2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo بصواريخ فلق.. المقاومة الإسلامية تقصف قاعدة للعدو logo مقدمات نشرات الاخبار logo "اتفقنا مع الخماسيّة"... دعوة من عطية للنواب! logo "الحزب" يكثف ضرباته للثكنات.. وإسرائيل تنشر أسماء قادة اغتالتهم logo هل اقترب هجوم إسرائيل على رفح؟ logo "المعابر معلوم من يسيطر عليها"... يزبك: جريمة مقتل باسكال سليمان سياسية logo فريقٌ فنيٌّ إسرائيليٌ تحت نيران حزب الله! logo حزب الله "يوثق" استهداف مقر الفرقة 91 في بيرانيت (فيديو)
روزا ياسين حسن.. المنفى وحميمية اللغة
2022-12-21 13:26:55

رغم اشتغالي مع/على لغتي العربية الأم منذ عقود، اكتشفت مؤخراً بأني لم أختبر علاقتي الحميمية بها إلا في المنفى! بعبارة أدق، لم أختبر روح اللغة العميقة إلا في بلاد غريبة، تعتبر العربية طلاسم سحرية لتعويذات من أناس "غامضين" ومحملين بثقافات "مبهمة" و"شائكة"! اختبرت اللغة العربية على ألسنة "الأغراب" عنها، ومع "الأغراب" الذين يحاولون تعلّمها. كما قال ابن عربي في فصوص حكمه: وما أدركت إلا بحسب استعدادك. وأنا لم أدرك إلا حين فقدت، فقدت التصاقي اليومي بلغة تشرّبتها كبديهية، كمسلّمة، تماماً كمنبتي وطائفتي ولوني وثقافتي الأم، وليس ككيان مستقل "أنوف"، له مزاجه المتفرّد، وعصيّ على كل من لم يعشقه بحق، كاللغة العربية.
وأعني باللغة ليس الكلمات والتعابير والقواعد فحسب، ولكن الحروف أيضاً، ومنهجية الفهم وإدراك الحياة، أي الشكل والمعنى سوية.
في المنفى تعلّمت تذوّق لغتي أفضل، تماماً كما كان الصوفيون يتذوقون لغتهم، اختبرت عمقها حين يحتار "الجديد على اللغة" في تعقّب دهاليز التشابيه والمجازات والكنايات، فيقولون عنها Blumig Sprache، أي لغة منمقة/ مبهرجة، معتقدين أنها كذلك لضحالة فهمهم لها. ولكن ألسنا في كلامنا العادي اليومي نكاد لا نترك جملة تمرّ فيه دون تلك التشابيه والمجازات والكنايات، وكأننا ننظم اللغة عفوياً لا نحكيها؟!
في المنفى اكتشفت غناها حين يجتاح سيل المرادفات ذاكرتنا: ثلاثون وصفاً للمطر، ثلاثمائة اسماً للأسد، عشرات التسميات للبحر، للمرأة والسيف وغيرها! لغة كلما عرفتها أكثر اكتشفت أنك لا تعرفها. في المنفى اكتشفت تطوّرها الحثيث الذي ننكره على الدوام، فالنصوص التي يتعلّمها طلابي في قسم الاستشراق، وعمرها أقل من مئة عام، تنبئك عن الرحلة الحثيثة التي قطعتها هذه اللغة في أزمان قياسية.
في يوم ما اقتنعت بأن لغتي الأم امرأة ناضجة، واعذروني على التعبير المبتذل ولكن لا بدّ منه، ناضجة إلى الحدّ الذي لم تعد تأبه فيه بآراء من لا يعرفها حق المعرفة، نائمة من ملل الحياة والتاريخ الطويل الطويل الذي اختبرته، وربما تحتاج من يوقظها ولكن بالدهشة وربما بقبلة، والقبلة قد تكون نصاً أو قراءة أو تأويلاً أو لعباً ممتعاً بالكلمات. لغة متجدّدة ظلمتها الإيديولوجيات بكل أشكالها، كبّلتها وحمّلتها أثقالها.
في يوم اللغة العربية أريد أن أحيّي الكثيرين، ولا يسعني هنا للأسف أن أحييهم كلهم، سأكتفي إذاً بتحية لابن مقلة، نبي الخط، كما وصفه التوحيدي، ذاك الذي أفرغ الخط في يده كما أوحى إلى النحل في تسديس بيوته. والذي كتب ابن الرومي على قبره:
كذا قضى الله للأقلام مذ بُريت أن السيوف لها مذ أرهفت خدم
كل صاحب سيف دائماً وابداً مازال يتبع ما يجري به القلم
وبالمناسبة لم أقرأ أجمل من كتاب رفيق الشامي: قرعة جرس لكائن جميل، في مديح ابن مقلة.
في يوم اللغة العربية تحية للصوفيين، وأولهم الحلاج، أولئك الذين جعلوا اللغة العربية في حقبة من عمرها تنثال شغفاً وعشقاً ودفئاً وسحراً، مازال ملتصقاً حتى اللحظة بها كعطر.
وفي يوم اللغة العربية تحية لمعلمة اللغة في مدرستي البعيدة، تلك التي قالت لي يوماً: تكتبين اللغة كمن يقطّع أوراقاً نتفاً وينثرها في الريح، ترقصين مع الكلمات كعاشقين فلا تخضعين لها ولا تخضع لك، أنت تكسّرين قواعد اللغة يا ابنتي.. ستكونين كاتبة. ولا أعرف إن كانت تدرك ماذا فعلت كلماتها بي.
في يوم اللغة العربية تحية لكل عاشق لها، يحكيها بفخر، يعلّمها لأولاده، يعمل معها، يصاحبها، ولا يقسرها على دين أو جماعة أو أيديولوجيا.
في يوم اللغة العربية/ لغتي الحبيبة تحية لكل من اقتنع بما قاله (مانغويل) يوماً مقتبساً من دوبلن: اللغة صيغة من حب الآخرين.
(*) مدونة نشرتها الروائية السورية روزا ياسين حسن في صفحتها الفايسبوكية.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top