت هذه الأوساط نفسها أن الموقف الإسرائيلي الرافض لهذا الفصل يشكل مسًّا خطرًا بحقوق الفرد، وبكون إسرائيل دولة غربية ليبرالية. وبحسب ما أكّد باحثو المعهد من السهل تفهّم مثل هذا الموقف في السياق الأميركي، وربما يكون العامل المركزي الذي أتاح لأقلية دينية مثل اليهود إمكان التطوّر والازدهار والتمتع بمكانتها الحالية بمنأى عن أشكال التمييز والاضطهاد التي عانت منها في أماكن أخرى مثل أوروبا، ولكن برأيهم ثمّة أسباب وجيهة تبرّر انتهاج "موقف مضاد" في سياق إسرائيل.
ومن أبرز تلك الأسباب التي أوردوها:
أولًا، خلافًا للولايات المتحدة التي تعتبر من أبرز نماذج "دولة جميع مواطنيها" والتي لا توجد فيها، من الناحية الرسمية على الأقل، فجوة بين تعريف المواطنة وتعريف الانتماء القومي، فإن إسرائيل ترى نفسها "دولة قومية للشعب اليهودي"، مع وجود اختلاط في إطار الهوية اليهودية على مرّ الأجيال بين البُعدين القومي والديني ولا يجوز الفصل بينهما. ومع أن اليهودي، في قراءتهم، غير مُلزمٍ بالمحافظة على فرائض وتعاليم الدين كي يعتبر يهوديًا ولكنه سيفقد هذا التعريف أو الاعتبار حتى على المستوى القومي إذا ما غيّر ديانته واعتنق أي ديانة أخرى، وفق ما قضت المحكمة العليا في إسرائيل أيضًا.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه في الجلسة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي يوم 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 لإحياء ذكرى مرور 48 عامًا على وفاة رئيس الحكومة الأول، ديفيد بن غوريون، اختار وزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل، يائير لبيد، الذي يعتبر نفسه علمانيًا، أن يعيد إلى الأذهان أن مقاربة بن غوريون حيال العلمانية اتسمت أكثر من أي أمر آخر بكونها ليست نقيض الدين أو التديّن بل هي تُشكّل أحد تيارات اليهودية، علمًا بأن ثمة شبه إجماع بين الباحثين الإسرائيليين على التشكيك باحتمال وجود "علمانية يهودية" وإن كان بالإمكان العثور على علمانيين يهود. ومما قاله لبيد حرفيًا: "إذا كنت علمانيًا إسرائيليًّا فأنت عمليًّا تقليديّ محافظ. وقد لا تكون محافظًا على إقامة الشعائر والفروض الدينية، ولكنك يهوديّ من اللحظة التي تصحو فيها صباحًا وحتى اللحظة التي تغمض عينيك فيها ليلًا وتغرق في أحلامك بلغة التناخ"!
ثانيًا، جوهر الثقافة اليهودية، من الناحية العملية أيضًا، ينبع من عالم اليهودية الديني، وبالتالي فأي فصل مبدئي بين الدين والدولة يمكن أن يلزم الدولة اليهودية بالانفصال عن "جوهرها" أو "مضمونها الثقافي"! في ضوء هذين السببين وغيرهما، أكد الباحثون في "معهد الديمقراطية" أن المطالبة بالفصل التام بين الدين والدولة في إسرائيل تواجه رفضًا شديدًا وجارفًا ليس من جانب الأحزاب الدينية فقط، إنما أيضًا من جانب قطاعات واسعة، دينية وتقليدية، في صفوف الجمهور الإسرائيلي بشكل عام، كما أن أكثرية الجمهور العلماني ليست معنية بذلك في الحقيقة. ولعل ذلك هو السبب الذي يجعل بعض الساسة الإسرائيليين الذين يتبنون مواقف علمانية لا لبس فيها، يكتفون بترديد شعار "فصل الدين عن الدولة" في خطبهم الدعائية فقط من دون طرحه كمطلب للتنفيذ العملي.
ثالثًا، إن طبيعة العلمانيين في إسرائيل ملتبسة وإشكالية، ذلك بأن جزءًا كبيرًا من اليهود الإسرائيليين العلمانيين يؤكدون أنهم يحافظون، بقدر معيّن، على العادات والتقاليد الدينية. فمثلًا بموجب النتائج التي أظهرها "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية"، قبل أعوام قليلة، فإن 32 بالمئة فقط من هؤلاء العلمانيين قالوا إنهم لا يحافظون على هذه العادات والتقاليد مطلقًا. كما تبين أن ثلث المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق فقط قالوا إنهم لا يحافظون بتاتًا على العادات والتقاليد الدينية اليهودية. وكان تحليل شامل ومعمق لأنماط السلوك الدينية في إسرائيل، سبق أن أنجزه "مركز غوتمان" و"صندوق آفي- حاي"، قبل عدة أعوام، أظهر أن الأغلبية الساحقة من اليهود الإسرائيليين العلمانيين يحافظون على تقليد واحد أو أكثر من العادات والتقاليد الدينية، مثل أكل الطعام الحلال (كاشير)، والامتناع عن السفر كليًّا في أيام السبت، والصوم في يوم الغفران أو في عيد الفصح اليهودي، وإضاءة الشموع في عيد الأنوار (حـانوكا). وتعتبر هذه الأغلبية مستقرة على مدار أعوام طويلة، حتى لدى توحيد السؤالين المتعلقين بمدى التدين، ومدى الحفاظ على العادات والتقاليد الدينية، ولدى توزيع الأجوبة على سبع فئات، مثلما حدث لأول مرة في الدراسة المشتركة لـ"مركز غوتمان" و"صندوق آفي- حاي" المذكورة. أمّا الفئة الأكثر شيوعًا، وتشمل نحو ثلث عموم السكان اليهود الإسرائيليين، فهي للذين يعتبرون أنفسهم علمانيين ويلتزمون بتطبيق بعض الشرائع الدينية. ولعل الاستنتاج الأهم هو أن هناك تقسيمًا قارًّا للجمهور اليهودي الإسرائيلي عماده ثلاث مجموعات رئيسية على النحو التالي: نصف الإسرائيليين يعتبرون أنفسهم علمانيين، ونحو 30 بالمئة يعتبرون أنفسهم محافظين، و20 بالمئة يعتبرون أنفسهم متدينين أو حريديم (أرثوذكس). غير أنه على الرغم من ذلك النصف الذي يجاهر بعلمانيته، فإن نحو خُمس اليهود الإسرائيليين فقط يعلنون أنهم لا يحافظون على العادات والتقاليد الدينية مع ما قد يعنيه هذا من التزام بيّن، وإن النمط السائد لدى هؤلاء هو المحافظة على بعض هذه العادات والتقاليد داخل مجموعة كبيرة من الإمكانيات. وهكذا، فإنّ "بروفايل" المجتمع اليهودي الإسرائيلي من ناحية أنماط علمانيته، بموجب هذا الاستطلاع، إنمّا يشفّ عن حال تبدو ملتبسة للغاية تحتل التقاليد والعادات الدينية فيها موقعًا حاسمًا حتى لدى المجاهرين عيانًا بيانًا بأنهم علمانيون.
ولعلّ آخر ما يتعيّن الوقوف عنده هو أن معظم اليهود العلمانيين في إسرائيل وكذلك "معهد الديمقراطية" لا يضيرهم أن الدولة اليهودية تتخذ لنفسها رموزًا ذات خلفية دينية، أو أنها تضع قيودًا في مجالي الحرية الفردية والملكية العامة تنبع من قيمٍ دينية صرفة، وكل ما يركزون عليه هو أن تمتنع الدولة عن إجبار الفرد اليهوديّ على إتباع أنماط حياة وقواعد مأخوذة من العالم الديني فقط، ومعركتهم في هذا الشأن تتركز في المقام الأول على تحقيق هدف إلغاء حصرية النظام الديني الأرثوذكسي المُطبّق في إسرائيل وخصوصًا في ما يرتبط بشؤون الأحوال الشخصية، مثل تسليم الاحتكار في ما يتعلق بالزواج والطلاق إلى أيدي الحاخامية الرئيسية بدلاً من إتباع الزواج المدني. وقد تفاقمت هذه المشكلة بشكل كبير بعد موجة الهجرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق في تسعينيات القرن العشرين الفائت، حيث عرّفت إسرائيل أكثر من 300 ألف مهاجر بأنهم "يفتقرون إلى ديانة"، ولذلك فإنهم لا يتمكنون من الزواج في حدود الدولة.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top