2024- 04 - 25   |   بحث في الموقع  
logo عبّاس إبراهيم: لا مصلحة لأميركا في نشوب حرب logo بالصورة – وفد من حزب الله في كليمنصو.. من ضمّ وبماذا تمّ التباحث؟ logo إشكال بين شاب وعمّه يتطوّر إلى إطلاق نار من رشاشات حربيّة logo بيان من أمانات السجل العقاري في جبل لبنان.. ماذا جاء فيه؟ logo أحزمة نار وتدمير بلدات... تطور جهنمي في الجنوب اللبناني! logo الجيش الإسرائيلي "يزعم" استهداف مبنى عسكري لحزب الله (فيديو) logo ميقاتي بحث مع ماغرو في التحضيرات لزيارة وزير خارجية فرنسا الى لبنان.. واستقبل منصوري logo صور تغني عن ألف كلمة
أسماؤنا التي يتعب فيها أهلنا.. حين نولد إناثاً
2022-12-21 17:56:10

لطالما أحببت "الأسماء"، وكنت كلما جالست امرأة حامل أصير اسألها عما تفكر فيه من أسماء واقترح عليها من لائحتي الطويلة التي لا تنفك تتغير بين عشية وضحاها. ففي كل مرة أُعجب بإسم جديد وأنسى اللائحة التي سبقته، وهو ما أعطى شهرة هزلية لأسمائي في العائلة التي سرعان ما تؤولُ للضحك والسخرية وتنتهي بـ"خَلَّي اسمائك ألك".و"تخلية" أسمائي لين قادتني إلى تأمل عملية تسمية المواليد الجدد في البيئة المحيطة، في فلسطين، وإلى ملاحظة ما يُسمّى "باقتصاد الأسماء"، وأعني به هنا أن مجموعة أسماء في العائلة الواحدة يجري اقتصادها وحصرها في مجموعة من الأسماء التي تتكرر جيلًا بعد جيل. إذ يحمل الأبناء أسماء آبائهم وأعمامهم وأخوالهم، وهكذا في دائرة مغلقة، فيما تسمية الإناث تتجاوز هذه العملية الاقتصادية لتتفرّع وتتنوّع وتجُاري الصيحات الجارية في تسمية المواليد في كل عصر.فمثلًا في عمارة عائلتي في غزة، لا توجد سوى أسماء ثلاثة من بين عشرة ذكور جاءت من خارج الدائرة العائلية للأسماء المُقتصدة بين اسم الجد والأعمام والأصحاب. أما الإناث، فإن أيّاً من أسمائهن لم يكن من دائرة أسماء العائلة المعادة. فحتى اسم الجدة لم تجرِ إعادته، فيما أُعيد اسم الجد مرتين. أما في عملية اختيار الاسم نفسها، فإن تسمية الذَّكَر لا تأخذ القدر نفسه من الاهتمام والتفكير الذي تستغرقه تسمية الأنثى من مداولات ومناقشات ظاهرة الودّ... لماذا؟ وإن كان بوسعنا أن نصبغ على المجتمع "عقلانية" ما، فما هو المنطق الاجتماعي "العقلاني" الذي أفرز هذه الظاهرة؟"أسامينا شو تعبوا أهالينا تَلاقُوهَا" (فيروز)في كثير من الأحيان تكون أسماء الذكور جاهزة، كالطعام المُعلَّب، على اسم الجد أو العم أو الخال، وقد يظهر للوهلة الأولى أن الاعتناء الجمالي فعل حصري في عملية اختيار الأسماء الأنثوية. غير أن التفكير مليًا يبين أن الاعتناء الجمالي ليس شأنًا حصريًا للأنثى، لكن معايير الشأن الجماليّ تتباين لدى الجنسين. فمعيار اختيار اسم الأنثى الجمالي قائم بذاته، ويدور حول الغاية الجمالية وحدها، في حين أن معيار اختيار اسم الذكر الجمالي قائم بغيره ويدور في مدار هذه الغيرية. في أسماء الإناث لا تُغفل مراعاة لغة العصر ونبضها، "الموضة"، ليؤكّد الاسم الجديد انتماء الفتاة لعصرها، وإن كان اسمها مستعاراً بالكامل من ثقافة أجنبية. أما في أسماء الذكور، فالشأن الجمالي السائر فيه ينتمي غالبًا إلى جماليات الاسم في التراث القديم، المعبّرة غالبًا عن قيَم الرجولة والأصالة والشجاعة والقوة وغيرها، وبكلمات تنتمي للثقافة المشتركة للبيئة المحيطة بالمولود. إسم الذكَر يدور في مدار تأصيل الامتداد التاريخي للمولود بآبائه السابقين، لتغدوا جمالية الاسم الجديد مستمدّة باستمرار من جماليات العصور السابقة عليه.وفي أسماء الذكور، ربط للأبناء بجذورهم، اسم العائلة وأمانة الحفاظ عليه، رأس مال اجتماعي. لكن في أسماء الأناث، تتضائل قيمة الاستثمار الاجتماعي، والامتياز الجمالي كأنه الاستثمار الوحيد، في مجتمع يُعلي شأن "الجمالي" في كل أمور الأنثى بدءًا من جسدها. أما الذكَر فـ"لا يعيبه شيء" أو "لا يعيب الرجل إلا جيبه".الاعتناء الجمالي في تسمية البنت، تكثيف رمزي لكل ما سيتبعه من الاعتناء الجمالي المبالغ فيه الذي سيطوق حياة الأنثى كمتطلب لأنوثتها، من تفاصيل جمالية يُعتنى بها اجتماعيًا أولًا من قبل العائلة، وثانيًا من قبل الفتاة نفسها التي يُخلق لديها الاستعداد الاجتماعي لهذا الدور، لباس وزينة وشكل الجسم وطريقة الكلام والاتيكيت... حتى لتبدو العملية وكأنها عملية خلق مدروس لجسد أنثوي مُشتهى ومرغوب، عبر الرموز والعلامات. بناتُنا لنا.. أبناؤنا للمجتمعالذكور هم الذين يوكل إليهم استمرار اسم العائلة في الوجود. لكن المرأة لم تُعط حقّ الانتساب هذا في سلسلة الأسماء المعلنة للمجتمع، ويغيب وجودها عن واجهة الأسرة، فلا داعي للتكرار من أجل "الخلود". يُحكى أنه قيل لأحد الأعراب: لم تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح؟، فأجاب: إنما نسمّي أبناءنا لأعدائنا، وأما عبيدنا فهم لأنفسنا. فكأن اختيار أسماء الأبناء موجه إلى الخارج، نحو المجتمع، لترسيخ الهوية الاجتماعية للعائلة أمام الآخرين، في حين أن اختيار أسماء الأناث الناعمة والجميلة هو شأن موجّه إلى داخل الأسرة في علامة لرفاهيتها وطلبها للجمال والتمتّع به. فنظرًا لارتباط الأصيل والقديم والشائع في أسماء الذكور، بالرجولة والأصالة، فإنّ اختيار الإسم الحداثي قد ينأى عنه لأنه قد يدلّ على "ميوعة" و"نعومة" تتنافيان مع الدور المنتظر تحقيقه اجتماعيًا للمولود الجديد.هكذا، يبدو أن عليّ مراجعة لائحة مقترحاتي للصديقات والقريبات الحوامل. ربما عليّ مراعاة معاييرهن وعائلاتهن ومجتمعنا. لكني على الأرجح لن أفعل. لن أتخلى عن متعة الخيال الإسمي... فربما، فقط ربما، يأتي يوم وتعجب إحداهن بإسم غير مكرر ومُقتصَد لإبنها، أو بإسم لا يحصر مولودتها في جماله.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top