2024- 04 - 20   |   بحث في الموقع  
logo جعجع "يهتدي" بخصومه: الهجوم على السوريين كعدو سهل ومربح logo التلفزيون الفرنسي يلتفّ على الحظر الاسرائيلي..بتسجيل تقرير من غزة logo الاليزيه: ماكرون يواصل التحرك من أجل استقرار لبنان logo الهجوم الإسرائيلي على إيران "بلا أضرار"..ومفاعيله انتهت! logo نتنياهو فوّت فرصتين لصفقة تبادل..السنوار عاد إلى مطالبه logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الجمعة logo ليبرمان يتحدث عن "خطة" نتنياهو للتهرب من تحمل مسؤولية "طوفان الأقصى"! logo بعد هجوم أصفهان.. هل نجت إيران من كارثة؟
مارادونا سوريا.. بلا كأس عالم أو أي كأس آخر
2022-12-03 13:55:59

"النسيان للذات هو الذي يجعل من يحب لا يحيا ولا يوجد لذاته، ولا يفكر بذاته، بل يجد في شخص آخر مبررات وجوده من خلال تمتعه بذاته في هذا الآخر" (هيغل)."إنها ليست كرة قدم فقط"، هذه الجملة التي ينحاز إليها متابعو الرياضة الأوفياء. أكثر من الرياضيين أنفسهم. ضمن حالة نفسية عمومية بعض الشيء، في إضفاء مس إنساني وقيمي، لكل ما يُحبه المرء ويفضله. من أجل إضافة معنى ما للرياضة، تدور الكثير من الأحاديث. وكثيراً ما يتم أخذ الرياضة إلى مطارح قد لا يودها الرياضيون أنفسهم.بلا شك إنها ليست كرة قدم أو رياضة فقط، ما يدلنا على هذا، البُعد الاجتماعي والاقتصادي والعلمي للعبة. هذا مجال طويل لذكر أمثلته لكنه بات معروفاً. لكن شيئاً ما في الحديث عن كرة القدم بات يذكرنا، بصراعات منتصف القرن العشرين، السؤال الذي تاه بين آلاف المقالات والكتب، هل الفن للفن؟ أو هل على الأدب أن يكون ملتزماً؟ الأدب الملتزم، الإشكالية التي طرحها سارتر في كتابه "ما الأدب؟"، وشهدت ردوداً طويلة جلَّها من أدورنو الذي انحاز إلى كانط.." الفن للفن نعم، وليس للفن أكثر من بُعده الجمالي، من دون التأطير في أي قاعدة أخلاقية، أو إيديولوجية".الرياضة أقوى وأكثر ديناميكية، في صراعها بالالتزام، الفيفا تشكل ما يشبه دولة من دول مجلس الأمن، لها سيطرة وإرادة، وتلتزم بما تراه إنسانياً وحيادياً، من دون دخولها في أي معترك سياسي يعكر صفو انتشارها وسيطرتها الاقتصادية. لكنها في نهاية المطاف لعبة اجتماعية، طبيعة اللاعبين، وشخصياتهم وتربيتهم ستنزع نحو الوجود العالمي بشكل أو بآخر. لاعبو البرازيل أبطال دراميون في هذا، أستطيع أن أضع مئات الحوارات للاعبين برازيليين عانوا الفقر والذل، ولم ينقذهم سوى سِحر أقدامهم. أو معاناة اللاعبين السود في الملاعب، والصيحات التي تأتيهم من الجماهير، أو حتى موت طفل للاعب ما، وتفاعل الجماهير في الملعب.يصر متابعو الرياضة بأنها ليست لعبة فقط بل أكبر. لسوريا شأن في هذا، رغم عدم علو كعب سوريا في اللعبة، إلا أنها داخلياً تحمل معنى عظيماً، مثل كل سكان الأرض. قبل بداية الثورة، حملت الكرة أبعاداً ليست رياضية بمعنى الرياضة للرياضة. الرياضة في سوريا ملتزمة، لا على طريقة سارتر بشكل مؤكد، بل على طريقة الاتحاد السوفياتي، كل شيء يحمل إطاراً إيديولوجياً يحتويه، من الفنون والعلم، إلى الرياضة. هنا علينا ألا ننسى أن نقاد سارتر طلبوا منه تبني فكرة الالتزام في الفنون والأدب، السوفياتية لأنها تصب في المصب نفسه. كل ساحة رياضية في القُطر على اسم حافظ الأسد، أو باسل أو بشار. هناك نزعة إيحيائية صوفية، شملت باسل الأسد، منذ وفاته، ففُتّتت واجهة قبره ليصل اسمه لكل صالة رياضية. كل صالة تحمل عنوان المقبرة، العنوان الطويل المفتعل ..."الشهيد، الرياضي، القائد، الفارس، البطل، باسل الأسد".. مخيال قهري لكل رياضي سوري، بالتالي كانت الثورة العام 2011 بدءاً لتحرر جسد الرياضي من واجهة القبر، ولأننا في كأس العالم نتذكر لاعباً، انتقل اسمه من صدى الجماهير الملتزمة، إلى صوت الجماهير الحرة. أو بمعنى آخر خرجت الرياضة من التزاماتها الإيديولوجية.تمرد بعض اللاعبين السوريين العام 2011 على النظام السوري، وأهم مواهبهم حارس المرمى عبد الباسط ساروت، كان مشروعا للاعب عالمي، كأس العالم للشباب كان على مقربة منه وشارك فيه، وحُرم من المشاركة، على حساب حارس دعمه النظام. كان الساروت بموهبته تحت عين كل فرق الدوريات العربية، وضعت عينها عليه لكن، لم تكن الرياضة للرياضة في عقلية الساروت البسيطة، وبقيت كرة القدم في عقليته أقرب لمارادونا. بدت عقلية الرياضة فيه تأسيساً لكل شيء. لم يكن كأس العالم بالنسبة له حُلماً، بل كأس سقوط النظام؟كانت حياة الساروت ذاتها شبيهة بسيكولوجية لاعب كرة القدم، حيث الانتصار في نهاية المباراة أهم من أدوات وآليات الانتصار أو مدى أخلاقيته. كأن لا ينتبه حكم الشارة لتسلل لاعب يُحرز هدفاً، أو قد يُدخل هدفاً بيده من دون أن يُشاهد الحكم اليد. مثل السوريين كلهم، الذين انتابتهم الظنون والارتياب، جراء كيفية انتصارهم على نظام عنفهم وقتلهم وغشهم. فوقوف الساروت خلف الإسلاميين، ومعاداة الكيانات السياسية كلها، لم يكن سوى بحث عن أي طريقة للفوز، وصولاً للقول إنه يبايع داعش(عاد ونفى المبايعة). إنه مارادونا من دون ملعب كرة قدم، مَن ينسى يد مارادونا التي وضعت هدفاً في مرمى إنكلترا أمام ملكتها. وطقس المعمودية في كنيسة في الأرجنتين، حيث يتبارك كل أرجنتيني بضرب الكرة في يده على مجسم من مرمى إنكليزي. الساروت هكذا أيضاً، سيفعل أي شيء وسيلاقي جماهير خاصة تغفر له هفواته. غُفر لمارادونا الهيرويين، وكان طبيبه كاسترو، أما الساروت فغفر له الجميع لأنه كان يحاول الحصول على الكأس من يد النظام فقط.مَن ينسى ساقَي ماردونا ذات الوشوم، كاسترو وغيفارا لكل ساق؟ الساروت كان نقلة في ذاكرة السوريين وجمهور حمص تحديداً، اللاعب الذي سيكون عظيم الشأن في الملاعب، ترك الملعب من أجل التزامه بالإنسان، أو التزامه بما يبدو مختلفاً عن إيديولوجيا الرياضة في سوريا. الساروت اللاعب الوحيد الذي سمع به العالم كُله، كلاعب كأس عالم للشباب، ثم انتقل إلى ميدان الثورة. هذا الالتزام لا يثبت أن الرياضة للرياضة، بل جعل قيمة الرياضية أكثر امتداداً ومعنى. وفي الوقت ذاته لم يكن جهد الساروت مثل مارادونا من أجل كأس عالم، بل من أجل انتصار على نظام، الانتصار عليه لم يتم رغم كل محاولات اللاعب أن يلعب بأسلوب اللعب النظيف، ومن ثم اللعب الغير نظيف.مثلنا كلنا للمرة الألف قد نعيدها، مثلنا كلنا هذا الساروت. لكن الفارق استعداده للموت، أي خسارته رغم قتله للحكم أحياناً، وللاعبين مرات أخرى، وحتى أن يخرج الجمهور من الملعب من دون أن يحب لعب الفريق. مات الساروت من أجل لحظة ليست كروية، لكنها تشابه لاعب مثل مارادونا فعل كل شيء من أجل كأس، ومن أجل المتعة أيضاً.إن الساروت أنضج منا كُلنا، فقط لأنه لم يزح إمعان عينيه عما تعرض له السوريون، فقط لأنه يُريد إعادة الكأس لمرة واحدة لشعب أنهك من الخسارة. كثيراً ما تداعت غضبات الناس على الساروت لجعله تنويري الرأي، مشابهاً لتحرر المثقف، وحرية المرأة، وعلمانية الثورة، لكن الساروت كان في مكانٍ آخر، كموقع مارادونا جرب عظمة الجماهير، وفشلها من خلفه. لمارادونا عقل مشابه، يشتم أميركا، ويُحب اليسار. وحينما يُريد الاستطباب يتجه نحو كاسترو، محاولاً إضافة معنى إنسانياً وقيمياً لقدميه الكرويتين. المرة الوحيدة التي وصل لاعب كرة قدم سوري فيها للعالمية كان الساروت، ولم يصل للعالمية كرياضي بل كرياضي لم تعنه الرياضة شيئاً، سوى أنها وضعت خلفه جماهير مُحبّة للكرة. قُتل الساروت في غارة، لكن أحداً لا ينزع عن اسمه لقب حارس المرمى. هذا هوس الجميع بالكرة، أكثر من هوسهم بالثورة.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top