2024- 04 - 25   |   بحث في الموقع  
logo عبد المسيح: لم نقم بحملة جدية على الأرض لمنع التمديد logo ابي رميا: لدعم موقف لبنان الداعي الى العودة السريعة للنازحين السوريين الى بلادهم logo قائد الجيش استقبل رئيس عام الرهبنة اللبنانية المارونية في اليرزة logo مع عدد من النواب.. مولوي عرض الأوضاع العامة وشؤونا إنمائية logo تراجع نسبي بحدة المواجهات جنوباً.. والمستوطنون يطالبون بـ"العودة" logo بعد السعي لِمنع تصدير أسلحة لإسرائيل... اقتراحٌ "متطرف" جديد لِسموتريش ! logo اسرائيل تستبدل لواء "ناحال" بِاثنين من الاحتياط... وهجوم رفح بات وشيكًا! logo "حزب الله" يكشف حقيقة مقتل نصف قادته في الجنوب
اقتصاد الانتباه... القديم والحديث والمعاصر
2022-12-24 08:26:16

نال مفهوم "اقتصاد الانتباه" اهتماماً واسعاً في العقدين الأخيرين، مع صعود شبكات التواصل الاجتماعي وتقنيات البيانات الضخمة وأسواقها. إلا أن المصطلح ليس بهذه المعاصرة كما يبدو، بل يعود صكه إلى نهاية القرن التاسع عشر. في كتابه "تعطيل التلقي: الانتباه والفرجة والثقافة الحديثة" (1999) يسعى مؤرخ الفنون جوناثان كراري، لوضع تاريخ للانتباه وللتقنيات الثقافية والجمالية المعنية بإدارته في عصر الحداثة، مركزاً على الفترة من 1880 إلى 1905. ما يسعى كراري إلى تأكيده هو تعقيدات الانتباه كظاهرة، تتقاطع عليها محددات متناقضة للحداثة. فمن ناحية يعدّ الانتباه شرطاً جوهرياً في عمليات الخبرة الشخصية المباشرة والاختيار الحر والفردية والأبداع، كما أنه من ناحية أخرى يعدّ عنصراً رئيسياً في كفاءة عمليات توليد القيمة الرأسمالية ومؤسسات الضبط السياسي، هذا غير كون الانتباه أحد المواقع المركزية للإنتاج الكثيف للثقافة الجماهيرية واستهلاكها.
إذاً، أين يمكن موضعة الانتباه، على جانب الفردية أم الاستهلاك الجماهيري المعمّم؟ وهل ينبغي النظر إليه بوصفه شأناً جمالياً أم مسألة تتعلق بالاقتصاد؟ الإجابة التي يقدمها كراري هو أن زوايا النظر تلك، ليست حصرية، وأن استيعاب الظاهرة يستدعيها جميعاً.
أما ريتشارد لانهام الناقد والمتخصص في الدراسات الأدبية، ففي كتابه "اقتصاديات الانتباه: الأسلوب والمحتوى في عصر المعلومات" (2007)، فهو يتفق مع أن الاقتصاد"الحديث" لم يعد يدور حول السلع أو الأشياء بل حول الانتباه. إلا أنه يعود وينفي ضمناً أن تكون تلك ظاهرة حديثة، بل ويذهب إلى أن اقتصاديات الانتباه تعود إلى أكثر من ألفي عام، من أول الخطابة الرومانية إلى عصر الراوية وبعدها السينما فالتلفزيون حيث كان ولا يزال "الأسلوب" ولاحقا "التصميم" هو الموضوع الرئيس لعمليات الإنتاج والتلقي في سوق للمنتجات الرمزية. ما يبدو معاصراً هو التوسع في تلك الأسواق، واستيعابها عبر التقنيات الرقمية لجماهير أكبر، ليست قادرة على الاستهلاك وحده بل أيضاً على الإنتاج، وأحيانا المساهمة في عمليات تصبح فيها ثنائية الإنتاج/ الاستهلاك مفتعلة، فالجماهير نفسها هي من تقوم بالعمليتين في آن.
قسط من التحليل المعاصر المنصب على اقتصاديات الانتباه، يغفل عن تاريخيتها وبالتالي يعجز عن تحليل تطورها والرجوع بها إلى "أزمة الانتباه" المرتبطة بالحداثة. وبالإضافة إلى لا تاريخيتها، فتلك التحليلات تظل في معظمها منصبة على العناصر التقنية والإدراكية والاقتصادية للظاهرة، بمنطلقات تتأسس على الحتمية التكنولوجية، فالخوارزميات الرقمية هي التي تحدّد كل شيء، وذلك دون الالتفات للجوانب الجمالية والثقافية فيها.
تتشابه مثل تلك التحليلات مع نقد "مدرسة فرانكفورت" للثقافة الجماهيرية، فغير الحس النخبوي الذي لا يرى في ظواهر معقدة مثل السينما الأميركية والموسيقى الجماهيرية وكذا الموضة و"تريندات" وسائل التواصل الاجتماعي، سوى عمليات استلاب معنوي وإدراكي وتشتيت متعمد، في سياقات من عمليات الهيمنة الرأسمالية، فهي كذلك لا ترى في الجماهير سوى جموع مستلبة بالكامل، بلا قدرة على التلقي المستقل أو الاختيار الحر وإعادة التفسير والتوظيف. وفي هذا يذكرنا نبذ "التريند" وجماهير وسائل التواصل الاجتماعي، بالهلع من الحشود على خلفية الثورة الصناعية. ففي نهاية القرن التاسع عشر، صورت حشود طبقة العمال الصاعدة على أطراف المدن الصناعية الأوروبية على أنها كتل بشرية هائجة تفتقد إلى العقلانية والإرادة الحرة والوزاع الأخلاقي، كما أننا نعود اليوم لنرسم صورة مشابهة لجماهير العالم الرقمي المستلبة والشرهة والمشتتة.
لا يعني هذا بالتأكيد نفي مفهوم الاستلاب بالكامل أو التخلي عن التحليلات الاقتصادية حين يتعلق الأمر بالانتباه، فما يتطلبه تفهّم الظاهرة بالإضافة إلى هذا كله، هو النظر في الطرائق التي يتعامل بها الأفراد مع تقنيات جذب الانتباه وموجاتها، وكيف يصبح هؤلاء الأفراد والجماهير الأوسع منتجين لا مستهلكين فقط. وفي سياق العلاقة الملتبسة بين حدود الإنتاج والاستهلاك، ما الطرق التي يراوغ بها الأفراد والجماعات سلطة اللوغاريتمات والتقنية ويقاومنها ويستمتعون بها، وربما يعيدون توظيفها لصالحهم.


وكالات



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top