لا يصح في دائرة زحلة الانتخابية القول بأن نتائجها الرسمية لم تحمل مفاجآت، لجهة تقاسم أصواتها بين لوائح ثلاث، بدا منذ البداية أنها تسيطر على الجو الانتخابي العام.
قوة "زحلة تنتفص"فأبعد من لعبة الحواصل التي "استقتلت" القوى المتصارعة لتأمينها، وصولًا إلى إنفاق مئات آلاف الدولارات، واستخدام كافة أساليب القمع والترغيب والترهيب، وإطلاق النداءات والأبواق في الجوامع وقرع أجراس الكنائس، حصدت "زحلة تنتفض"، نقلا عن ماكيناتها للأرقام الرسمية 7713 صوتاً للائحتها، ونحو 4500 صوت لمرشحها التفضيلي عيد عازار. بينما كان حضور مندوبيها شبه معدوم في يوم الانتخابات، وناشطوها يؤمنون مأكلهم ومشربهم وتنقلاتهم على حسابهم الشخصي. ومن هنا، ربما يصلح الحديث عن المفاجأة التي حملتها هذه الانتخابات، حتى لو انشغلت معظم وسائل الإعلام في احتساب خسارات وربح أحزاب المنظومة السياسية نفسها بهذه الدائرة. فانتخابات 2022 أخرجت بعض الصوت الذي اعتاد الصمت في زحلة، ووجهته لخيار ثالث، كان ربما سيكون أكثر فعالية، لو أن هذه القوى وحدت جهودها، ووضعت أنانياتها جانباً استجابة لتوق الناس إلى التغيير الذي كانوا مستعدين للتصويت له، لولا محاربة هذا الفريق بسلاح تشتته.القديم على قدمهوباستثناء ذلك، جاءت النتائج كما كانت متوقعة لجهة تقاسم مقاعد الدائرة السبعة بين ثلاث لوائح. لا يمكن القول إنها خاضت مواجهة فعلية أو أقله تنافساً على مقعد من المقاعد التي فاز بها كل فريق. وإنما أظهرت الترشيحات منذ البداية، تقاسم المقاعد بين هذه القوى، بما يسهل مرور الانتخابات بسلاسة، ومع إبقاء القديم على قدمه.
وهكذا فازت لائحة "زحلة السيادة" التي شكلتها القوات اللبنانية بالتحالف مع الرئيس فؤاد السنيورة بثلاثة مقاعد، بعدما بلغ حاصلها 25 ألفاً و646 صوتاً، ضمن لها المقعد الثالث بكسر أعلى صب لمصلحة النائب السني المنتخب بلال الحشيمي الذي حصل على 3865 صوتاً. فيما أمنت القوات لمرشحيها التفضيليين فوزا مريحاً، فنال النائب الأرثوذكسي الياس إسطفان 6768 صوتاً، وهو الوجه الأرثوذكسي الجديد في المجلس، بعد الخلاف الذي دب بين نائب القوات السابق سيزار المعلوف وكتلة القوات. فيما جاء التصويت القواتي الأعلى بقرار حزبي لمصلحة النائب جورج عقيص الذي نال 11821 صوتاً. علماً أن القوات وجهت أصوات اغترابها لمصلحة عقيص. فنال وفقاً لأوساط الماكينات العدد الأكبر من هذه الأصوات التي صب بعضها أيضاً لمصلحة لائحة "زحلة تنتفض" والتيار العوني. وعدد الزحليين المغتربين الذين اقترعوا في الخارج بلغ 5900 ناخب، وهو رقم فاجأ جميع الماكينات الانتخابية، وخصوصا ماكينة النائب ميشال ضاهر، التي لم تقم للاغتراب حساباً، خصوصاً أن عدد المقترعين المغتربين في الدورة السابقة بقي في حدود ألفي ناخب فقط.
إلا أن الحاصل الأكبر انتخابياً بدائرة زحلة كان لمصلحة لائحة "زحلة الرسالة" التي تضم تحالف حزب الله مع التيار العوني وحزب الطاشناق. وقد نالت 27 ألفاً و872 صوتاً، وفقاً للأرقام الصادرة عن لجان الفرز، ما أمن لها ثلاثة حواصل توزعت على كل من النائب الشيعي رامي أبو حمدان الذي نال العدد الأكبر من أصوات لائحته، والماروني سليم عون، والأرمني جورج بوشيكيان. وصعب الوصول إلى أرقام هؤلاء الرسمية عبر ماكيناتهم الانتخابية.فوز ضاهر بعد خوفإلا أن كل الحماسة اختزنها ما رافق إصدار نتيجة لائحة "سياديون مستقلون" التي شكلها النائب ميشال ضاهر. فبعد أن نامت ماكينة ضاهر ليل الأحد على احتفالات بحاصل وكسر أعلى، ضمن فوز ضاهر عن المقعد الكاثوليكي الثاني، إلى جانب المرشح السني عمر حلبلب، ترافق فرز أصوات المغتربين الزحليين وضمها الى نتائج أقلام الاقتراع مع بلبلة سادت أروقة قصر عد زحلة، حيث لجان الفرز، وأخّر إصدار النتائج حتى ساعات الظهر الأولى.
وفقاً للمصادر التي رافقت عملية احتساب الأصوات، فإن نسب الاقتراع لمصلحة ضاهر في الاغتراب كانت متدنية جداً، وهو ما وضع نتائجه على شفير هاوية، كادت أن تتسبب بمفاجأتين مدويتين: الأولى خسارة ضاهر نفسه بعدما كان يتحدث عن وصوله مع نائب ثان. والثانية فوز المرشح الكاثوليكي الأضعف على لائحتي الأحزاب المتبقية في السباق. وبدأ مناصرو القوات اللبنانية يحتفلون بالمرشحة سابين القاصوف، التي لم يتخطَ عدد الأصوات التي نالتها المئات، وحضرت هي شخصياً، معتبرة أن الفوز ليس مستبعداً، شرط أن لا تقع عملية تزوير. لتفتح لاحقا أيضا شهية المرشح الكاثوليكي على لائحة "زحلة الرسالة" ربيع عاصي الذي لم يحصد سوى عشرات الأصوات. الأمر الذي استدعى حضور النائب ميشال ضاهر إلى قصر عدل زحلة، وإشرافه شخصياً على فرز الأقلام حتى آخر صوت في آخر صندوق مع مندوبيه. وقد ساد التجهم معظم وجوه العاملين في الماكينة، قبل أن تنفرج الأسارير مجدداً بعد إعادة نتائج عدة صناديق، لتحسم فوز ضاهر بالمقعد الكاثوليكي الثاني حاصداً 8229 صوتاً لنفسه، و15477 صوتاً للائحته التي أشار ضاهر أنها لم تكن بعيدة سوى بـ180 صوتاً عن تأمين حاصل ثان. فخرج ضاهر حينها ليصرح بافتخاره بهذه النتيجة التي حققها مستقلاً وبعيداً عن الأحزاب والإقطاع. الأمر الذي أثار امتعاض بعض مناصري القوات الذين ذكروه بأصوات تيار المستقبل التي صبت لمصلحته. تدني التصويتلم يغنم الصحافيون الذين انتظروا أمام قصر عدل زحلة ساعات، بمعلومات رسمية وافية، بانتظار أن تصدر كل النتائج عن وزارة الداخلية. إلا أنه من أبرز الملاحظات التي كان يمكن تسجيلها حول هذه الانتخابات، كان التدني في نسبة التصويت، وخصوصاً عند الناخبين المسيحيين والسنة. وهو ما جعل النائب السني يفوز بعدد الأصوات الأدنى بين زملائه الفائزين في لائحته. علماً أن الكل كان ينتظر من الشارع السني أن يكون رافعة أساسية للائحته. هذه الرافعة لا يمكن القول أنها تأمنت في لائحة القوات اللبنانية. إلا أن تفاصيل النتائج الرسمية يمكن أن تبين الدور الذي لعبته في فوز النائب ميشال ضاهر، الأمر الذي يمكن أن يتوضح في الأيام المقبلة.
وثمة إجماع في المقابل على الدور الذي لعبه المال السياسي في رفع نسبة التصويت السني، وقد تجلى ذلك خصوصاً في النتيجة التي حققها المرشح السني على لائحة "الكتلة الشعبية" التي ترأسها ميريم سكاف، والذي حصد وفقاً للنتائج غير الرسمية الجزء الأكبر من أصوات السنة، وأمن رافعة كبيرة للائحة سكاف، قربتها من الحاصل الأول، لكنها لم تسعفها في الوصول إليه. علما أن عدد الأصوات التي نالها المرشح السني محمد حمود فاق بأشواط عدد الأصوات التي حصدتها سكاف وفقاً للنتائج غير الرسمية، فخرجت سكاف بالتالي للمرة الثانية من سباقها إلى المجلس النيابي.
أما اللوائح الثلاث المتبقية، ومن بينها لائحة "قادرين" فقد جاءت نسبة التصويت لها متدنية جداً، فخرجت من المعركة من دون أثر تتركه للدورات المقبلة. إلا إذا وضعت جهداً فعلياً في إقناع الزحليين بخطابها ومشروعها.