بعد المقال الأول عن مسيرة عشرة أعوام جمعت روميو لحود والفنانة صباح قبل القطيعة، هنا الحلقة الثانية عن حقيقة الخلاف بين لحود وزوج صباح، النائب جو حمود..في صيف 1970، اكتشف روميو لحود في بعلبك مغنية جديدة أطلق عليها اسم "مجدلا"، وقدّمها في بعلبك، حيث لعبت دور البطولة في مسرحية بعنوان "الفرمان"، وغنت فيها مجموعة من الأغاني وضعها مكتشفها بمشاركة زكي ناصيف وعصام رجي وبوغوص جيلاليان. لأسباب مجهولة، تخلّى لحود سريعاً عن مجدلا، وعاد إلى صباح، وقدّم معها في 1971 كوميديا غنائية من تأليفه واخراجه حملت عنوان "فينيقيا 80".قُدّمت هذه الكوميديا في مسرح حمل اسم روميو لحود، كما يقول الإعلان، في بناية اوتيل مارتينيز، في شارع فينيسيا، وفيها غنت النجمة من كلمات وألحان روميو لحود "تشرفنا بمعرفتك"، وBecause I Love You إضافة إلى أغنية "رزق الله على أيامو"، التي كتب كلماتها لحود، ولحّنها عصام رجي. في هذه المسرحية لعبت الشحرورة دور سفيرة أميركا التي تقع في غرام سفير روسيا الذي لعب دوره جوزيف عازار، ولعب الياس الياس دور ملك يُدعى للّوس، كما أدى سمير يزبك دور المرافق، وعصام رجي دور رئيس التشريفات، واشترك في هذه الكوميديا 23 راقصاً وراقصة. تميّزت المسرحية بطابعها المودرن، وحصدت نجاحاً كبيراً، واحتلّت صورة نجمتها خلال عرضها أغلفة سبع مجلات.تابع روميو لحود العمل مع صباح من دون انقطاع، وقدّم معها في الصيف "العواصف" في الأرز و"مهرجان" في بعلبك. في هذين الاستعراضين، غنت صباح أغاني عديدة من كلماته، منها من تلحين عصام رجي: "أسمك عالي"، "ضيعنا الطاسة"، "لما عطريق العين"، "معلق ومطلق"، و"يا ناس الدني دولاب"، ومن تلحين محمد مطر: "اخدوا الريح"، ومن تلحين لحود "بكرا بتشرق شمس العيد"، كما غنّت صباح في بعلبك قصيدة "أنت يا لبنان مجدٌ سرمدي" التي وضعها عمر أبو ريشة ولحّنها لحود.في "فينيقيا 80"، خرج روميو لحود عن التقاليد الفولكلورية التي التزم بها طويلاً، واعتمد كوكتيلاً عجيباً من نوعه، وتمثّل هذا المزج في ظهور بعض الممثلين على المسرح في أزياء شعبية تقليدية، وظهور البعض الآخر في أزياء "مستقبلية" مستوحاة من قصص وأفلام ومسلسلات "الخيال العلمي"، مثل فيلم "بارباريلا" الذي أخرجه جورج فاديم وقامت ببطولته جين فوندا في 1968، ومسلسل "ستار تريك" الذي عُرض في ثلاثة أجزاء بين 1966 و1969، وتدور أحداثه حول كابتن كيرك وطاقم سفينة "انتربرايز" في استكشافهم للفضاء. في فصلَي المسرحية، ظهرت صباح تباعاً في شورت مطرز بالخرز، وشورت من الجِلد، ومعطف ماكسي من الفراء الأبيض، وبيجاما من اللون الأبيض عارية الظهر، مكشوفة الصدر، وأثارت بهذه الأزياء ضجة كبيرة، وأضحت حديث البلد.بهذا الكوكتيل العجيب، عاد لحود مع نجمته إلى بعلبك في الصيف، وقدّم "المهرجان"، وحاول المزج بين الفولكلور الذي ألفه، والفنون المودرن الذي جذبه. قيل له يومها: "جنيت على الفولكلور، قدّمت الجيرك وسط الميجانا والعتابا، وضعت الشورت إلى جوار الشروال، حاولت أن تضيّع صورة الماضي الحلوة في أضواء اليوم المبهرة". فردّ قائلاً: "الواقع إني هدفت إلى اجراء مقارنة بين الفولكلور المطوّر وفولكلور الضيعة والفن المودرن، وتركت الكلمة الأخيرة للجمهور، لكن النقاد التقطوا الخيط، وحوّلوه إلى سوط، وجلَدوني به".في العام التالي، واصل روميو لحود العمل على مسرحه في فندق مارتينيز، وقدّم مع صباح كوميديا غنائية أخرى، اقتبسها عن مسرحية فرنسية شهيرة من نوع ما يُعرف بالفودفيل، وأطلق عليها عنوان "مين جوز مين". في هذه الكوميديا الغنائية، غنت صباح من كلمات وألحان لحود "إتأخرنا تجينا"، "كانت مرقة طريق"، "فايق لم كنا عنا"، "على طول يا حبيبي ناطر"، كما غنت من كلماته ومن ألحان عصام رجي "لما عطريق العين" و"سعيدة ليلتنا سعيدة". ومن المفارقات الغريبة، مثل "فينيقيا 80"، أن حقّقت هذه الكوميديا نجاحاً كبيراً، غير انها شكّلت نهاية مباغتة وصادمة للمسيرة التي جمعت روميو لحود وصباح منذ العام 1963. وجاءت هذه النهاية بعد حرب ضروس بين روميو لحود من جهة، وزوج صباح، النائب جو حمود، من جهة أخرى، أدّت إلى إلقاء قوى الأمن القبض على روميو، واقتياده مقيّداً إلى المخفر حيث قضى ليلة في السجن!حدث ذلك بعدما اشترى جو حمود، مسرح مارتينيز من روميو لحود، "وأصبح صاحبه الأصلي يتصرّف به تصرّف المالك بملكه، ويتولّى تسييره بطريقة جديدة وخط مغاير"، كما جاء في خبر نُشر في خريف 1972. كان صاحب مبنى مارتينيز يطالب لحود بقيمة إيجارات متأخرة، فدفع جو مبلغاً لصاحب المبنى، كما دفع مبلغاً آخر للحود، فبات المسرح ملكه، وباتت مهمة روميو تنحصر في إخراج المسرحيات التي يكلّفه بها صاحب المسرح الجديد لقاء نسبة مئوية. ألّف روميو مسرحية أطلق عليها اسم "زيرو"، فرفضها جو لأنها تطاول بالنقد الوزراء والنواب ورجال السلك الدبلوماسي، واتصل بفارس يواكيم الذي سارع إلى تقديم مسرحية باسم "الفنون جنون". على الأثر، تصاعد الخلاف بين جو وروميو بشكل حاد، فاتّصل النائب بمخفر حبيش وقدّم شكوى ضد الفنّان بتهمة تشويه سمعة وتهديد بالقتل، وانتهت هذه المعركة بإلقاء القبض على روميو وسجنه ليلة.عين الحسودفي مطلع العام 1973، كتب أنطوان الفرزلي في "ملحق الأنوار": "بين روميو لحود وجو حمود ما تقرّ له عين الحسود. وكان آخر فصل من فصول توتر العلاقات بين روميو الفنان وجو النائب وصاحب مسرح المارتينيز، زيارة روميو للسجن مكبّلاً بالقيود. ومع ان أسباب الخلاف لم تظهر إلى السطح، إلا أن ما أُشيع حولها ما سرّبه العارفون يؤكّد أن الخلاف كان حول إجلاء روميو عن سدة المارتينيز والاعتراض على مسرحية "زيرو" التي كتبها، واستبدالها بـ"الجنون فنون" لفارس يواكيم، وما رافق عملية التسلّم والتّسليم من مشاحنات وخلاف وجهات النظر حول طرق وأساليب التعاون. ووصل تصعيد الأزمة إلى حد سحب السلاح، فجو حمود يقول ان روميو لحود هدّده بالقتل. ومع ذلك، أفرج عن روميو في اليوم التالي لاعتقاله، وبعد خروجه، لاذ بالصمت تاركاً المجال للتفسيرات والتخمينات المتعدّدة حول هذه الحادثة بالذات وحول مواقف روميو سابقاً ولاحقاً".وأضاف الصحافي معلّقاً: "ولم يكن منتظراً أن يدافع أهل الفن عن روميو حتى وإن كان كل الحق بجانبه، طالما أنه آثر الصمت والسلامة. وكلّ الفنّانين الذين طالبوا بتحرّك ما يوم اعتقاله، جمّدهم صمت روميو بعد الإفراج عنه، حتى قال أحدهم: هل يريد حضرته أن يتحوّل كل فنان إلى جولييت وهو يرفض أن يكون روميو؟ لكن مهما كانت المواقف ومهما كانت خلفيات الخلاف بين روميو وجو، فان محاولات حسمها بالعنف المسلّح ليست حلّا ناجحاً".