2024- 04 - 19   |   بحث في الموقع  
logo قاسم: لن نتراجع عن مساندة غزة logo "محدود للغاية"... معلومات "جديدة" عن الهجوم الإسرائيلي على إيران logo بعد رصد دقيق ‏وترقب... حزب الله يستهدف "هامر" logo جريحان لـ "اليونيفيل" جنوباً! logo بالفيديو: إشكال كبير في برج حمود logo الرئيس سليمان عن عملية أصفهان: نهاية سعيدة للمسرحية logo "بأسلحة الميمز"... تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل يثير تفاعلاً! logo بيان "لافت" من "حراك المعلمين المتعاقدين"
الزلزال كغضب من عند الله
2023-02-08 07:26:57


الزلزال ليس غضباً من عند الله.ولّى، منذ آلاف السنين، الزمن التوراتي الذي كان الله خلاله يتدخل شخصياً لمعاقبة عبيده أو أعدائهم بالطوفان والبراكين والزلازل والضفادع وقتل الرُضّع. ما عدا النشاطات الطبيعية المعتادة للكرة الأرضية بالقتل الجماعي لكائناتها بين فينة وأخرى، وفي مناطق متفرقة من الكوكب، فقد ترك الله للبشر أنفسهم أن يتولوا قتل بعضهم بعضاً من دون أدنى تدخل، وقد أبلوا، والحق يقال، بلاء حسناً في هذا المضمار.
ليس غضباً من السماء. لهذا السبب بالتحديد، ما زال معظم الناس يصرّون على اللجوء إلى الله حين يجدون أنفسهم في مواقف معقدة تفوق إدراكهم وسعة صدرهم، مثل أن تموج الأرض بهم، ولا يدرون حقاً ماذا يفعلون إلا أن يندهوا باسمه وباسم قديسيه الموزعين بينهم كل بحسب دينه واختصاصه. يرتجلون الصلاة وليس لهم، في لحظات يأسهم التي يظنونها أخيرة، إلا رحمته العظيمة. ليس لهم إلا تلك الثقة الجارفة بأنه لم يحرّك الصفائح تحتهم لينتقم منهم هم بالتحديد، بل تحركت لسبب آخر، قد يكون شيطانياً ولا أحد أقوى منها، ومن الموت نفسه، إلا خالقها وخالقهم ليحميهم من شرّها.
لكن لا. ثمة واعظ ما، في مكان ما، لم يتخط بعد أعجوبة قدرته على وضع وجهه في عدسة هاتفه، لتصل صورته مع صوته إلى الكوكب برمته. شخص يتراوح عمره بين الخامسة عشرة والخامسة والثمانين، يسمي نفسه ما شاء، رجل دين، إنفلونسر، دوستويفكسي إنستاغرام، داعية تيك توك، لا ينتظر على الأقل إلى نهاية الهزة، ليخرج مهللاً: هذا الزلزال عقاب من الله.
يطلق رأيه الحاسم هذا، ويضرب قدمه بالأرض، ويستعد للهجوم على أي لون أحمر حوله. لا يعود مستعداً لأي استفسار ليس في كيفية حصوله على هذه المعلومة المصيرية، وقد انقطع الاتصال المباشر بين السماء والأرض منذ أكثر من 1400 سنة. ليس مستعداً لأن يفسّر لماذا يغضب الله على قرى آمنة مؤمنة في سوريا، بينما يغض النظر عن لاس فيغاس، مدينة إبليس التي كان من الأفضل أن يقلب أعلاها أسفلها قبل تأسيسها حتى، لعلمه المسبق أي معاصٍ سترتكب فيها على مدار الساعة. ليس مستعداً لأن يشرح لماذا يفسد علاقة الله بالناس؟ ماذا يستفيد؟
فجأة يقرر، من موقعه العالي على الكنبة، حيث يشرف على العلوم البشرية برمتها، أن يحمّل عشرات الملايين من البشر ذنباً لا دخل لهم فيه يضاف إلى الكارثة الهائلة التي يمرّون فيها، والتي تقضي على أرواحهم أو تتركهم بجروح نفسية وجسدية لن تندمل لما تبقى من حياتهم، وتجعل حاضرهم حالكاً ومستقبلهم أشد حلكة. يذنّبهم ليس لصدفة أنهم يعيشون فوق أرض معرضة للزلازل، بل لأنهم أغضبوا الله. هؤلاء الأطفال الذين يسحبون من بين الركام ماذا فعلوا خلال السنوات الست كحد أقصى التي عاشوها حتى الآن كي يلقنهم الله مثل هذا الدرس العنيف؟ لا هم يعلمون ولا نحن. فقط الواعظ الديني على تويتر يعلم. وهو، فوق ذلك، غامض ومتكتم، لا يضيف على نبوءته إلا آية من القرآن ينسخها ويلصقها في التغريدة، لا يفهم ما الذي تعنيه ولا في أي مناسبة نزلت. نحن غير مهمين، المهم أنه أمرنا بالمعروف ونهانا، بعد زلزال، عن المنكر، ونال ثواباً جديداً، يضاف إلى رصيده في القصور التي يبنيها لنفسه في الجنة.
مثله، هذا المخلوق الافتراضي، موجود في وسائل التواصل أكثر من الغبار في بيت مهجور. يقفز، في مناسبة ومن دونها، ليدلي بأسوأ رأي ممكن في أي حدث، من عدم جواز الترحم على غير مسلم، إلى السؤال عما فعلته امرأة لتتسبب بمقتلها على يد والدها وشقيقها وزوجها، إلى نظرياته الخاصة الشاملة كل العلوم، من الفيزياء إلى الاجتماع. قد يمكن تخطيه لولا أنه يضم مؤثرين فعليين، لهم جمهورهم من المؤمنين الصادقين، الذين يحفظون مقولاتهم الخرقاء، ويعيدونها من بعدهم بتشويه أعمق وأسوأ من الأصل، ويحولون هذه المساحة المفتوحة إلى مصنع لتخمير الترهات السامة التي تبتلع وهي تنفجر معظم البديهيات، التي منها أن الأرض لا تهتز وتقتل هذه الأعداد المهولة من البشر لتترك لنا إنذاراً كي نعود إلى الله، أو تكتب لنا حكمة ركيكة نتداولها بيننا تذكرنا بأن نحب أصدقاءنا ثلاث مرات في اليوم. ترهات تبتلع تعاطفاً صادقاً ليس في أيدي العاديين غير السوشال ميديا للتعبير عنه، يهجم حرّاس العلاقة مع الله عليه ليقرروا عنا أن التعاطف مع الضحايا ليس وقته، وأن الفرصة التي أعطيت لنا بالبقاء أحياء ينبغي علينا استغلالها إلى الأقصى في الأنانية المطلقة، في التفكير فقط بكيفية محو ذنوبنا السابقة وعدم تكرارها، كي نخفف ما استطعنا الغضب فنمنع الزلازل أو نؤجلها كي تنال من أجيال لاحقة. بالعودة سريعاً إلى الله، وبما يشبه التشفي من الضحايا، تتوقف الزلازل في مناطقنا، وتنتقل أخيراً إلى لاس فيغاس التي لا يؤجل نهايتها المرتقبة إلا المعاصي التي يرتكبها الأطفال منذ فترة بعيدة على طرفي الحدود بين سوريا وتركيا.بانعدام الأخلاق وحس التضامن والنبل، ننجو من الزلازل.. بتحميل الله والضحية معاً ذنب الكارثة، وكلاهما بريء من هذا الذنب.


وكالات



كلمات دلالية:  الله ليس هذا كي لهم أي الزلازل لنا
ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top